الوجه الآخر للحرب: ثورة الكترونية صنعتها الازمة

القاهرة - من محمد جمال عرفه
الحرب على الانترنت ايضا

من مزايا انتفاضة الأقصى, التي دخلت عامها الثاني, أنها أحدثت ثورة تقنية ومعلوماتية بين الشباب العرب والمسلمين، مما أدى في نهاية الأمر إلى خوض حرب مختلفة بينهم وبين أنصار الاحتلال الإسرائيلي على شبكة "إنترنت", وعبر غرف الدردشة العالمية, ووصل الأمر إلى حد ظهور "هاكرز" أو متسللين عرب ومسلمين (من الباكستان على الأخص) لمهاجمة المواقع الإسرائيلية على الإنترنت, بعد أن سطا إسرائيليون على مواقع عربية وإسلامية.

وجاءت تفجيرات أميركا, ثم الهجوم الأميركي على أفغانستان, ليبرز الحدثان مدى التقدم والخبرة المعلوماتية للشباب العرب والمسلمين على شبكة الإنترنت. ولم يقتصر الأمر على تصميم أشكال أو برامج لا تخلو من السخرية, من تدمير برجي مركز التجارة العالمي، وتوزيعها على مستخدمي الشبكة العرب والمسلمين، وإنما امتد إلى تشكيل مجموعات كبيرة على مواقع البريد الإلكتروني مثل "ياهو" لتبادل المعلومات, حول الأزمة الجديدة, وسبل المنافحة عن الإسلام.

وهكذا وزعت في البداية أشكال تصور أبراج نيويورك في التصميم المقترح الجديد، وقد فتحت من أعلاها, بحيث تسمح بمرور الطائرات، وأخرى هزلية تصور تمايل الأبراج, أوتوماتيكيا, بمجرد قرب اصطدام طائرة بها, ثم تعود إلى استوائها القديم!. وتلا ذلك توزيع بيانات ورسائل عديدة بين المشتركين في هذه المجموعات تدعو إلى مهاجمة مواقع على الإنترنت تابعة لإسرائيليين ومؤسسات يهودية, أو إرسال رسائل تعضيد لكُتاب غربيين منصفين في صحف أميركية وأوروبية يدافعون عن العرب والمسلمين, معرضون للفصل من صحفهم بسبب هذا الحياد والمصداقية.

وتحول الأمر تدريجيا إلى ترجمة مقالات منصفة لكتاب غربيين وتوزيعها، أو إلقاء خطب, وكتابة تعليقات حول ما حدث في أميركا, ودور الحكام العرب والمسلمين. ووصل الأمر أخيرا إلى الدعوة إلى بث رسائل معينة عبر الإنترنت تدعو كل من تصله الرسالة إلى "تشتيت جهد المحللين الأميركان, الذين يحللون الرسائل والموضوعات, التي تجلبها شبكة ايشلون التجسسية", المقامة بهدف التجسس على العرب والمسلمين والعالم عبر البريد الإلكتروني, وذلك عبر إرسال رسائل معينة تزيد تشتيت جهد هؤلاء المحللين, بل وأحيانا التحذير من الكيفية, التي يجري بها التجسس على البريد الإلكتروني, وكيفية التخلص منه, خصوصا على "الماسينجر" الخاص بـ"الهوتميل".

وتعدى الأمر إلى حد تدشين مواقع على الانترنيت من جانب شباب آخرين, بفضل هذه الخبرة المعلوماتية التي اكتسبوها, وانتشار الإنترنت بين الناس. وممن برعوا في هذا المضمار شبان الإخوان المسلمين في مصر, وشبان سلفيون في الخليج وغيره. وعلى سبيل المثال فقد دشن طلاب التيار الإسلامي بجامعة الإسكندرية المصرية موقعا لهم على الإنترنت تحت عنوان "جامعة اون لاين" أو http://www.gam3aonline.com, يتضمن تفاصيل عن مظاهرات طلبة الجامعات المصرية, ونشر أخبار العدوان الأميركي على أفغانستان, وأخبار الانتفاضة, ومناقشات بين الطلبة حول ما حدث.

