اهمّية تبرّؤ جنوب افريقيا من "بوليساريو"

ليس التحوّل الجنوب افريقي سوى ثمرة من ثمار الاستثمار المغربي في دول القارة السمراء.
تغير مواقف جنوب إفريقيا اثبت ان العالم لا يستطيع الإفلات من حقيقة فحواها انّ الصحراء مغربية
الجزائر لا تزال تعتقد انّ الاتحاد الافريقي تحت سيطرتها بينما تحقق الدبلوماسية المغربية انجازات
الجزائر لا تريد الاعتراف بانّ عليها الانصراف الى معالجة أوضاعها الداخلية عوض استهداف وحدة التراب المغربي
يتبيّن في السنة 2020 كم كان قرار العاهل المغربي القاضي بالتركيز على البعد الإفريقي في مكانه

ان تعيد جنوب افريقيا، وهي بين اهمّ الدول في القارة السمراء، تذكير جبهة "بوليساريو"، التي ليست سوى أداة جزائرية تستخدم في استفزاز المغرب، بالواقع امر في غاية الاهمّية. بل ذلك نقطة تحوّل تعكس وعيا افريقيا لطبيعة النزاع في الصحراء المغربية، وهو نزاع طرفه الآخر الجزائر وليس "بوليساريو".

تبرّأ رئيس جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي سيريل رامابوزا، من انفصاليي "بوليساريو"، مؤكدا مرجعية القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية التي انعقدت في تمّوز - يوليو 2018 في نواكشوط، عاصمة موريتانيا.
 شدد رامابوزا، في كلمة له في ختام القمة الاستثنائية الـ14 للاتحاد الإفريقي التي انعقدت تحت عنوان "إسكات الأسلحة" على أن التعديلات المقترح إدخالها على القرار الرقم 693 خلال هذه القمة إنما تؤكد مقتضيات القرار المذكور.

معروف أن القرار 693 يكرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، مع إنشاء آلية "الترويكا" لدعم جهود الأمم المتحدة لتسوية هذا النزاع المفتعل.

يأتي الموقف الذي اتخذته جنوب افريقيا ليثبت ان لا لعبة أخرى في المدينة، كما بات معروفا، غير الحلّ الذي طرحه المغرب، وهو حلّ قائم على الحكم الذاتي في اطار السيادة المغربية. يتأكّد يوما بعد يوم انّ مواقف المغرب من موضوع تكريس وحدة ترابه لا عودة عنها وان العالم لا يستطيع الافلات من حقيقة فحواها انّ الصحراء مغربية وهي جزء لا يتجزّأ من التراب الوطني المغربي. اكثر من ذلك يتكشّف اكثر انّ كلّ ما قام به المغرب منذ انطلاق "المسيرة الخضراء" في تشرين الثاني – نوفمبر 1975، انّما صب في مصلحة الاستقرار في المنطقة من جهة والدفع في اتجاه الابتعاد عن صراعات لا طائل منها تخدم في نهاية المطاف الحركات المتطرّفة التي يفترض في دول المنطقة العمل من اجل التخلّص منها من جهة أخرى.

كان طموح الجزائر التي تتحكّم بـ"بوليساريو" سحب إدارة ملف الصحراء من الأمم المتحدة كي يتحكم في مساره الاتحاد الإفريقي. ما زالت الجزائر تعتقد انّ الاتحاد الافريقي تحت سيطرتها وان المناورات التي قامت بها في الماضي معتمدة على ما لديها من ثروات وشعارات برّاقة ما زالت تنفع. من هذا المنطلق، دعا وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى تحمل مسؤوليته في ما يتعلق بقضية الصحراء. رأى الوزير الجزائري أن الآلية الإفريقية "الترويكا" التي أوجدها الاتحاد الافريقي في العام 2018 لمعالجة ملف الصحراء فشلت في القيام بمهماتها.

في كلّ الأحوال، سجّل المغرب نقطة أخرى في مصلحته في ما يتعلّق بملف الصحراء الذي آن أوان طيّه نهائيا. كلّ ما يمكن قوله ان طيّ هذا الملفّ تأخّر اكثر من اللزوم.

