الوباء يؤكد على العنصرية المتأصلة في أميركا

ليس كل البيض في الولايات المتحدة عنصريين، لكنهم لا يمانعون من التمتع بامتيازات لا يحلم بها السود.
وباء كورونا أطلق نداء للاستيقاظ من التقاليد القبيحة
ترامب يريد إلقاء اللوم على الديمقراطيين بينما يجثم مرتعدا من الخوف في قبو البيت الأبيض
إرث من التمييز الهيكلي الذي لديه وصول محدود إلى الصحة والثروة للأشخاص الملونين

جاء مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في وضح النهار وسط ارتفاع كبير في استمرار تفشي فيروس الكورونا (كوفي-19) في جميع أنحاء البلاد مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 الف وإصابة ما يقرب من 2 مليون بينما فقد أكثر من 45 مليون وظائفهم. لم يعد يُنظر إلى وفاة فلويد على أنها مجرد عمل من أعمال وحشية الشرطة، بل صدع نهائي في السد يكشف عن الخلل الإجتماعي والإقتصادي والرعاية الصحية المتنامي بشكل ٍ مخيف والذي لا يزال يعاني منه المجتمع الأميركي الأفريقي بشكل غير متناسب.

أفادت دراسة في دورية "حوليات علم الأوبئة" أنه في حين أن المقاطعات السوداء لا تشكل بشكل غير متناسب سوى 30 في المائة من سكان الولايات المتحدة، إلا أنها تمثل موقعًا بنسبة 56 في المائة من جميع حالات وفاة كوفيد-19. ووفقًا لتحليل منظمة محطات الإذاعة الوطنية العامة (NPR) فإن السود يموتون بمعدلات أعلى بالنسبة إلى مجموعهم من السكان في 32 ولاية بالإضافة إلى واشنطن العاصمة.

تقول الدكتورة مارسيلا نونيز – سميث، مديرة مركز أبحاث الإنصاف والابتكار في كلية الطب بجامعة ييل: "نحن نعلم أن هذه الفوارق العرقية – الإثنية في كوفيد-19 هي نتيجة لحقائق ما قبل الوباء. إنه إرث من التمييز الهيكلي الذي لديه وصول محدود إلى الصحة والثروة للأشخاص الملونين."

وما زاد الطين بلة هو عنصرية ترامب العلنية والقيادة الصامتة للحزب الجمهوري وكراهيته تجاه المجتمع الأسود، وكل ذلك أضاف وقودًا إلى النار المشتعلة في تاريخ العبودية والتمييز واليأس الذي استمر قرونًا. إنهم يعرفون أن محنتهم لن تتلاشى في أي وقت قريب، ليس طالما أن ترامب هو الرئيس وحزبه يتبعه مثل الأغنام التي ترعى عمياء في مروج السخط بينما البلاد تتفكك في نقاط اللحامات. لقد خانوا البلد بوضع مصالح الحزب فوق مصالح الأمة.

نحن الآن نحصد حصاد بذور العنصرية والتمييز، بذور تخفيض قيمة الحياة السوداء في فرص العمل والشراء والإقراض والأجور والمناصب والمعالجة. إن النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي برمته غير متوازن لأنه يفتقر إلى أساسيات العدالة والمساواة. وقدم الوباء نداء الاستيقاظ الذي أشار إلى التقليد القبيح لإخضاع المجتمع الأسود والذي للأسف لم يتوقف مع نهاية العبودية ولكنه استمر في اللامبالاة المتعمّدة لألمهم وعذابهم وإهمالنا قصير النظر وفشلنا في فهم ما يعانونه حقًا.

الوقت ليس حليفنا. لا ينبغي أن يشعر الأشخاص القلقون، البيض والسود، بالرضى الآن بكلمات التعاطف تجاه محنة الأميركيين الأفارقة. لا يقتصر الأمر على تغيير ثقافة الشرطة وممارساتها في الطريقة التي يتعاملون بها مع المشتبه بهم من السود مقابل البيض. المطلوب هو تغيير جذري من رغبتنا الفطرية في تطبيق العبودية على السود على أنهم لا يستحقون أكثر من الضروريات العارية.

