انكار الحرب هو أشبه بمحاولة منع وقوعها

إيران لا تضع أمن دول المنطقة واستقرارها على سلم أهدافها. فهي دولة حرب.

ليطمئن الجميع. الحرب لن تقع بين الولايات المتحدة وإيران. ذلك يُقال همسا. لكن السياسيين في أعلى المستويات يقولون غير ذلك.

الرئيس الأميركي تحدث عن 52 موقعا إيرانيا ستضربها قواته إذا ما تجرأت إيران على الثأر لمقتل مواطنها قاسم سليماني أما الرئيس الإيراني فقد تحدث عن 292 هدفا سيتم ضربها إذا ما قامت الولايات المتحدة بقصف إيران.

حجم التوتر الذي وصلت إليه العلاقة بين الطرفين لا يسمح بالتفاؤل.

وفي كل الأحوال فإن اشتداد الأزمة لا يعني بالضرورة أنها في طريقها إلى الحل. فالطرفان يتسابقان اليوم استخباريا لمعرفة تلك الأهداف التي حددها الرئيسان ليقوما بحمايتها.

تكمن المشكلة في أن الأهداف التي ستتوجه إليها الضربات الاميركية ستكون إيرانية خالصة أما الأهداف التي ستضربها إيران فإنها لن تكون أميركية، إلا إذا كانت القواعد الأميركية في المنطقة من ضمن تلك الأهداف. وهو أمر مستبعد. ذلك لأن ضرب قاعدة عسكرية أميركية أو سفارة أميركية معناه ضرب أراض أميركية وهو ما يمكن أن يزيد الأمور تدهورا.

أما إذا كانت مدن اسرائيلية كتل أبيب وحيفا من ضمن تلك الأهداف كما صرح أحد القادة العسكريين الإيرانيين فإن ذلك يعني أن إيران ستذهب إلى هلاكها المؤكد. وهو ما لا يجهله الإيرانيون. وهم يملكون خطوطا مفتوحة مع غير جهة استخبارية اسرائيلية أو ذات صلة باسرائيل. 

وللأمانة فإن إيران لا تكذب حين تضع خارطة لأهدافها. فهي تعيش حالة حرب منذ اربعين سنة. اما حين انتهت حربها مع العراق فإنها شعرت بالتيه. كانت خارطة حربها غير أنها لم تكن لتجرؤ على نقل تطلعها إلى الحرب من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ. وهو ما جعلها تشعر بالاحباط، بالرغم من نجاحها النسبي في فرض هيمنتها على أربع دول عربية.

ولأن إيران لا تملك سوى الاخلاص لخط الامام الخميني القائم على مبدأ تصدير الثورة، الذي يعني اشاعة الفوضى ومن ثم استثمارها اقتصاديا وسياسيا فإنها دأبت على أن تكون هيمنتها عامل استفزاز للولايات المتحدة التي صارت إيران تعتبرها جارة لها تبعا لخارطة المصالح.

ما فعلته إيران عبر الثلاثين سنة الماضية بعد نهاية حربها مع العراق هو تكريس لفكرة الحرب التي يمكن أن تقع في أية لحظة ولكنها لن تقع.  

كان مهماً بالنسبة للنظام الإيراني أن تخضع المنطقة كلها للتوقيت الإيراني. فإذا كانت إيران تشعر بالخطر فإن على المنطقة كلها أن تعيش ذلك الخطر. ولهذا لم تكن الحرب في حاجة إلى ظهور الولايات المتحدة لتكون قائمة.

ربما اعتبر الرئيس روحاني نفسه ذكيا كعادة الإيرانيين غير أنه كان ساذجا حين اكتفى بذكر عدد الأهداف من غير أن يعترف بأنها لن أميركية.

لا يملك الإيرانيون سوى أن يشنوا حربا على دول المنطقة التي يعتبرونها جزءا من الحزام الأمني الأميركي. لذلك يمكن القول إن الحرب التي ينكر وقوعها الكثيرون هي الواقع الذي سعى الإيرانيون إلى فرضه على المنطقة.

لقد فشلت كل المحاولات الاقليمية والدولية لجر إيران إلى منطقة تقع خارج منطق الحرب. إيران لا تضع أمن دول المنطقة واستقرارها على سلم أهدافها. فهي دولة حرب. وما الميليشيات التي نشرتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن إلا وسائل تعريف بالمنهج الذي يستند إليه وجودها القتالي.

لم تقدم إيران عبر الثلاثين سنة الماضية لجيرانها سوى الرغبة في عسكرة مجتمعاتهم ووضعها في حالة تأهب لحرب عبثية هي صدى لواقع عقائدي مريض لا يرى في الحياة إلا مرحلة تمهيد للموت.

الحرب بناء على سلوك النظام الإيراني قادمة لا محالة. لذلك فإن أية محاولة لمنع وقوعها هي نوع من العبث.