انهض . . . النجاح طريقك

المشكلات هي السمة الأساسية للحياة العائلية التي تنطوي على مشكلات تأتي على غرة وتستلزم التصرف على عجالة؛ وإلا تفاقمت أكثر.
العقل البشري هو الأداة الرئيسية للوعي، وكذلك هو العضو المسئول عن الذاكرة وما تكتنزها من ذكريات سواء حدثت في الماضي البعيد أو القريب
الوعي وما يلازمه من ذاكرة هو شيء شديد الأهمية وقليلها في آن واحد

الحياة هي مستنقع عميق من الصدمات وخيبات الأمل المتلاحقة التي تتبارى لكي تضع نهاية مؤلمة لنفس بشرية بريئة تحاول أن تتمسك بأي بارقة أمل. فاليوم الواحد يعج بأحداث قد تكون كارثية لأي شخص. ففي مجال العمل، يقابل الشخص كل يوم مواقف من زملاء العمل، وضغوطات مستمرة من قبل المديرين من شأنها أن تفقد أي إنسان عاقل عقله، أو تتراكم لتكون سبباً في أمراض مزمنة؛ فكم من أفراد أصيبوا بأمراض مزمنة كالضغط ، والسكر، بل والذبحات الصدرية، والسكتات القلبية؛ بسبب مواقف عمل لم يستطيعوا احتمالها أكثر من ذلك. 
وأما في المنزل، فالمشكلات هي السمة الأساسية للحياة العائلية التي تنطوي على مشكلات تأتي على غرة وتستلزم التصرف على عجالة؛ وإلا تفاقمت أكثر. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ حيث تؤثر الضغوط الخارجية – وإن بدت غير مؤثرة بشكل مباشر – على الحالة النفسية للفرد. فالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذلك الرياضية لها تأثير سلبي على الفرد، من شأنه تقويض جميع محاولات الفرد للنهوض بنفسه، ومحاولاته للنجاح في حياة يتربص فيها الفشل بالمرء، ويحاول أنم يهزمه في عقر داره، وكأن لسان حال الفشل يقول: "سأدركك أينما كنت".
وفي غمار كل هذه الأحداث الخانقة، تصير الأمنية الوحيدة التي يرجوها المرء أن يستطيع نسيان وتجاهل جميع تلك الهموم حتى يشحذ نفسه مرة أخرى بأمل - ولو حتى كان زائفا - حتى يستطيع أن يواصل حياته مرة أخرى. فالنسيان في تلك الحياة العبثية بمثابة نعمة كبرى، لكن كيف يستطيع المرء أن ينسى أحداثا دمرته وذكراها محفورة ليس فقط في ذاكرته، ولكن على جدران حياته لتتجسد في صورة "الوعي" الذي يلازم الإنسان ولا يفارقه إلا في حالة الموت فقط، كما هو مذكور في الفلسفة الدينية في فلسفة الشك. 
وعند البحث في حقيقة الوعي، أثبتت النظريات العلمية المعاصرة أن الدماغ (أي العقل) هو أساس التجربة، والوكالة، والوعي الذاتي، والوعي بالعالم المحيط بنا. أي أن العقل البشري هو ليس فقط عضوا للتفكير، لكنه الأداة الرئيسية للوعي، وكذلك هو العضو المسئول عن الذاكرة وما تكتنزها من ذكريات سواء حدثت في الماضي البعيد أو القريب؛ لأن الذاكرة هي جزء أصيل من الوعي. وبما أنه بموت الدماغ – أي سكتته – تتوقف جميع وظائف المخ بشكل دائم، فإن الوعي، بالتالي، الذي يعتمد على الدماغ وعمله يتوقف، كما يعتقد الكثيرون. بمعنى آخر، بالنسبة لهؤلاء الوفاة هي الوسيلة الوحيدة لوقف ذلك الوعي والذي قد يكون مؤلماً للكثيرين.
وبناء على ذلك المفهوم العلمي للوعي وعمل الدماغ، وجدت الفلسفة الوجودية متنفساً جيدا، وارتكن العديد للانتحار وإنهاء حياتهم بيدهم للتخلص من هذا الوعي الخانق بمشكلات الحياة التي لا تنتهي، وللتخلص من جميع الذكريات الأليمة – القديمة منها والحديثة – التي تحيطنا من كل جانب وتلازمنا ملازمة الحياة لنا.
لكن كان للفلاسفة رأي مغاير بالنسبة لقضية الوعي والموت. فلقد سطر أفلاطون في كتابه الخالد "اعتذار سقراط" Apology Of Socrates والذي يحكي فيه أفلاطون ما دار في محاكمة سقراط، وما ورد على لسانه بعد أن تم الحكم عليه بالإعدام. فلقد واجه سقراط المحكمة بكل شجاعة ليوضح لها أن الموت له ليس بالمرعب كما يصورون ذلك أو يتصوره الأخرون. فلقد وجه سؤاله للقضاة الذين حكموا عليه بالموت، وباغتهم بكل ثقة أن يجيبوه عن تفسير "طبيعة الموت". وعندما لم يجد منهم ردا، أوضح لهم أن هناك رأيين فيما يتعلق بشرح وتفسير "طبيعة الموت". الأول، أن روحه - أو وعيه - لسوف تهاجر من ذلك الوجود، إلى آخر يتواجد فيه جميع أرواح من مروا بتجربة الموت من بداية الخليقة. وبالنسبة لسقراط هذا شيء رائع يجعله متشوقاً للموت من أجل أن يلاقيهم؛ لأن عند مقابلتهم لسوف يثير استفساراته الجدلية ويناقشها مع كبار المفكرين والفلاسفة اليونانيين العظماء، والأبطال، وكبار الشخصيات، مما يجعل من الموت إثراء وليس مكمناً للرعب. 

