الهندال يتناول الرواية التفاعلية وأثرها على الرواية الواقعية

فهد الهندال يوضح أن جيرار جينيت يكاد يقترب من فكرة التفاعل ضمن إطار المناص التأليفي الخاص بالمؤلف.
الناقد الكويتي يشير إلى أن أثر الرواية التفاعلية من الممكن أن يكون حميدا ومنجزا للنص في حال اتصاله مع المتلقي في لحظة الخلق والتكوين للنص
لم تكن التكنولوجيا، لوحدها سببا في تأسيس مفهوم الترابط النصي الذي يتصل بمفهوم التفاعل النصي سواء مطبوعا أو إلكترونيا

أوضح الكاتب والناقد الكويتي فهد الهندال أن جيرار جينيت يكاد يقترب من فكرة التفاعل ضمن إطار المناص التأليفي الخاص بالمؤلف الذي حدده بقوله: "هو تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، المصاحبة لنصها، والعاضدة له شرحا وتفسيرا، فالمناص نص ولكن نص يوازي نصه الأصلي، محققا بذلك نصيته من خلال ميثاقه (التخييلي) مع الكاتب، ومحققا كذلك مناصيته بمعاقدته (طباعيا) مع الناشر، فالمناصية هي ما تجعل من النص كتابا يقترح نفسه (بمصاحباته: النص المحيط، والنص الفوقي)، على قرائه خاصة، وجمهوره المستهدف عامة". 
وقال الهندال - أثناء مشاركته في الدورة 16 من ملتقى الشارقة للسرد "الرواية التفاعلية .. الماهية والخصائص" الذي عقد في العاصمة الأردنية عمّان خلال الفترة من 17 – 19 سبتمبر/أيلول 2019 - هذا يحيلنا بالأساس إلى مصطلح جيرار جينيت Paratext، الذي تُرجم إلى المناص أو العتبات أو النص الموازي. 
فالمناص عند يقطين تلك "البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة، وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا، وقد تنتمي إلى خطابات عديدة، كما أنها قد تأتي هامشا أو تعليقا على مقطع سردي، أو حوار وما شابه". 
 وبتعبير سابق لـ بورخيس "البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو الرجوع منه". وهو ما قد يعني، أهمية الدور التواصلي الذي قد تلعبه البنية في توجيه القراءة.

هناك تفاعل بين الروائي امبرتو ايكو وقرائه حول بعض أعماله الروائية، كتغييره لاسم شخصية روائية حتى لا يكون هناك ترابط نصي سهل المعاينة والإدراك مع حياة روائي يحمل ذات الإسم

وأوضح الهندال أنه إضافة إلى Paratext  هناك مصطلح جينيت الآخر Epitexte، أي النص الفوقي أو النص الموازي الخارجي، وهو "يكتب بمنأى عن النص، وإن كان جزءا من رؤية كاتبه، ومتصل بعوامله اتصالا وثيقا". فهذا النوع يتعلق بكل ما له صلة بالكتاب من الخارج، كنقده، وتقديم، قراءة فيه، اللقاءات مع الكاتب، الحوارات، المناقشات، ندوات، تعليقات، مراسلات، مشاركات. وهو بطبيعة الحال، متأخر زمنيا عن الكتاب، أي النص الأساس أو المتن، لأن الكتاب هنا وسيلته النشر الطباعي/الورقي/الخطي. ومع كل نقاط التلاقي، مع النص والكاتب، إلا أن العلاقة هنا تبقى منحصرة ضمن تفاعل غير مباشرة. ولأهمية دور التفاعل المباشر عند بعض الكتاب، وبعد ثورة المعلومات، أصبحت هناك حاجة ماسة لتنوع الوسائل والوسائط للسرد، لاسيما وأن السرد متعدد الوسائط كما ذكر جيرالد برنس بأن دانتو وغريماس وتودوروف قرروا أن السرد يجب أن يتضمن موضوعا متصلا ويشكل كلا متكاملا، والوسائط (الميديا) السردية للعرض متنوعة (شفهية ومكتوبة ولغة من السيميائيات وصور متحركة أو ثابتة وإيماءات وموسيقى أو اية توليفة منتظمة منهم).
