انسحاب ترامب من أفغانستان هدية لطالبان وخصوم واشنطن

ترامب عند إعلانه عن سحب آلاف من القوات الأميركية من أفغانستان كان يستجيب لمزاج عام في بلاده ضد التدخل في الخارج، لكنّه فتح الباب أيضا أمام نفوذ متزايد وإن كان لا يزال محدودا، لخصوم الولايات المتحدة.
بعد تخلي ترامب عنها هل يمكن للحكومة الأفغانية أن تعول على بايدن
كابول تخشى من تشدد أكبر لطالبان في المفاوضات المتعثرة بعد الانسحاب الأميركي
الانسحاب الأميركي يترك حليفا ضعيفا لا خيارات سياسية وعسكرية كثيرة أمامه
لدى إيران والصين وروسيا وباكستان والهند مصالح معقدة ومتضاربة في أفغانستان

كابول/واشنطن - قد يؤدي عزم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب خفض عديد القوات الأميركية في أفغانستان، إلى جعل طالبان أكثر ميلا إلى التحرك ميدانيا، لكن على الحركة المتمردة أيضا أن تتعامل مع جو بايدن الذي قد يبدي حزما أكبر حيالها، وفق عدد من المحللين.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية الثلاثاء سحب نحو ألفي جندي أميركي إضافي من أفغانستان بحلول 15 يناير/كانون الثاني، أي قبل خمسة أيام من تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن. وبذلك سيصبح عديد القوات الأميركية في هذا البلد 2500 عسكري.

ومع هذا الإعلان ينوي ترامب الإيفاء بتعهده وضع حد "لحروب الولايات المتحدة التي لا نهاية لها" في الخارج. ومنذ العام 2001، قتل 2400 جندي أميركي في النزاع في أفغانستان الذي كلف الولايات المتحدة أكثر من ألف مليار دولار.

وقال نيشانك مطواني نائب مدير مركز 'أفغانستان ريسيرتش أند إيفالويشن يونيت' المستقل للأبحاث ومقره في كابول "نأمل ألا تتسرع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن إلى الانسحاب وأن تمارس ضغوطا أكبر على طالبان".

وأضاف "التركيز على الانسحاب لا يساعد كثيرا الرئيس الأفغاني أشرف غني أو القوات الأفغانية لأن حركة طالبان تدرك أن بإمكانها الانتظار حتى مغادرة الولايات المتحدة والضغط للسيطرة على الحكم كليا".

ورأت فاندا فلباب-بروان من 'بروكينغز إنستيتوشن' أن بايدن قد يكتفي بوجود عسكري أميركي في أفغانستان يقتصر على 2500 عسكري، مضيفة "إذا أرادت الولايات المتحدة البقاء لأشهر قليلة يمكن لحركة طالبان أن تتقبل ذلك"، لكن إن أرادت واشنطن المحافظة على قوات في أفغانستان لعدة سنوات "فلن ترضى بذلك".

انتشار القوات الأميركية في أفغانستان
انتشار القوات الأميركية في أفغانستان

ووقع اتفاق في فبراير/شباط في الدوحة بين واشنطن والمتمردين نص على سحب القوات الأميركية بحلول مايو/أيار 2021، فيما تعهدت طالبان في المقابل بعدم مهاجمة القوات الأميركية ومنع مجموعات كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية من التحرك انطلاقا من أفغانستان.

ومنذ توقيع هذا الاتفاق، أخلت وزارة الدفاع الأميركية عدة قواعد عسكرية في أفغانستان وسحبت آلاف الجنود، لكن أي انسحاب إضافي سيكون له تأثير هائل على الأرض، وفق المحلل السياسي الأفغاني عطا نوري، مضيفا "هذا أمر غير مسؤول بتاتا لأن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد في أفغانستان".

وأشار مطواني إلى أن الحل المثالي يكون في إبقاء واشنطن قوة محدودة لكنها رادعة فضلا عن قدرات استخباراتية كبيرة.