لم يتغير الكثير منذ ولادة حركة الحقوق المدنية قبل أكثر من نصف قرن. فعلى الرغم من أن غالبية الأميركيين البيض قد لا يكونون من أصحاب التفوق الأبيض، إلا أنهم بالتأكيد يحتفظون بامتيازاتهم في جميع مناحي الحياة حيث ينظرون إلى علاقتهم مع السود وغيرهم من الأشخاص الملونين على أنها لعبة محصلتها صفر كما لو كان مكسب الرجل الأسود دائمًا ينتقص من امتيازات الرجل الأبيض. والتحيزات الخبيثة والموروثة التي تحرض الأميركيين البيض ضد السود تؤدي مباشرة إلى معاملة الأميركيين السود كمواطنين من الدرجة الثانية وقمع (سواء كان عمدا ً أو بدون عمد) من قبل الأميركيين البيض – وهو عنصر ضروري يرضي نفوس البيض ويرفع من قيمة الذات.

إن المظاهرات التي استمرت أسبوعًا في جميع أنحاء البلاد لا تشير فقط إلى ما هو ظاهر، أي أن حياة السود مهمة وأن عدم المساواة منتشر ويجب معالجته وأن العنصرية تستهلك أميركا من الداخل وأن الظلم يؤثر على الجناة مثل الضحايا وأن كفى يعني كفى. وتكشف التظاهرات أيضًا عن شعور عميق بالإحباط من رئيس يشجع على شعلة العنصرية ويرى في البلاد مشروعًا خاصًا به يمكنه القيام بكل ما يخدم مصالحه الخاصة. إنه قاسي وماكر ولا مبالي بشأن آلام ومعاناة أميركا السوداء. لا يمكنه الإعتماد على دعمهم السياسي وبالتالي يرفض صراخهم رفضا ً تامّا ً.

وكما لوحظ على نطاق واسع، كانت هناك حالات نهب وتدمير للممتلكات؛ الكثير منها من قبل أفراد إنتهازيين يحاولون الاستفادة من الوضع، وكذلك من قبل أطراف سيئة النية تحاول نزع الشرعية عن الاحتجاجات. وهذه الأعمال تنجح في جذب انتباه وسائل الإعلام بعيداً عن أهمية وملائمة غالبية المظاهرات التي كانت سلمية.

وهذا بالضبط ما يريد ترامب رؤيته يحدث. يريد تقسيم البلاد بيننا وبينهم. إنه يريد إلقاء اللوم في الفوضى على الديمقراطيين والشعب الليبرالي بينما يجثم مرتعدا ً من الخوف في قبو البيت الأبيض. إنه يرفض مخاطبة الأمة مدركا ً أنه بغض النظر عما سيقوله لا شيء سيخفي ديماغوغيته وازدراءه الأشخاص الملونين.

أتمنى أن أرى عشرات الملايين من الأميركيين يتظاهرون بسلام يومًا بعد يوم ويرسلون رسالة واضحة إلى إدارة ترامب الفاسدة بأنهم لن يرتاحوا حتى يحدث تغيير جذري. يجب أن يطالبوا بإقرار تشريعات من الحزبين تعالج التمييز ضد جميع الأشخاص الملونين تحت أي ظرف من الظروف؛ ولاسيما في الإسكان الميسور والرعاية الصحية وفرص العمل والأجر المتساوي وفي التدريب غير المتحيّز للشرطة والحظر الوطني على استخدام القوة.

كما أتمنى أن أرى قيادة الحزب الجمهوري تستيقظ وتوقف تبعيتها العمياء لرئيس ضلّ طريقه وأفسد أميركا بشكل خطير هنا في الداخل والخارج. وإذا لم يكن هناك شيء آخر، فقد أظهر هذا الوباء سخافة ترامب التامة والتفاوت الكبير بين أميركا البيضاء مقابل أميركا السوداء، وعلى القمّة عنصريته الواضحة التي يجد مسرته فيها.

لست من السذاجة بما يكفي لافتراض أن أمنياتي ستتحقق. ولكن ينبغي أن تكون بمثابة تحذير لكل عضو جمهوري في الكونغرس من أن مقتل جورج فلويد والظلم المروع الذي أكده هو السم الذي سيجبرون على شربه قبل يوم الانتخابات مباشرة إذا فشلوا في التصرف.