وهذا يتصل بمصطلح آخر، Narrative medium  الوسط السردي، وهو بتعريف برنس: "مادة المستوى التعبيري للسرد، ففي السرد المكتوب مثلا الوسيط هو اللغة المكتوبة، وفي السرد الشفهي فإن الوسيط هو اللغة الشفهية". ما يعني أنه يمكن إضافة أنواع جديدة، وسط الصورة كما في الرويات المصورة (الكوميكس) ووسط الصوت (الكتاب الصوتي). 
وبيَّن فهد الهندال أن لدينا منظومة سردية يمكن أن تكون متكاملة، وتحقق خطابا روائيا جديدا يعتمد على جميع أطراف العلاقة.
وهو يعود ثانية إلى يقطين وما يمكن أن يتجلى عن السرد: "يتحدد الحكي (السرد ) بالنسبة لي كتجل خطابي، سواء كان هذا الخطاب يوظف اللغة أو غيرها. ويتشكل هذا التجلي الخطابي من توالي أحداث مترابطة، تحكمها علاقات متداخلة بين مختلف مكوناتها وعناصرها. وبما أن الحكي بهذا التحديد متعدد الوسائط التي عبرها يتجلى كخطاب أمام متلقيه، نفترض – على غرار ما ذهب إليه بارت – أنه يمكن أن يقدم بواسطة اللغة أو الحركة أو الصورة المنفـردة أو مجتمعة بحسب نوعية الخطاب الحكائي". 
يبقى سياق الورقة التي قدمها الهندال - في جلسة رأسها د. محمد الأمين مولاي إبراهيم (موريتانيا) - محصورا بالسرد الروائي، لاسيما الحديث الذي شهد تحولا في تقنيات الخطاب، يصفها شكري عزيز بأنها تعبّر عن وعي فني متطور متجسد فعلي لمفاهيـم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة الرواية وماهيتها وصلتها بالواقـع وعلاقتها بالمتلقي، تسعى من خلالها للتعبير عن وعي جمالي يتخطى حدود الوعي السائد، ويتجاوزه إلى آفاق جديدة، لهذا فإن مهمة الرواية الحديثة لا تتمثل بالوعظ والارشاد والتعلـيم، كما هو شأن الرواية التقليدية، بل تتمثل في تجسيد رؤية فنية، أي تفسير فني للعالم، والرؤية كشف جديد لعلاقات خفية.
بهذا لم تكن التكنولوجيا، لوحدها سببا في تأسيس مفهوم الترابط النصي الذي يتصل بمفهوم التفاعل النصي سواء مطبوعا أو الكترونيا، وإنما أيضا لتقديم رؤية مختلفة عن العالم، والاندماج معه، والخروج عن أي وصاية على النص، ليس بعد إنتاجه، بل قبله وأثناءه، فكانت الحاجة لنص آخر، أكثر انتاحية وفعالية من قبل المتلقي.
فهل تحتاج الرواية العربية الجديدة لذلك؟
ذكر شكري عزيز الماضي في كتابه "أنماط الرواية العربية الجديدة" أنه من البداهة القول، إن الرواية الجديدة، تعبير فني عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان، تسعى لتأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد، مستندة إلى جماليات التفكك تماهياً مع تشظى الأبنية المجتمعية، وفقدان الإنسان وحدته مع ذاته.
كما يشير إلى أن الرواية الجديدة لا تمتلك لغة واحدة، بل نلحظ أحياناً تمرداً على اللغة وتراكيبها المألوفة وقواعدها، ثم إن الشكـل في الرواية الجديدة ليس قالباً جاهزاً يلقى على التجربة فيحتويها، بل شكل ينمو من خلال التجربة ويخضع لمتطلباتها، بمعنى أن الشكل تجريبي يخلقه كل من المؤلف والقارئ، ولذلك فالتصميم المتناثر للرواية الجديدة ينطوي في داخله على دوائر دلالية جزئية تمكن القارئ من استخلاص الدلالة الكلية للرواية وأهدافها من خلال علاقتها بحركة الواقع/ العالم. 
ففي عالم بات مفتوحا على الآخر، ومتجاوزا كل حدود السلطة والرقابة، بات المبدع العربي يجد نفسها مضطرا إلى أهمية انفتاح النص والتشابك مع حرية اختيار الآخر لتلقي النص، في تحديث تقنيات الكتابة والخطاب، وتنوع الوسيلة والوسط. فوجد الفرصة متاحة في أن يمارس حريته النصية وتحرره من سلطة الرقيب والنشر، فاتجه الكاتب والمتلقي معا إلى عوالم جديدة، فبمحاذاة النص الروائي، باتت هناك بنية روائية جديدة تتطلب وعيا بأهمية النص المترابط أو التشعبي  hypertext، والفنيات المرتبطة به، حيث تحول العمل الروائي بكل تقنياته الكتابية مع تقنيات جديدة بصرية، صوتية، وغيرها إلى روابط نصية. 

