اليوم العالمي للفاشية الدينية

اضطهاد النساء المحجبات مرفوض لكن لماذا لا يناقش أصحاب حملات حجابي عفتي وما شابهها، الاضطهاد الذي تعاني منه ملايين النساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب؟

بقلم: سناء العاجي

مبادرة أطلقها البعض، تضامنا مع النساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد بسبب ارتدائهن للحجاب. ممتاز... جميل أن نتضامن مع كل شخص يتعرض للاضطهاد بسبب معتقده أو ملبسه. لكن، هل لنا مثلا أن نفكر في يوم عالمي لصالح ملايين النساء اللواتي يتعرضن للاضطهاد... بسبب عدم ارتدائهن للحجاب؟

بين الفينة والأخرى، وبشكل منتظم، تطلق أذرع التنظيمات الإسلامية حملات تشجع النساء على ارتداء الحجاب. نسخ متكررة من حملة "حجاب عفتي" يحاولون عبرها تسويق الربط المباشر بين التدين وبين الحجاب. بين الأخلاق وبين الحجاب.

لذلك، فلعلنا، في موضوع الحجاب وحملات الدعاية المباشرة وغير المباشرة له، نحتاج للتوقف عند نقطتين أساسيتين:

أولا، يمكننا أن نتفق على مبدأ أساسي، وهو أن الاضطهاد في جميع الأحوال مرفوض. بذلك، فاضطهاد النساء المحجبات مرفوض. لكن، لماذا لا يناقش أصحاب حملات "حجابي عفتي" وما شابهها، الاضطهاد الذي تعاني منه ملايين النساء اللواتي يرفضن ارتداء الحجاب؟ بل هل ننسى أن بلدانا لا يعطى للنساء فيها حتى حق الاختيار، لأنهن جميعا مجبرات على ارتداء الحجاب؟

في بلدان أخرى كالمغرب ومصر والعراق وغيرها، الحجاب ليس مفروضا على النساء. لكن تصورا غير معلن ينتشر في هذه البلدان، مفاده أن الفتيات غير المحجبات أقل تخلقا من المحجبات. أن المحجبات وحدهن "النقيات" "الطاهرات". بل إن الفتيات والنساء اللواتي يقررن خلع الحجاب، يتعرضن لضغط مجتمعي رهيب. أحيانا، وفي حالات المشهورات منهن، فهن يتعرضن لحملات شنيعة على المواقع الاجتماعية.

الزميل منصور الحاج، في مقال له على موقع الحرة، سلط الضوء على حالات متعددة لأسر مسلمة تعيش في كندا وإيطاليا، قتلت بناتها اللواتي رفضن الحجاب، أو عرضتهن لعقاب جسدي ونفسي قاس.

فهل يكون ارتداء الحجاب حرية شخصية، وخلعه أو رفضه جريمة تتعرض بسببها النساء للعنف اللفظي والجسدي؟

النقطة الثانية التي تستحق نقاشا رصينا، تتعلق بسؤال الحرية الفردية في علاقتها بالحجاب. إلى أي مدى يمكن اعتبار الحجاب حرية فردية، حين تتعرض النساء على مدى سنوات لغسيل دماغ من طرف عدد من الخطباء والمؤسسات الدعوية والقنوات الفضائية؛ لكن أيضا من خلال تنشئة اجتماعية تجعل الحجاب قيمة رمزية عليا وتربط مباشرة بينه وبين التخلق؟

هناك الملايين من النساء في مجتمعاتنا ممن لم يفرض عليهن القانون ولا الزوج ولا الأب ولا الأخ الحجاب؛ لكنهن مع ذلك استبطن أن الحجاب يمكنهن من اكتساب صورة إيجابية للمرأة "المحترمة" و"المتخلقة"، ومن تفادي غيرة الزوج، ومن التقليل (ولو نسبيا) من تعرضهن للتحرش الجنسي في الشارع، وربما يمكنهن من إقناع زوج مستقبلي باختيارهن (ما دمنا مجتمعات تربط الحجاب بالأخلاق).

هناك أيضا حالات كثيرة لنساء ارتدين الحجاب تحت إكراه مجتمعي غير مباشر، بحيث يجدن أنفسهن في وسط عائلي أو مهني لا يشمل إلا النساء المحجبات. كثيرات يضعن الحجاب فقط لأنهن يشعرن بأنهن نشاز في هذا الوسط، ولأنهن لا يملكن بالضرورة القدرة النفسية والفكرية على ممارسة حقهن في الاختلاف. يضعن الحجاب حتى ينصهرن وسط الجماعة. حتى يشبهن غيرهن.

لذلك، فحين تقول امرأة إنها وضعت الحجاب باختيارها، يمكننا أن نصدق أن زوجها وأخاها وأباها لم يفرضوا عليها ذلك؛ وفي الغالب ستكون صادقة. لكن، بالمقابل، فهناك عشرات الميكانيزمات المجتمعية والنفسية والتربوية والإعلامية، المرتبطة بالتنشئة، والتي تساهم بشكل كبير في صناعة ذلك القرار، سواء بالترهيب (الإساءة اللفظية والتحرش مثلا) أو الترغيب (صناعة صورة مثالية عن المرأة المحجبة).

من جهة أخرى، وحتى إذا اعتبرنا ارتداء الحجاب حرية شخصية، فعلينا أيضا أن نقبل أن خلعه أو عدم ارتدائه حرية شخصية أيضا. لا يمكن للأصوليين أن يدافعوا عن حرية ارتداء الحجاب، ويرفضوا حرية اختيار زي آخر مختلف.

أم أن الحرية الشخصية، مرة أخرى، ليست مقبولة إلا إذا صبغت بألوان الجماعات والأفكار المتطرفة؟