كان الملك محمّد السادس واضحا في توجّهه الهادف الى علاقات طبيعية بين المغرب وجواره. لم يترك وسيلة الّا واعتمدها من اجل حوار مثمر بين المغرب والجزائر يفيد البلدين الجارين. تبيّن مع الوقت، خصوصا في موضوع الصحراء ان الجزائر لا تعرف كيف تخسر. لا تريد الجزائر الاعتراف بانّ عليها الانصراف الى معالجة أوضاعها الداخلية بدل الهرب من ازماتها الى خارج أراضيها. يُفترض بها ادراك أن قضية الصحراء المغربية ما زالت تسمّم الأجواء في شمال افريقيا حيث الحاجة اكثر من ايّ وقت الى التخلّي عن عقد الماضي من جهة والتعاطي مع الواقع من جهة أخرى.

لو كانت الجزائر قادرة على تغيير الوضع في الصحراء، لكانت استطاعت ذلك قبل سنوات طويلة. سعت الجزائر الشهر الماضي الى التحرّش بالمغرب عبر "بوليساريو" عند معبر الكركرات الحدودي بين المملكة وموريتانيا. سعت، عمليا، الى نبش الماضي رافضة الاعتراف بأنّ صفحة الصحراء طويت وانّ مغربية الصحراء لا شكّ فيها. ما هو اخطر من ذلك كلّه، انّها لم تستوعب ان العالم كلّه، تقريبا، وقف مع المغرب. اكثر من ذلك، سارعت الدول العربية الواعية الى فتح قنصليات لها في العيون عاصمة الصحراء بغية تأكيد انّ هذه الأرض مغربيّة.

في سبعينات القرن الماضي، كانت الجزائر قادرة على لعب دور إقليمي في ظلّ هواري بومدين الذي كان شخصية طاغية استطاعت تأسيس نظام عسكري وامني قويّ حاول أن يقدّم مثالا يحتذى به في العالم الثالث. يكشف وضع الجزائر اليوم، حيث صدر، قبل اسابيع قليلة، حكم بالسجن على اثنين من رؤساء الوزارة السابقين، هما عبدالمالك سلال واحمد اويحيى، ما حصدته الجزائر في المدى الطويل بسبب سياسة تقوم على الاعتقاد انّها قوّة عظمى في شمال افريقيا.

صار النظام في حاجة بين حين وآخر الى منفذ خارجي يهرب منه من اجل تأكيد ان كلّ ما يجري في الداخل الجزائري على ما يرام. في الواقع، لا شيء على ما يرام في الجزائر. لا الاقتصاد ولا السياسة ولا الحالة الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة مع المواطنين من أصول قبيلية. كلّ ما في الامر، انّ موقف رئيس جنوب افريقيا يعطي إشارة جديدة الى انّ لا عودة الى الوراء وان ما كتب قد كتب وانّ المناورات الجزائرية لم تعد تنطلي على احد.

لعبت جنوب افريقيا، التي ارتبطت بمصالح متشابكة متنوعة مع الجزائر، دورا في الترويج لـ"بوليساريو". كانت احد أعمدة السياسة الافريقية للجزائر التي نجحت في بيع الأوهام، بما في ذلك وهم "الجمهورية الصحراوية" في وقت يعيش الصحراويون الذين صدّقوا كذبة اسمها "بوليساريو" في حال من البؤس في مخيمات تندوف.

يتبيّن في السنة 2020 كم كان قرار العاهل المغربي القاضي بالتركيز على البعد الافريقي في مكانه، بما في ذلك العودة الى الاتحاد الافريقي في العام 2017. ليس التحوّل الجنوب افريقي سوى ثمرة من ثمار الاستثمار المغربي في دول القارة السمراء. إنّه استثمار يقوم على المصالح المتبادلة والصدق في التعامل بعيدا عن ايّ نوع من المناورات وبيع الاوهام والشعارات الكاذبة.

مثل هذه الشعارات الفضفاضة يمكن ان تكون خادعة لبعض الوقت، خصوصا اذا وجدت المال الذي يدعمها. لكن ما يبقى في النهاية هو الصدق والوضوح. كان موقف المجتمع الدولي من ازمة الكركرات والطريقة التي لجأ اليها المغرب من اجل انهائها سريعا دليلا على ان الاستثمار في الصدق والوضوح يظلّ افضل من غيره في التعاطي بين الدول.