وقد عرفت اللغة العربية النص المتشعب أو المتفرع في شرح المتون والحواشي المتفرعة وحاشية الحاشية، ولا يبدو النص المتشعب فقط في المتون والحواشي وأسلوب الاستطراد بل يبدو تشعب النص في المقالات المعروفة للقارئ والناقد. كما أن فكرة التفاعل متحققة فعلا في تعليقات القراء ومداخلاتهم على النصوص المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي. كما يذكر الدكتور بسيوني: "إن النص التشعبي سبق الأجهزة الحاسوبية وشبكة المعلومات عندما اقترحه فانيفار بوش عام 1945 بفكرة توفير المعلومات الجماعية والمرنة في نظام يسمح للمستخدم بتنظيم طريقة معلومات ذات طبيعة مختلفة، بمعنى أنه تنظيم من قبل فكرة القارئ بخيال أكثر حرية واقل تقييدا في القراءة."
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت الرواية عملا منشورا، وقرر الكاتب إعادة إنتاجها عبر تجريب الرواية التفاعلية، هل يمكن أن نسميها بعد ذلك تفاعلية؟
كذلك، إذا كان الرواية بالأصل تفاعلية، وتحولت للنشر الطباعي، هل فقدت تفاعليتها؟
ويرى الباحث الكويتي أنه عند تحوّل الرواية التفاعلية إلى رواية منشورة أي مطبوعة، يعني انتفاء صفتها التفاعلية، لكونها باتت في صورة نهائية لا تقبل التعديل لاحقا، كما يظن. ولكن ألا يمكن أن تنشر منها طبعات لاحقة، قد تكون فيها استدراكات أو تعديلات عليها بعد تفاعل المتلقين معها كمطبوعة. 
المعروف أن هناك طبعات معدّلة أو منقحة لروايات سبق لها أن صدرت في طبعات أولى، وجد الكاتب أو الناشر ضرورة في إصدار طبعات جديدة معدّلة أو منقحة بناء على ردة فعل من القراء وآرائهم، أو أنها صدرت كأجزاء متفرقة، ثم صدرت جميعها في مجلد واحد. إذن كان هناك بالأصل تفاعل مع المتلقي، ولكنه تفاعل لاحق وليس متزامن. 
ثمة أسئلة تحتاج مرانا كبيرا واطلاعا واسعا على مزاجية وانتقائية المتلقي، لأنه في الحالتين سلطة لا مناص منها و إليها.  
وأشار الهندال إلى أن الرواية التقليدية عانت من هذه السلطة لطبيعة التواصل اللاحق مع العمل دون أدنى فرصة للتفاعل مع النص والكاتب. ويتساءل: على مَن تقع مسؤولية تراجع الوظيفة التوصيلية في الرواية؟ هل تقع على عاتق المبدع (الروائي)، أم (المتلقي)، أم النص (الرواية)؟ 
بهذا السؤال انطلقت الناقدة السورية أسماء معيكل في كتابها "الأفق المفتوح – نظريّة التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر" حيث إنها وصلت لنتيجة شبه نهائية، أنه ومع ثورة المعلوماتية في عصر التكنولوجيا المتقدمة، بدأ المبدع يحسّ بتراجع دور القراءة مما جعله يهمل القارئ عموما، ويجنح إلى تغليب الجانب الذاتي في إبداعه على الجانب الموضوعي، وهذا أدّى إلى تراجع الوظيفة التواصلية، برغم أنها الأساسية للرواية. لأنّ المبد ع – كما ترى معيكل -  لم يعد يهتم بمتلقيه، بقدر ما هو مهتم بالتعبير عن قناعاته ورؤاه بعيداً من الموضوعية، وهو ما انعكس سلبا على المتلقي الذي بدأ يشعر بإهمال المبدع له وربما تعاليه عليه، مما جعل عدد القراء الذين ما زالوا يقرأون له في تراجع مستمر من جهة. ومن جهة ثانية، أخذ القارئ يتّهم المبدع بالغموض والإغراب وصعوبة فهمه. وبدوره رفض المبدع الاتهامات الموجهة إليه، وراح يحض القارئ على ضرورة تسلّحه بالأدوات المعرفيّة اللازمة لفتح أبواب النص، والدخول إلى عالمه. كما بدأ يطالب بوجود قارئ خارق أو نموذجي لنصه. 