وجاء في تعريف الطلاب لأنفسهم على الموقع الجديد "نحن طلاب علم وأصحاب دعوة, علمنا أن العلم سلاح المستقبل, وأن الدين هو حياة الشعوب, وأن الأخلاق هي التقدم الحقيقي للأمم, ولا سبيل لذلك إلا بشباب رفعوا راية المجد كما رفعها السابقون".

كما تم تحديث موقع آخر للإخوان, كان قد تم تدشينه في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة, في نهاية عام 2000 بعنوان "أمل الأمة" أو http://www.amlalommah.net و يتضمن أخبارا واستعراض صحف, وفلسطينيات, ومتابعة لأخبار نواب البرلمان المصري من أعضاء جماعة الإخوان, وأركان أخرى للأسرة والدعاة وغيرها، وأضحى الآن يركز بشكل أكبر على الأوضاع في فلسطين وأفغانستان.

هام لمستخدمي الإيميل

أما على صعيد مجموعات الإنترنت, التي شكلها الشباب العربي والمسلم, فأبرزها ثلاث مجموعات هي: act-4-justice, أو "العمل من أجل العدالة"، وsave America أو"أنقذوا أميركا" وHedayah 2000 او"الهداية"، وهذه المجموعات تقوم بتبادل المقالات أو التقارير المنشورة, فيما بين أعضائها, وعملها في نهاية الأمر هو الدفاع عن الإسلام ضد الهجمة العنصرية المنتشرة ضده في الغرب حاليا.

وتشرح "هبة رؤوف" المدرسة المساعدة للعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة, وصاحبة فكرة مجموعة "أنقذوا أميركا" الهدف من الفكرة قائلة "إننا نحتاج إلى حوار مع القوى التي ضد الحرب, والتي ترى أن إنقاذ أميركا لا يكون بحرب خارج الحدود, ولكن بتفعيل قيم الديمقراطية". وتضيف رؤوف أن "أميركا تظل رغم كل الخلاف معها نموذجا متقدما يحتاج للتطوير, وعدم المطالبة بسقوطها, وبالتالي دعمها من قوى مختلفة, منهم المسلمون الأميركان"، وهي تؤكد أن الهدف الأساسي هو التواصل مع الاتجاهات الشعبية الأميركية, التي تقف مع القيم الديمقراطية وضد الحرب.

وإذا كان هدف مجموعة "أنقذوا أميركا" يختلف نسبيا عن بقية المجموعات الأخرى, من حيث التركيز على السعي لتحسين النموذج الأميركي, ونزع الظلم عنه، فإن هدف مجموعات أخرى يبدو أنه مهاجمة النموذج الأميركي. وعلى سبيل المثال فقد نشرت بعض هذه المجموعات مقالات لكتاب أميركان أو غربيين منصفين, تحدثوا فيها عن السر وراء كراهية العرب والمسلمين لأميركا ودور العنصرية الصهيونية, وما يفعله الإسرائيليون في حق مسلمي فلسطين, وأرسلوا معلومات عن اضطهاد بعض هؤلاء الكتاب المنصفين من قبل إدارات جرائدهم أو مجلاتهم, بعد شكاوى اللوبي الصهيوني ضدهم. ودعت هذه المجموعات من تصله الرسالة إلى إرسال خطاب إشادة بالمقال والكاتب لإدارة تحرير الصحيفة, التي يعمل بها. ولا تكلف العملية مستقبل الرسالة أي مجهود, سوى أخذ نسخة من خطاب جاهز تعده المجموعة, ويرسله فقط, بعد وضع اسمه عليه.

ومن أمثلة ما أرسل عبر إحدى هذه المجموعات خطاب يقول "الكاتب جاك كيلي في جريدة يو إس أي توداي كتب مقالاً بعنوان (الإرهابيون يرفعون أيديهم ويطالبون بطرد المسلمين). وفي مقاله هاجم الكاتب الصهاينة وكرههم الشديد للمسلمين, وجرائمهم البشعة في حقهم. وقد كان المقال من أفضل ما كتب عقلانية وموضوعية، ولكن للأسف فقد تلقى الكاتب أكثر من 300 رسالة رفض وتهديد من الصهاينة اليهود على مستوى العالم, وأقل من 5 رسائل تأييد من المسلمين". ويطالب الخطاب كل من تصله الرسالة بإرسال خطاب شكر للكاتب على عنوان جريدته, ضمن حملة الدفاع عن الإسلام ومناصريه في الغرب.

