هل تونس في حاجة إلى تغيير نظام حكمها؟

تونس دولة لا تعرف كيف تخرج من فشلها. عدم استقرار سياسي فاق السبع سنوات، انهيار اقتصادي مستمر، تعطل وسائل الإنتاج، غرق في المديونية، انهيار الدينار. محافظ البنك المركزي الجديد أقر للشعب، بما لا يدعو للشك، بان تونس في وضع خطير، قد لا تخرج منه سالمة.

الاتهامات متبادلة، وفي كل الاتجاهات، حول المسؤولية عن هذا الوضع الكارثي. المعارضة تتهم أحزاب الحكم بالفشل، وأحزاب الحكم تتهم المعارضة بتعطيل عملها، وآخرون يتهمون دولا عربية وأجنبية بالتدخل في شؤون تونس ونهب ثرواتها. ودوامة إلقاء المسؤولية على الآخر مستمرة.

أخيرا انتبهت "العبقرية التونسية" إلى أن "نظام الحكم" هو المتسبب في كل مشكلات تونس. فتعالت الأصوات، خاصة من طرف قيادات أحزاب الحكم، إلى ضرورة تغيير هذا النظام الفاشل الذي تسبب في انهيار تونس. ويبدو بان الرئيس الباجي قائد السبسي سيتعرض في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال، يوم 20 مارس، إلى الضرورة القصوى والأولوية التي يجب ايلائها إلى تغيير الدستور. فهل فعلا تحتاج تونس إلى تغيير الدستور ونظام حكمها؟

دستور تونس لسنة 2014 يحمل تناقضات عديدة، وإشكالات في توزيع الحكم بين هرمي السلطة التنفيذية، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، إلا إن هذا الدستور لم يطبق بعد، ولم تكتمل المؤسسات الدستورية، ولم تنشأ السلطات المحلية، وبذلك فلا يعتبر السبب المباشر في تردي وضع تونس.

إن ما تحتاجه تونس، فعلا، وبطريقة استعجالية، للخروج من مأزقها، توافقا حقيقيا، يرتكز على ثلاثة محاور: إنهاء التقاتل السياسي؛ إعلان اتحاد الشغل لهدنة طوعية، لأجل تونس، لا تكسر فيها عظام الحكومة القائمة، ولا تضع لها العراقيل؛ إنهاء الفئات الشعبية كل مظاهر التعطيل، الطوعي أو مدفوع الآجر، لوسائل الإنتاج. دون ذلك سيواصل الوضع التونسي في تأزمه واتجاهه نحو المجهول.

إنهاء التقاتل السياسي أولوية الأولويات. فساسة تونس لا زالوا يديرون حروبا إيديولوجية ابتدأوها منذ السبعينات داخل أسوار الجامعة. الإسلاميون واليساريون في معركة حامية الوطيس، وعلى الرغم من إن الإسلاميين قد ابدوا، على الأقل ظاهريا، استعدادا للعمل مع كل التيارات الحزبية، يمينا أو وسطا أو شمالا، إلا إن أحزاب اليسار، ركزت عملها على إقصاء الإسلاميين واجتثاثهم. أنظر موقف الجبهة الشعبية اليسارية مثلا. بعض الأحزاب الأخرى، الناشئة ما بعد 2011، يشهد لها بأنها لا تقدم برامجا، أو حلولا لمشكلات تونس. كل ما تفعله انتقاد التحالف الحاكم، والدعوة لفك ارتباطه. إنهاء التقاتل السياسي، في الوضع الراهن، سيصوب رؤية الجميع إلى إنقاذ تونس وشعبها، بغض النظر على من هو موجود في الحكم الآن، مع انه جاء عن طريق انتخابات ديمقراطية شفافة.

وبالنسبة لاتحاد الشغل فقد بات من الضروري عليه بان يعلن هدنة، من اجل تونس، لا يقاتل فيها الحكومة ولا يعرقل عملها. لا احد ينكر بان اتحاد الشغل هو "الماكينة" الأقوى في تونس. إلا إن هذه الماكينة قد فقدت صوابها، بفرض رؤية أشخاصها على الإدارة والحكومة. وهي التي تقبل في الحكم بمن يناسبها، وتسقط من لا يناسبها، دون اعتبار لوضع البلاد. وخطرها يكمن في استعمال كل وسائل تعطيل الإنتاج، وهو ما اضر ضررا فادحا بكل المؤسسات. هدنة لخمس سنوات تكون كافية لتسترد الحكومات عافيتها، وتونس وضعها الطبيعي، اقتصاديا وسياسيا.

كما انه على الفئات الشعبية بان تنهي كل مظاهر التعطيل، الطوعي أو مدفوع الآجر، لوسائل الإنتاج. العطل عن العمل لا يعالج بمزيد صناعة العاطلين، ولا بضرب الإنتاج وإفلاس الدولة. الشغل حق، وطلب الحق لا يجيز سلب حقوق الآخرين. والاهم من ذلك كله، على كل الأطراف، من أحزاب واتحادات عمالية، عدم الدفع بالعاطلين عن العمل لضرب اقتصاد البلاد وعافيتها من اجل مكاسب سياسية، لا يحصلون عليها إذا انهارت الدولة، التي هي على وشك الانهيار.

في المحصلة، تغيير نظام الحكم، ولو انه ضروري، الا انه لا يعتبر أولوية الأولويات، ما يجب، واضح وضوح الشمس، إنهاء التقاتل السياسي، هدنة طوعية، من اجل تونس، من طرف اتحاد الشغل، والانتهاء من فوضى الإضرابات وتعطيل وسائل الإنتاج.

دون ذلك، باب الفوضى مفتوح على مصراعيه.