الوضع الفاسد وحكومة الشاهد

لا شك في ان حكومات تونس ما قبل الثورة كانت تمارس، في مجملها، فسادا، يرقى الى درجة التقنين، سمته عدم الخوض فيه، وحصانته في عدم تداوله إعلاميا وشعبيا.

كان الحديث عن الفساد كالحديث عن ذمة رئيس الدولة، من حيث جنس العقاب. لان دولة الخوف استفحلت في وعي الشعب، ونمت سطوة الحاكم، وزبانيته، الذي ارتبط بهم الفساد.

واما حكومات ما بعد الثورة ففسادها قد تحصن بالشك. اثباته او نفيه أصبح من المعادلات التي يستحيل تأكيدها لعدة أسباب، أهمها، حجم السقوط الأخلاقي وبراعة صناعة الكذب، بين الخصوم السياسيين، الذي ابتلي بهما طيف كبير من الشعب التونسي، من جاهله الى مثقفه، من اعلامه الشعبي، في المقاهي، الى اعلامه الرسمي، المسموع والمكتوب والمرئي. كل خبر قابل لكل احتمال، فلا مجال لعاقل تصديقه او تكذيبه.

ما بعد الثورة تعتبر حكومة الشاهد من أكثر الحكومات جدلا حول الفساد. فهل هي حكومة فاسدة، ترعى الفساد، ام هي حكومة تحارب الفساد، وقد اثبتت لنا ذلك؟

من الوهلة الأولى لا بد من القول بان حكومة الشاهد يرتكز عملها على مبادئ وثيقة قرطاج، ومن اهم هذه المبادئ، محاربة الفساد، كما ان الشاهد قد أعلن هذه الحرب وقام باعتقال بعض رجال الاعمال والمهربين.

الا ان هذه الحرب قد شابها ما شابها من نقاط استفهام. أهم الذين تم سجنهم في هذه المعركة رجل اعمال تميز بسمتين، الأولى علاقته الوثيقة بالحزب الحاكم، والثانية، خصومته الظاهرة مع رجل اعمال نافذ، يحكى ان اغلب الساسة يؤدون لديه طقوس الطاعة والولاء. هذه السمات جرحت ما كان يبدو من حقيقة، وبدت حرب الشاهد على الفساد كأنها حرب التصفيات السياسية. ليس لرئيس الحكومة، الذي أوقف حربه المعلنةّ، من أوراق كثيرة قد يدافع بها عن صدق نواياه، قبل ان يصدر القضاء احكامه، على افتراض وجود قضاء مستقل، غير تابع لفوضى الساسة.

لا أحد ينكر بأن المناخ السياسي في تونس قد تلوث الى درجته القصوى، وان الفساد أصبح لازما من لوازم الممارسة السياسية، يضمن موقعا متقدما في الحكم، او فوضى لا تبيح الحكم لاحد، يتساوى فيها الرابح والمنهزم. ولذلك فلا أحد يقبل بصدق الشاهد في حربه، حتى وان كان صادقا. ويزداد الامر تعقيدا حينما يصرح السيد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقي الطبيب، بان هناك ارتباط سلبي بين حكومة الشاهد والفساد.

صرح السيد شوقي الطبيب، يوم 31 مارس الجاري، في مدينة القيروان، بمناسبة فتح فرع لهيئته في هذه المدينة، "بانه يثمن مجهود الحكومة في مكافحة الفساد، ولكنها غير كافية". وأضاف "بان هناك نصوصا قانونية سارية المفعول تبيح للفاسدين الإفلات من العقاب الى جانب وجود عدد من الفاسدين لهم أذرع في هذه الحكومة". ولكن الى أي مدى يمكن إضفاء المصداقية على تصريح السيد الطبيب، وهو العارف بملفات الفساد، والمالك لأغلبها.

هناك معطى موضوعي يفقد تصريح السيد الطبيب صلابته. يتمثل هذا المعطى في علاقة السيد شوقي الطبيب باتحاد الشغل. الاتحاد الذي رفع الورقة الحمراء في وجه الحكومة وقرر تغييرها، ولن يتراجع. فلماذا صرح السيد الطبيب بتصريحه هذا في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان، وبحضور الأمين العام المساعد سامي الطاهري؟ الن يكون هذا انحيازا للطرف الأقوى في معادلة القوى في تونس، خاصة وقد تبين بان عمر حكومة الشاهد باتت شهوره تعد على الأصابع؟ وهل تقدم السيد رئيس هيئة مكافحة الفساد الى القضاء ليفصل في هذا الاتهام الخطير الذي يمس بكل الشعب التونسي؟

لا شيء ينقص من مصداقية السيد شوقي الطبيب، ولا شيء كذلك يؤكد تصريحاته. الجهة الوحيدة المخولة للحسم في ذلك، في ظل دولة يفترض بانها ديمقراطية هي القضاء. وللأسف لم يفصل القضاء في أي ملف فساد، وربما لم تقدم له هذه الملفات.

الشيء الوحيد الذي اضافه السيد شوقي الطبيب الى نعش حكومة الشاهد هو تأكيده ارتباطها بالفساد، وهو ما سيعجل بإسقاطها قريبا.

في المحصلة، الفساد في تونس أصبح "ماعون الصنعة" (مثل تونسي)، به تبنى الحكومات وبه تسقط، وهو فيها ومنها. وأول ضحاياه حكومة الشاهد وآخر ضحاياه ستكون الدولة التونسية.