ومن الوظائف الأخرى التي تقوم بها هذه المجموعات التواصل مع غربيين مناهضين للحرب, بهدف خلق أرضية فكرية مشتركة, وشرح الصورة الحقيقية للإسلام, في ضوء حقيقة أن أحداث أميركا أدت لموجة من الفضول في الغرب للتعرف على الإسلام، والتواصل مع مجموعات غربية أخرى لخلق أرضية فكرية مشتركة حول السلام في العالم.

كما تقوم هذه المجموعات بدور الإنذار المبكر من أخطار بعض الفيروسات, التي تصل عبر البريد الإلكتروني, بإرسال رسائل تحذيرية، أو بالتنبيه لخطر التجسس الأميركي, بالتعاون مع شركات الانترنيت ومواقع البريد الإلكتروني الشهيرة, وشرح الوسائل, وكيفية الوقاية منها.

ومن أمثلة ذلك رسالة من أحد أعضاء هذه المجموعات يبلغ زملاءه بكيفية التخلص من التجسس على البريد الإلكتروني. وتقول الرسالة.. "وأنا أحاول تكثيف الحماية على جهازي ببرامج عديدة, ومن باب التأكيد أحاول وضع جهازي قيد الاختبار, إذ أحاول اختراقه بشتى الوسائل, وأقوى البرامج, لكي اكتشف نقاط الضعف فيه, والثغرات الممكن أن تكون سببا للاختراق من قبل القراصنة.. استطعت أن أجد فيروسا صغير الحجم, وبالتحديد بمقدار 8 كيلوبايت موجود ضمن الماسنجر, ويعمل عند بداية تشغيل الوندوز بطريقه مخفية جدا. وهذا الفيروس موجود مع الإصدار الجديد للماسنجر 3.6.

ولقد استطعت اختراق جهازي بالفعل, بسبب وجود هذا الملف الصغير, وعندما عملت على حذف الماسنجر انقطع عني الحبل, الذي كان يصلني بالجهاز الذي اخترقته.. واستطعت تحديده, وهو موجود باسم Loadqm, لذا كل ما عليك الآن هو Ctrl+Alt+Delete واختياره وإنهاء تشغيله, ثم الذهاب إلى ابدأ - بحث - ملف - وهنا ادخل اسم Loadqm, وعند ظهوره اعمل على حذفه مباشرة, وهذا لا يؤثر على الماسنجر, وسوف يعمل بصورة عادية, ودون تجسس أو اختراق, وعليكم أحبتي نشر هذا الخطاب لنشر الوعي".

ويقوم بعض أعضاء هذه المجموعات بمهاجمة من يطلقون عليهم "جماعة ابن لكن" والمقصود بهم الكُتاب العرب المؤيدون لأميركا على طول الخط، وآخر ما وصل إلى "قدس برس" في هذا الصدد رسالة تبشر - بسخرية - بتدشين ما أطلقت عليه موقع (ابن لاكن جروب), وتعريف هذه المجموعة على النحو التالي: "ابن لاكن مجموعة بريدية.. وربما تنظيم فلسفي.. وفي أقوال أخرى فكرة حداثوية, أو ما بعد حاثوية, وربما مازوشية.. ووسيلة متطورة نجلد بها ذواتنا, ونعاقب نفوسنا على طريقة السيد (…) الموظف بالمباحث الفيدرالية, والسادة صحفيونا الأبرار الأميركوعرب.. هم (…) وغيرهم من راقصي الهيلاهوب الأميركي.. السادة أعضاء نقابة المارينز العربية.. وهم يريدون منا أن نركع ونجثو على ركبنا, ونعتذر للسيد الأميركي, ونستنكر ونشجب الفعلة الإرهابية الشنعاء.. ثم لا نجرؤ على قول لكن".