الوهايبي يتابع حالة الشعر المغاربي في المشهد العالمي

الباحث التونسي يؤكد أن الكتاب المغاربيين من ذوي اللسان الفرنسي يكتبون دون أن يتنصلوا من هويتهم الوطنية.
معظم المرصود لم يخص إلا الشعر المكتوب بالفرنسية
أدب مغاربي بلسان فرنسي وملمح مغاربي
الأدب ينسب إلى اللغة وليس إلى الجغرافيا

يؤكد الشاعر والباحث التونسي د. المنصف الوهايبي على أن الأدب إنما ينسب إلى اللغة وليس إلى الجغرافيا، وبناء عليه فإنه يتابع حالة الشعر المكتوب في إقليم المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب) عالميا، في علاقته بقرينه المكتوب بالفرنسية خاصة، وهو جزء من ثقافة المغاربيين، لكن دون تنزيله في آدابهم ذات اللسان العربي، حتى وإن اعتبره البعض فرنسيا بملمح عربي، أو عربيا بلسان فرنسي.
ويشير الوهايبي– في مقدمة بحثه المنشور في تقرير حالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 - إلى أن المشهد في هذا البحث يكاد يقتصر على الفضاء الأوروبي، وقلّما برحه إلى الفضاء الأنجلو – ساكسوني أو الأميركي، أو الأميركي اللاتيني، مثلما يقتصر على عدد محدود من الشعراء تطّرد أسماؤهم في منتخبات الشعر الأجنبية، وفي دراسات بعض المستشرقين أو الكتاب والشعراء الأجانب.
وينبه الباحث إلى أنه لا بد لنا ونحن نتدبر حالة الشعر العربي المغاربي في المشهد الشعري عالميا، التأكيد على ندرة المصادر والمراجع وانصراف أكثرها أو جلها إلى قرينه ذي اللسان الفرنسي خاصة.
ويتوقف في بحثه عند المغرب العربي والتعددية اللغوية، مشيرا إلى أن الكتاب المغاربيين من ذوي اللسان الفرنسي يكتبون دون أن يتنصلوا من هويتهم الوطنية، بل هم يلحّون في مؤلفاتهم وفي حواراتهم، على أنهم جزائريون ومغربيون وتونسيون، وموضحا أن بلاد المغرب عرفت تاريخيا عملية تعريب بطيئة، تمت مع الغزو الهلالي في القرن الخامس للهجرة، الحادي عشر ميلاديا. ومع مضي القرون وجدت البلدان الثلاثة في الفرنسية ما يغني ثقافتها العربية الإسلامية، فهي "نافذة مشرعة على عالم المنطق والعقل والقياس" بتعبير الملك الحسن الثاني، وأنها "المكسب الإيجابي الوحيد من الاستعمار" – بتعبير مولود قاسم نايت بلقاسم المسؤول عن المجلس الأعلى للغة الوطنية، أو "غنيمة حرب" كما قال كاتب ياسين.
أما عن استقبال حالة الشعر المغاربي في الفضاء الأوروبي، فيوضح الوهايبي أن معظم المرصود لم يخص إلا الشعر المكتوب بالفرنسية، مشيرا إلى أن الشاعر الفرنسي جون أوريزيت كان أمينا في أنطولوجيته عندما اعتبر الشعر المغاربي باللسان الفرنسي جزءا لا يتجزأ من تاريخ الشعر الفرنسي. غير أنه من ناحية أخرى حار الأوروبيون في تصنيف الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، وأخفوا حيرتهم بمصطلحات فضفاضة، فثمة من اعتبره  فرنسيا بملمح عربي، وثمة من اعتبره عربيا بلسان فرنسي. وهناك من أشار إلى الأدب الجزائري – على سبيل المثال – بأنه "أدب جزائري بملمح عربي، ولكن بلغة فرنسية".  

