انتهت إيران العقائدية بهزيمتها العسكرية
لم ينته الصراع المباشر في المنطقة بعد. هناك أطراف دولية وإقليمية لا ترغب في أن ينتهي. إيران التي هي طرف فيه واحدة من تلك القوى ليس إلا. ربما زادت هذيانات ترامب الأمور سوءا من جهة تخلي الولايات المتحدة عن موقفها القانوني وتحولها إلى طرف في الصراع، غير أن موقف الجانب العربي غير الموحد والذي لا يمكن أن يكون موحدا قد أدى بالضرورة إلى غياب الصوت الذي يعبر عن ثقة العرب بقضيتهم في فلسطين. لذلك لا يزال هناك مَن يتكلم باسم حركة حماس كما لو أنها لا تزال قادرة على فروض شروطها في الدفاع عن أهل غزة الذين صاروا مادة لمؤامرات، جزء منها معلن وجزء خفي فيما تحاول إيران وهي المسؤولة عن الكارثة أن تتعلم شيئا من الدرس.
ما لا يمكن إنكاره أن سياسة إيران في الإعلاء من الشأن العقائدي الطائفي قد هُزمت. لم تنفع مخازن السلاح الإيراني حزب الله في شيء. كل تهديدات حسن نصر الله القائمة على الاستقواء بذلك السلاح وبالبيئة العقائدية المنغلقة على مروياتها الطائفية ذهبت هباء حين أثبتت إسرائيل أن اختراق حزب الله كان من العوامل المهمة التي كرست تفوقها التقني. في المقابل فإن إيران على الرغم من كل ما تشيعه بين أنصارها من أخبار عن قوتها واستعدادها لمواجهة العدو كانت عاجزة عن انقاذ قادة حزب الله من النهاية التي كتبتها إسرائيل. كانت هزيمة حزب الله في لبنان فشلا إيرانيا مدويا ساهم في التسريع بالتغيير المفاجئ الذي شهدته سوريا وكان من الممكن أن يتم ترحيل إيران من العراق لولا أن الولايات المتحدة لها حساباتها التي خففت من المغالاة الإسرائيلية. غير أن ذلك لا يعني أن التداعيات التي نتجت عن طوفان الأقصى قد تم احتواؤها.
يعرف الإيرانيون أن الأرض التي زُلزلت تحت أقدامهم في لبنان وسوريا لا تزال تتحرك ولا يزال عليهم أن ينتظروا وقائع لن تكون في مصلحتهم. ليس بالضرورة أن تكون تلك الوقائع ضربات عسكرية لمنشآتهم النووية وهو ما يمكن توقعه في أية لحظة غير أن المنطقة وهي تعيش حالة غليان لم تتوقف قد تحمل مفاجآت غير سارة لإيران على مستوى فشل سياستها العقائدية التي اعتمدتها عبر أكثر من أربعين سنة في سياق تصدير الثورة الإيرانية من أجل أن تكون مخلصة لوصية الإمام الخميني. وكما صار واضحا فإن وصية الإمام قد تم دفنها بشكل نهائي مع الإعلان عن مقتل حسن نصر الله ومساعديه الذين ما كان لهم أن يدفنوا أحياء لولا تخلف وضعف الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية. لقد قتلت إسرائيل العديد من ضباط الاستخبارات الإيرانية في الواقعة التي قُتل فيها نصر الله.
خربت إيران المنطقة. حولت الدول التي هيمنت عليها إلى دول فاشلة. نشرت الفتنة في مجتمعات كانت تعيش قبل تدخلها في وئام وسلام وانسجام. اعتقدت إيران أن في إمكانها عن طريق تمزيق المجتمعات طائفيا في دول تم استضعافها لأسباب كثيرة الهيمنة طويلة الأمد وصولا إلى تأسيس امبراطورية فارسية جديدة تجاور الدولة العبرية وتتعاون معها في قمع العالم العربي. غير أن ذلك الاعتقاد لم يكن في محله. ذلك لأنها لم تكن محل ثقة بسبب التزامها مبدأ الحرب الدائمة على العالم وهو ما أكدته من خلال تمويلها ودعمها للتنظيمات والجماعات والميليشيات الإرهابية. إيران تعرف معنى واحدا للسلام وهو المعنى الذي يلزم الآخرين بهيمنتها. ولم يكن وكلاؤها في المنطقة مغررا بهم أو ساذجين، بل كانوا على بينة مما يفعلون. كل الذين تعاونوا مع إيران. كانوا مؤمنين بها عقائديا فكانوا مجرد أدوات عمياء استعملتها إيران لنشر ثقافة الموت.
لقد كان مفروغا منه بعد انهيار النظام السياسي العربي أن يدفع العرب ثمن هزيمة إيران. ومَن ينظر إلى عراق اليوم لابد أن يدرك ما كان سائدا في لبنان وسوريا. كل شيء إيراني بحيث أن إيران تمكنت من فرض رئيس موال لها على لبنان. غير أن ذلك الانتصار لم يكن إلا وهما تهاوت هياكله ما أن حاولت إيران أن تؤكد خرائطها العسكرية الجديدة جزءا من حربها الدائمة على العالم. لقد شعرت الولايات المتحدة وأوروبا أنه آن الأوان لوضع إيران في مكانها الحقيقي والكشف عن كذبة تفوقها العسكري غير أن ذلك لم يجر إلا على حساب أهل غزة الذين تم وضعهم في المزاد.