وارتفعت وتيرة العنف في أفغانستان في الأسابيع الأخيرة رغم بدء مفاوضات سلام في الدوحة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية.

وتحمل السلطات الحركة المتشددة مسؤولية هذا التدهور في الوضع الأمني، متهمة إياها بشن هجومين في الأسابيع الأخيرة على مؤسسات تربوية في كابول قتل خلالهما عشرات الطلاب.

وتخشى الحكومة الأفغانية كذلك أن يؤدي إعلان الانسحاب إلى تشدد أكبر لحركة طالبان على طاولة المفاوضات المتعثرة في الدوحة منذ أسابيع.

وأضاف مطواني "تدرك حركة طالبان أن الأميركيين سيغادرون تاركين وراءهم حليفا ضعيفا ومحاصرا لا خيارات سياسية وعسكرية كثيرة أمامه".

وأيد مفاوض أفغاني في الدوحة هذا الموقف. وقال طالبا عدم الكشف عن هويته، إنّ "جهود ترامب لتسريع الانسحاب العسكري خلف شعورا في صفوف المفاوضين ولا سيما من جانب طالبان بأن العالم يتخلى عن أفغانستان"، مشيرا إلى أن ذلك "قد يكون السبب الرئيسي لعدم قيام طالبان بأي تنازل".

القوات الأفغانية غير مؤهلة بما يكفي ولا تملك امكانيات لمواجهة المخاطر الأمنية
القوات الأفغانية غير مؤهلة بما يكفي ولا تملك امكانيات لمواجهة المخاطر الأمنية

وفي ما تُعلّق الحكومة الأفغانية آمالها على بايدن، تُراهن طالبان على تطبيق وعد ترامب بالانسحاب. وبعد فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، دعته الحركة إلى الالتزام باتفاق الدوحة.

وأكّد خبراء أنّ ترامب عند إعلانه عن سحب آلاف من القوات الأميركية من أفغانستان، كان يستجيب لمزاج عام في بلاده ضد التدخل في الخارج، لكنّه فتح الباب أيضا أمام نفوذ متزايد وإن كان لا يزال محدودا، لخصوم الولايات المتحدة.

ولدى إيران والصين وروسيا وباكستان والهند مصالح معقدة ومتضاربة في كثير من الأحيان في أفغانستان، حيث كانت الولايات المتحدة بدعم من الحلفاء الغربيين، أكبر قوة أجنبية بلا منازع منذ غزوها لهذا البلد قبل حوالى 20 عاما.

وما قد ينشأ عن هذا التطور الجديد ليس مجرد "لعبة كبرى"، كما كان يطلق على معركة القرن التاسع عشر على النفوذ في آسيا الوسطى ولكن فوضى كبرى مع تراجع الولايات المتحدة، حيث يحتمل أن تصعّد طالبان العنف للإطاحة بالحكومة المدعومة دوليا في كابول.

وقال وليام فيكسلر المسؤول الكبير السابق في البنتاغون والخبير الآن في المجلس الأطلسي "لن يقوم أحد بتولي الدور الأميركي لأن لا أحد لديه التطلعات والأهداف نفسها".

وتابع "لكن ما سيحدث هو أنه مع مغادرتنا سيحاول كل لاعب آخر تحقيق أهدافه المحدودة والمحددة وهو ما سيؤدي في شكل كبير إلى أن تدخل أفغانستان في مثل هذه الفوضى في المقام الأول".

وعمد ترامب لتصوير إيران والصين على أنهما خصمان لدودان للولايات المتحدة وتعهد بتحدي نفوذهما في جميع أنحاء العالم، لكنّ طهران ستحقق هدفا طال انتظاره بخروج القوات الأميركية من جارتها، بعد أن أطاحت واشنطن بالفعل اثنين من أكبر أعداء نظام الملالي: حركة طالبان والرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وقال مدير برامج أفغانستان وآسيا الوسطى في معهد الولايات المتحدة للسلام سكوت ووردن إنّ "الصين وروسيا وإيران وربما باكستان بدرجة أقل تشترك جميعها في أن لها مصلحة في خروج القوات الأميركية من المنطقة ولكن ليس مغادرتها فجأة".

