انتصار خامنئي في مقابل هزيمة إيران

خامنئي رجل منفصل عن عصره. ذلك طبيعي بناء على صفاته الشخصية وطبيعة وظيفته.

لم تسخر إيران من التهديدات الإسرائيلية باغتيال علي خامنئي بل سارعت إلى إخفائه.

كان هناك خوف حقيقي من إقدام إسرائيل على قتل خامنئي وهو ما يؤكد أن الإيرانيين صاروا يصدقون أن في إمكان إسرائيل أن تفعل ما تشاء.

حين تمكن المرشد الأعلى من الخروج من غيبته سالما ألقى خطاب النصر. ذلك ما كان متوقعا.

خامنئي رجل منفصل عن عصره. ذلك طبيعي بناء على صفاته الشخصية وطبيعة وظيفته.

يقيم الولي الفقيه خارج زمنه بسبب ما يتلقاه من إلهام كما أنه يُدير شؤون دولة أرضية من خلال أدواته.

هل تصل إليه كل المعلومات؟ وإن وصلت إليه هل ستمكنه علومه الدينية وهو شاعر أيضا من فهم معادلاتها العلمية؟ تلك مسألة لا تحتاج إلى المزيد من النقاش.

ورث خامنئي الجمهورية الإسلامية التي أقامها الخميني. غير أن ما يُحسب له أنه نفذ وصية الخميني في تصدير الثورة. ما لم يكن الخميني يحلم به أن تكون لجمهوريته وصاية على باب المندب.

وكما يبدو فإن خامنئي لم يتعامل إيجابيا مع الظرف الدولي الذي مكن جمهوريته من الهيمنة على أربع دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ذلك هو مصدر سوء الفهم الذي انتظرت إسرائيل الخطأ القاتل الذي ينتج عنه. وهو ما حدث فعلا حين شنت حركة حماس هجمتها في السابع من أكتوبر 2023 وحين شارك حزب الله في حرب تضامنية ستؤدي إلى “مقتله.”

رأى خامنئي بعينيه كيف قُتل زعماء حرسه وجيشه بعد أن فجعه خبر مقتل قاسم سليماني زعيم فيلق القدس والمقرب منه قبل خمس سنوات.

لقد أخاف الموت خامنئي فيما كان الملايين من الإيرانيين يتعرضون للقصف. من حق النظام أن يخفي رمزه العقائدي في مكان آمن. ولكن مشكلة ذلك الرمز أنه صار أشبه بالديناصور المحنط.

لو أنه اكتفى بطمأنة مقلديه وأتباعه بأنه لا يزال حيا وأن التآمر من أجل قتله باء بالفشل لكان الأمر مقبولا أما أن يدفع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السخرية منه بسبب هذيانه عن النصر الجديد الذي حققته بلاده فذلك ما يستدعي الشك بصلته بما يجري من حوله.

صحيح أن خامنئي هو زعيم الدولة الدينية غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أنه المتحكم بآلية عمل الدولة العميقة. وصحيح أيضا أن الحرس الثوري مرتبط به بشكل مباشر غير أن ذلك لا يعني أن زعماء الحرس يتلقون منه التعليمات ويعرضون عليه خططهم المستقبلية.

وكما تبين من خلال خطاب النصر أن الرجل لم يكن معنيا إلا برفع معنويات أتباعه ودحر الشائعات التي تركز على حقيقة ما منيت به إيران من خسائر مادية وبشرية أثناء حرب الأيام الاثني عشر.

كان نصر خامنئي ردا على هزيمة إيران التي كشفت عنها موافقتها السريعة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل بعد القصف الأميركي مباشرة. وقبل أن تشيع إيران قتلاها وهم من كبار ضباطها وعلمائها أعلن خامنئي بشارة النصر الذي لن يتمكن عاقل من تقديم برهان واحد عليه إلا إذا كان بقاء خامنئي نفسه حيا هو ذلك البرهان.

ما لا يهم هنا ما قاله خامنئي. فليس غريبا أن ينفي رجل دين منغلق على مروياته الأسطورية كل ما يشهده الواقع من معطيات. المهم هنا النظر إلى ما ستفعله إيران بعد أن نجحت في الإبقاء على نظامها السياسي مقابل أن تذهب إلى المفاوضات المشروطة بتخليها عن برنامجها النووي العسكري. ذلك قرار اتخذته الدولة العميقة ولم يتخذه خامنئي. فالمستبد يتحول مع الوقت إلى خادم لدى مستشاريه.

المسألة إذاً ليست بخامنئي وما يتوهمه بل بالدولة العميقة وما تراه نافعا لإيران، وليس من الصعب إقناع خامنئي بأن حياته ستكون في خطر إذا ما وصلت القطيعة مع الولايات المتحدة إلى مرحلة تكون فيها إسرائيل مطلقة السراح في تنفيذ مخططها الهادف إلى إعادة إيران إلى وضعها الطبيعي، دولة تضع عينها على حدودها من غير أن تتجاوزها مترا واحدا.   

ولأن إيران دولة ليست حديثة فإن تكريس الدور الرمزي الذي يلعبه خامنئي في الحياة العامة ضروري لاستمرار الدولة العميقة في العمل. وهو عمل شاق في هذه المرحلة بعد أن فقدت إيران الجزء الأهم من هيمنتها في المنطقة، في لبنان وسوريا.

وإذا ما كان خامنئي قد دفع البعض إلى السخرية منه بعد تباهيه بالنصر العظيم فقد كان ذلك ضروريا من أجل أن تستمر الدولة العميقة في عملها تحت غطاء شعبي. فالجماهير المضللة لا يهمها ما يحدث في القاعات المغلقة. لذلك فإن إيران قد تقدم كل ما هو مطلوب منها من تنازلات من غير أن يؤثر ذلك على صورتها كدولة منتصرة.