انهيار حضارة المايا بدأ على موائد الطعام

دراسة جديدة ترجح ان هوس المايا بنظام غذائي يعتمد على الذرة بين النخبة ربما ساهم في سقوط الحضارة القديمة الأكثر ازدهارا في القارة الاميركية.


هاريسبرغ - يشكل اختفاء حضارة المايا منذ 13 قرنا الى الان لغزا يحير العلماء وتتعدد الفرضيات المعقدة بشأنه، الا ان دراسة جديدة رجحت ان الاجابة عن السؤال قد تكون ابسط من المتوقع وراجعة ببساطة الى الذُرة.

ووفقا لدراسة تحليلية فان هوس المايا  بنظام غذائي يعتمد على الذرة بين النخبة الحضرية ربما ساهم في سقوط الحضارة القديمة الأكثر ازدهارا في القارة.

وازدهرت شعوب أميركا الوسطى والجنوبية حتى عام 800 ميلادي، حيث بنوا الأهرامات والمعابد المذهلة. وبحلول الوقت الذي وجد فيه الغزاة الإسبان المواد المتبقية في القرن السادس عشر، كانت كروم العنب مزدهرة في مدن الحجر الجيري المهجورة.

وانتشرت نظريات عدة تفسر الانحدار الشديد للإمبراطورية، بما في ذلك غزو القوى الأجنبية والحرب والمرض وانهيار التجارة.

وأشارت أبحاث سابقة إلى أن الاختفاء الغامض لثقافة وسط أميركا في القرن الثامن والتاسع ميلادي، ربما يرجع إلى تغير المناخ.

ووجد الباحثون الآن، أن سكان المايا في المناطق الريفية بأميركا الوسطى والجنوبية، والذين يعتمدون على نظام غذائي أكثر ثراء، كانوا أفضل حالا من سكان المدن.

وتشير الدراسة إلى أن سكان المايا ركزوا على زراعة محصول واحد، المعروف باسم زراعة أحادية، ما يعني أن الحضارة القديمة كانت أقل قدرة على تكييف الزراعة في فترات الجفاف، ما ساهم في انهيار المجتمع.

وأجريت الدراسة على رفات 50 شخصا من مجتمع المايا القديم في كاهال بيتش في بليز، وبالاعتماد على الكربون المشع حدد الباحثون عمر المدافن البشرية في كاهال بيتش، سواء في قلب الموقع أو المستوطنات المحيطة به.

وجد الباحثون من جامعة ولاية بنسلفانيا أن تاريخ المدافن البشرية يعود إلى فترة ما قبل الكلاسيكية، أي ما بين 735 و400 قبل الميلاد، وحتى أواخر الفترة الكلاسيكية في تاريخ المايا، ما بين 800 و850 ميلادي.

وحلل العلماء نظائر الكربون والنيتروجين المستقرة في الكولاجين العظمي، لتحديد خصائص الأنظمة الغذائية الفردية وكيفية تغيرها عبر الزمن.

الذرة
تفضيل محصول لا يتحمل الجفاف كان عاملا حاسما لفشل النظام الاجتماعي والسياسي في حضارة المايا

وأظهرت النتائج أنه في المدافن التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الكلاسيكي والفترة الكلاسيكية المبكرة، والتي تمثل السكان الأوائل لمنطقة كاهال بيتش، كان لدى كل من النخب والعامة نظام غذائي متنوع (شمل النباتات والحيوانات البرية )، بالإضافة إلى الذرة.

ومع مرور الوقت، أصبح النظام الغذائي القائم على الذرة أكثر شيوعا بين النخب، ومع نمو سكان المايا وتكثيف التقسيم الطبقي الاجتماعي، نشأ انقسام في عادات الأكل خلال الفترة الكلاسيكية.

أما بقايا الأشخاص الذين يعيشون على مسافة أبعد من وسط المدينة، فقد كانت مستويات الكربون المنخفض المشتق من الذرة في عظامهم أقل، وبالتالي فإن سكان المدن كانوا يأكلون الذرة بشكل أكبر.

وأوضحت كلير إيبرت، عالمة الحفريات والجيولوجيا في جامعة ولاية بنسلفانيا وزملاؤها أن النمو الهرمي الاجتماعي والتوسع السكاني، خلال أواخر الفترة الكلاسيكية، أدى إلى تكثيف الإنتاج الزراعي وزيادة الاعتماد على زراعة الذرة لتلبية مطالب النخبة في المدينة.

وأضافت "تشير الدراسة إلى أهمية النظام الغذائي في تواصل المجتمعات القديمة وانحدارها، وتسهم في فهمنا للتأثر بتغير المناخ بين المجتمعات الزراعية التقليدية الحديثة وكذلك الدول الصناعية".

وقالت "من المحتمل أن تكون مطالب النخبة من السكان المحليين بزيادة إنتاج الذرة وتفضيل هذا المحصول الذي لا يتحمل الجفاف، عاملا حاسما لفشل النظام الاجتماعي والسياسي في كاهال بيتش في مواجهة الجفاف الشديد في نهاية الفترة الكلاسيكية لحضارة المايا".

يذكر أن حضارة المايا تنقسم إلى 4 فترات رئيسية هي ما قبل الكلاسيكية، الكلاسيكية، نهاية الكلاسيكية وما بعد الكلاسيكية.

وتميزت الفترة الكلاسيكية ببناء العمارة الضخمة والتطور الفكري والفني ونمو المدن الكبرى.

ولكن خلال القرن التاسع، حدث انهيار سياسي كبير في منطقة المايا الوسطى، حيث تم التخلي عن مدن الحجر الجيري الشهيرة وتوقفت السلالات.

 ووقع الانهيار السياسي حوالي عام ألف ميلادي، حيث تميز بانهيار البناء الضخم والنقوش الهيروغليفية خلال الفترة التي تتراوح بين عامي 1025 و1050 م.

وحدث الانهيار الكامل والزوال على مدار 200 إلى 300 سنة.