The case of Arabic poetry
النسغ الكوني الطري الذي يملأ شرايين القصيدة المغاربية

ويلخص الوهايبي هذا السجال الذي لا يكاد أن يتوقف بأن هناك أدبا مغاربيا بلسان فرنسي وملمح مغاربي، أو "أدبا مغاربيا عابرا للحدود" وهو الذي يتنزل في المشهد العالمي الشعري أو الأدبي بعامة.
وعن كيفية رصد حالة الشعر العربي المغاربي عالميا، يرى الوهايبي أن التجربة الشعرية لا تنفصل عن تجربة الحياة، وما نعده شعرا، إنما هو تحويل شكل لغوي إلى شكل من أشكال الحياة، وتحويل شكل من أشكال الحياة إلى شكل لغوي، واللغة في السياق الذي نحن به هي العربية، على أن الشعر المكتوب بها في المغرب العربي، قد يكون موسوما في كثير أو قليل منه، بمؤثرات اللغات الأجنبية وأظهرها الفرنسية، فثمة تعددية لغوية في حيز العربية نفسها.
ويشير الباحث والشاعر التونسي إلى بعض الشعراء الذين تطرد أسماؤهم في منتخبات الشعر الأجنبية، وفي دراسات بعض المستشرقين، وهم، من المغرب: محمد بنيس، ومحمد الأشعري، وحسن نجمي. ومن تونس: أبوالقاسم الشابي، ومنصف الوهايبي، ومحمد الصغير أولاد أحمد، ومحمد الغزّي، وميلاد فائزة. ومن الجزائر: ربيعة الجلطي.
ويتوقف الوهايبي عند الشابي تحديدا "الشابي مغاربيا/الشابي عالميا" موضحا أن الشابي كان "منفردا بين معاصريه من الشعراء التونسيين" بعبارة الناقد المصري د. عزالدين إسماعيل، وبين مجايليه مثل مصطفى خريّف، ولكنه لم يكن كذلك مقارنة بآخرين معاصرين له في البلاد العربية مثل: الهمشري، والتيجاني يوسف بشير، ممن تلقفهم الموت، ولمّا يمتّعوا بشبابهم وحياتهم.
ويرى الباحث أن المدونة الشعرية المغاربية المنقولة إلى اللغات الأوروبية (الفرنسية في السياق الذي يتحدث فيه، والإنجليزية إلى حد ما) تحفل بأعمال استوعبت منجزات الحداثة، وطلقت ثلاثا الاتجاه التعبيري القائم على التصريح بالمعنى في شكله المحدد، وحررت العبارة من علائق المجاورة المتعاودة والتجانس المألوف بين الصفة والموصوف. مشيرا إلى أن بعض الشعر المغاربي الحديث يشحذ "نشوة الكلام في اللامعنى" تلك التي نستشعرها في الفن الحديث المأخوذ بالتجريب، وهو ينقلنا من كتابة المغامرة إلى مغامرة الكتابة حيث المبادرة للغة. وأن الحداثة الشعرية المغاربية انخرطت في بداياتها، في مسار المشاريع الوحدانية الكبرى (المشروع القومي والمشروع الاشتراكي مثلا) وقد باءا بالفشل، قبل أن تنكفئ إلى ضروب من السريالية أو الدادائية أو العدمية واللامعقول.
ويرى الوهايبي أن الشعر المغاربي المنشور في أوروبا يزاوج بين الصور المجازية القريبة، والجمل الإشارية، ويتمثل هواجس الذات وحالاتها الوجدانية وإحساسها بالعجز والصدع والخواء، في غنائية تحتفي بالأشياء والتفاصيل الصغيرة، وأن ما يجري داخل القصيدة إنما هو حوار بين ذاتية الشاعر وذوات أخرى، قد تكون كائنات بشرية، أو كائنات أخرى حية أو أشياء خرساء، أو حتى علامات لغوية، وهذا الحوار هو الذي يضاعف العالم، ويفتح باستمرار أفق المعنى. إنه النسغ الكوني الطري الذي يملأ شرايين القصيدة العربية المغاربية، وهي تتلمس طريقها في المشهد الشعري العالمي.