العقل البشري
ذاكرة المرء ووعيه هما متلازمة يجب التعامل معها بحرص شديد وحرفية

أما الرأي الآخر عن الموت هو أنه توقف تام للوعي، ولا يعني ذلك انتفاء للشعور، ولكن إنعدام للوعي، وكأن الذي فارق الحياة هو شخص يحظى بنوم عميق بلا أحلام. وحتى ذلك النسيان لا يخيفه كثيراً؛ لأن عدم إدراكه لما يحدث سيجعله لا يشعر بأي ألم أو معاناة. بل ويضيف سقراط قائلاً، أن تلك نعمة كبيرة لم يحظ بها كسرى الفارس العظيم إلا عندما استمتع بنوم بلا أحلام.
وبذلك نستطيع أن نستخلص أن الوعي وما يلازمه من ذاكرة هو شيء شديد الأهمية وقليلها في آن واحد؛ حيث يجب على المرء الاستمتاع بحياته بكل تفاصيلها ومحاولة نسيان ما يمر به من تجارب أليمة تعكر صفو دنياه. وذلك ما يسمى بتفعيل "فقدان الذاكرة الانتقائي" Selective Amnesia. فكثير منا يتمنى ألا يتذكر التجارب الأليمة التي مر بها وعرقلت مسيرة تقدمه ونجاحه، والتي بدونها لكان استطاع أن يكمل حياته بلا هموم، لا يرى إلا النجاح طريقاً. 
ولقد أثبت علم النفس الحديث أن بإمكان المرء أن يحظى بذلك. فعند المرور بحادث أو موقف أليم يجب تدريب الذات على تجاهله، وعلى عدم التفكير به، أي محوه من الذاكرة. لكن يجب ملاحظة أن هناك من يحاولون فعل ذلك، لكنه أتى معهم بنتيجة عكسية. فعند محاولة نسيان موقف قد لا يفعل المرء سوى تكراره، مما يحفز حفره بالذاكرة، وبالتالي يتسبب ذلك في إحداث جرح غائر في الوجدان. وكذلك، قد يكون نسيان موقف ما وقتيا، لكن مجرد إثارته ولو حتى بحدث صغير مشابه، أو أن يشتم المرء رائحة – كرائحة عطر مثلاً – كانت متواجدة وقت وقوع الحدث، لسوف يبدأ الفرد في تذكر جميع الأحداث، وتصورها، والعيش فيها مرة أخرى، وكذلك تذكر مواقف أخرى حدثت إبان الحدث وقبله وبعده، مما يفاقم الشعور بالألم وينكأ الجراح مرة أخرى. فكما يقال: "كثير النسيان هو شخص كثير التذكر". 
ذاكرة المرء ووعيه هما متلازمة يجب التعامل معها بحرص شديد وحرفية. واختيار تفعيل "فقدان الذاكرة الانتقائي" Selective Amnesia ليس من السهل، لكنه أيضاً ليس من المستحيل. فكل المطلوب هو إجراء العديد من التدريبات الذاتية، والتحلي بثقة نفس أكثر حتى تصير الحياة أكثر مرونة بالنسبة لنا، فنصير المسيطرون على مجريات أمورها. وبذلك، يتسنى لنا أن ننتزع من هموم الدنيا قدرتها على التحكم في أفكارنا وأقدارنا، فنهزمها في عرينها المستتر، ونخرج من تلك الحياة متوجين بنصر ساحق؛ لأننا قد منينا الحياة بهزيمة نكراء لن تستطيع معها أن تواصل ألاعيبها معنا مرة أخرى.