وتابع "لا أحد يريد أن يرى انهيارا وتجدد الحرب الأهلية ولا يريدون أن يعبر لاجئون أو إرهابيون من أفغانستان الحدود".

وأضاف أنّ قلق إيران الرئيسي هو القوات الأميركية لكن طهران "تود بالتأكيد تجنب سيطرة طالبان على أفغانستان والانسحاب الأميركي المتسرع يزيد من ترجيح هذه النتيجة".

وزادت إيران اتصالاتها المحدودة مع طالبان مع تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، لكن من المتوقع أن يسعى بايدن إلى عودة التواصل الدبلوماسيّ مع طهران.

وتتطلع الصين من جانبها إلى زيادة الاستثمار في أفغانستان كجزء من خطة البنية التحتية العالمية "الحزام والطريق".

كل التوقعات تجمع على أن طالبان ستكثف هجماتها بعد الانسحاب الأميركي لزيادة الضغوط على خصومها
كل التوقعات تجمع على أن طالبان ستكثف هجماتها بعد الانسحاب الأميركي لزيادة الضغوط على خصومها

وقال فيكسلر "ترغب الصين في مواصلة الاستفادة المجانية من الأمن الذي توفره أميركا في أفغانستان لأطول فترة ممكنة"، مضيفا "لكن الصين ترغب أيضا في الاستفادة من الرحيل الأميركي لتوسيع نفوذها وتوسيع نطاق روايتها بأنها جديرة بالثقة وأن الأميركيين ليسوا كذلك في الأساس".

أما روسيا التي تعرضت في العهد السوفييتي لإهانة عسكرية على يد الجماعات الجهادية المدعومة من واشنطن، فهي كذلك غير مرتاحة لقوة النيران الأميركية على أعتابها ولكنها لا تريد انتصار طالبان.

وقالت فاندا فيلباب-براون الزميلة البارزة في معهد بروكينغز "تريد روسيا والصين بالتأكيد أن تغادر الولايات المتحدة، لكنهما لا تمانعان في أن تكون الولايات المتحدة مشغولة ومكبلة هناك".

والقوة الإقليمية ذات الموقف الأقل غموضا هي الهند التي ضخت 3 مليارات دولار في أفغانستان على أمل استقرار الحكومة وهزيمة طالبان، التي وفرت الملاذ للمتطرفين الإسلاميين المعارضين لنيودلهي بشدة.

بدورها دعمت باكستان ودول عربية نظام طالبان السابق وترى المؤسسة الأمنية في إسلام أباد الوضع في أفغانستان من منظور التنافس مع الهند.

وقال خبراء إنّ الانسحاب الأميركي الذي يريد ترامب استكماله بحلول منتصف عام 2021، سيسمح لباكستان بتحسين وضع وكلائها في أفغانستان، لكن المفارقة أنه قد يضعف مكانة إسلام أباد، إذ لن تكون القوات الأميركية بحاجة إلى مساعدتها اللوجستية.

وحتى بعد سحب قواتها، ستحتفظ الولايات المتحدة بقدر كبير من النفوذ في أفغانستان بما في ذلك من خلال مساعدتها وتواجد دبلوماسيين والمساعدة الأمنية المستمرة.

وقالت فيلباب براون إنه "تقدير معقول" أن "يحصل خصوم الولايات المتحدة على دفعة معنوية" بسبب الرحيل الأميركي من البلاد دون هزيمة طالبان.

وتابعت "ولكن هناك أيضا الجانب الآخر من مصداقية الولايات المتحدة، لا يتعلق الأمر بأن الولايات المتحدة غير قادرة على التحمل، ولكن بأن تظل متورطة في صراع يتجاوز حدود ما يخدم مصالح الولايات المتحدة".