ويلخص الهندال ما تحاول أن تصل إليه معيكل أنه بات بعض الكتاب يخلق لنفسه قراء خاصين به ربما بشروط معرفته وثقافته، لا يقبل من غيرهم أي أسئلة أو ملاحظات مادام أنهم خارج حظيرته. وهو ما يعني انغلاق أعماله عليه وعلى من حوله فقط .
في حين، يكون الأمر مغايرا للروائي الباحث عن العالمية، الذي يرى في أعماله – وترجمتها خاصة - وسيلة للحوار مع الآخر المختلف معه، متجاوزا لغته ومدارك ثقافته ومعرفته،  دون مواربة أو خوف من اتساع أفق الآخر. 
وقال: لعل هذا ما يمكن تلمسه مع روائي عالمي مثل جابرييل غارسيا ماركيز الذي يصرح وهو في مجده الأدبي العالمي أنه بدأ الكتابة بمحض الصدفة، فقط ليبرهن لأحد أصدقائه أن جيله قادر على إنجاب كتّاب، ليسقط في شرك الكتابة ويجد فيها المتعة، ثم في الشرك التالي وهو اكتشاف أن عشقه للكتابة يفوق حبه لأي شيء آخر في الدنيا. لأسرد موقفا عنه ذكره الصحافي الكولومبي أليساندرو دوكي، الذي زار ماركيز بينما كان يكتب رواية (الجنرال في متاهته"، ولاحظ كيف توقف ماركيز عن الكتابة فجأة وأجرى مكالمة هاتفية، صدمت دوكي نفسه، حيث اتصل ليسأل أحد علماء الفلك إن كان قد تحقّق من أن القمر كان بدراً في 10 يونيو 1813، فجاءت الإجابة مخيّبة لآماله، لأن ماركيز تغيّر وجهه وطلب من متحدّثه التأكد من هذه المعلومة في أقرب وقت ممكن لأمر مهم وعاجل وخاص بفصل كامل بالرواية. فسأله دوكي: أي قارئ سيهتم بهذه المعلومة، ومن سيبحث إن كان القمر يوم 10 يونيو 1813 كاملاً أم لا ؟ فأجابه ماركيز بأهمية وجود قارئ متابع للروائي، مستشهدا باسم فرناندو غارابيتو الذي كان يمسك بأخطاء ماركيز في روايات سابقة، وبناء على ذلك يعتبره أصعب قارئ له، ورغم أنه لم يكن يعرفه شخصياً.  
وعندما صدرت رواية "الجنرال في متاهته" لم يجد دوكي الفصل الذي يحتوي على ليلة العاشر من يونيو 1813 في غرناطة الجديدة، حيث لم يكن قمرها بدراً كما تمنى ماركيز. ليكمل دوكي أنه بعد ثلاث أو أربع سنوات تعرّف إلى غارابيتو شخصيا وأخبره بلقائه بماركيز وما حدث. حينها قال غارابيتو: من المؤسف أن نُحرم من فصل بهذا الجمال بسببي. 
بالمقابل، كان هناك تفاعل بين الروائي امبرتو ايكو وقرائه حول بعض أعماله الروائية، كتغييره لاسم شخصية روائية حتى لا يكون هناك ترابط نصي سهل المعاينة والإدراك مع حياة روائي يحمل ذات الإسم. فللقارئ الحق في الربط بينهما، أو عندما سأله أحد أصدقائه عن اسم امبارو في رواية "بندول فوكو"، وأنه بالأصل اسم لجبل مذكور في بعض الأغاني الشعبية، مما سبب مفاجأة له. وغيرها من الحكايات التي ذكرها عن تفاعل القراء معه، فلنتخيّل لو كان هناك تفاعل بالأصل قائم بين الروائي وقرائه عبر روابط متاحة للتواصل والتعليق؟ 
ويختم الهندال مشاركته بقوله: هذا ما نحاول الوصول إليه، بأن أثر الرواية التفاعلية من الممكن أن يكون حميدا ومنجزا للنص في حال اتصاله مع المتلقي في لحظة الخلق والتكوين للنص.