ايران المفلسة وبلدان مفلسان هما سوريا ولبنان

لا وجود لشيء اسمه النظام السوري. هناك ايران ولا احد آخر غير ايران في سوريا ولبنان.
العالم تغير وبشار الأسد عجز عن فهم عمق هذا التغير
هدف الانتخابات التأكيد للشعب السوري انه ليس حرا وان شيئا لم يتغيّر بعد ثورته
ايران هي من فرضت الانتخابات الرئاسية في سوريا وكل ما فعلته روسيا انها خضعت للرغبة الايرانيّة لا اكثر

لا يمكن الّا الترحيب باي عمليّة انتخابيّة في أي مكان من العالم في حال توفرت شروط معيّنة في مقدّمها الشفافيّة. من هذا المنطلق، يمكن التمييز بين نوعين من الانتخابات. الانتخابات المزوّرة التي أجريت أخيرا في سوريا من اجل تمديد ولاية بشّار الأسد سبع سنوات أخرى… وتلك التي تجري في دول تعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة بديلا من نظام الرئيس الى مدى الحياة. لا معنى لانتخابات تستهدف تكريس القمع والتغطية على جرائم مرتكبة ذهب ضحيتّها ما يزيد على نصف مليون سوري في اقلّ تقدير.

كان للانتخابات الرئاسيّة السوريّة هدف واحد. يتمثّل هذا الهدف بالتأكيد للشعب السوري انّه ليس حرّا وان شيئا لم يتغيّر بعد ثورته التي صار عمرها ما يزيد على عشر سنوات.

بالنسبة الى النظام السوري، لا حاجة الى إعادة تأهيل للنظام. النظام يؤهل نفسه غصبا عن الشعب المدجّن. يستمدّ النظام شرعيتّه من اخضاع الشعب السوري وتحويله الى مجرّد قطيع غنم. لا كرامة لايّ مواطن في سوريا الأسد الواقعة تحت خمسة احتلالات. لا همّ لدى النظام سوى البقاء تحت حماية إيرانية وروسيّة. البقية مجرّد تفاصيل لا حاجة اليها... ما دام بشّار يستطيع الإقامة في دمشق وما دام المحيطون به يستطيعون ممارسة لعبة الأوهام القائمة على انكار الواقع وخلق عالم خاص بهم.

ليس ما جرى في سوريا سوى مهزلة. اخطر ما في الامر ان الانتخابات الرئاسية بشكلها الهزلي لن تحلّ أي مشكلة، خصوصا انّ رجالات النظام، على رأسهم بشّار الأسد يرفضون اخذ العلم بما حصل في سوريا ويعتقدون انّ الوقت يعمل لمصلحتهم. هل هذا ممكن؟ الجواب بكلّ بساطة انّه امر مستحيل. إنّ سوريا التي عرفناها صارت جزءا من الماضي لا اكثر. عادت سوريا "ساحة" بعدما جعل منها حافظ الأسد، مؤسّس النظام الحالي، ابتداء من العام 1970، لاعبا إقليميا باتقانه لعبة الابتزاز من جهة واستخدام البعث الآخر في العراق بعبعا يخيف به العرب من جهة أخرى.

مارس حافظ الأسد لعبته المفضّلة، بما في ذلك لعب دور الوسيط مع ايران، في وقت لم يكن أي مسؤول كبير في المنطقة يأمن لنيات صدّام حسين وتصرفاته التي يصعب توقّعها. يظلّ ابرز هذه التصرفات غير المتوقّعة احتلاله للكويت، وهي تصرّفات جعلت حافظ الأسد بين اكثر المستفيدين منها وذلك بحصوله على ضوء اخضر اميركي مكّنه من السيطرة على كلّ لبنان.

وقع لبنان اسير حافظ الأسد بفضل الرهانات المضحكة المبكيّة لميشال عون. كان صدّام حسين من بين هذه الرهانات في مرحلة كان فيها ميشال عون في قصر بعبدا كرئيس لحكومة مؤقتة مهمّتها محصورة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي غادر قصر بعبدا يوم انتهاء ولايته في 23 أيلول – سبتمبر من العام 1988.

كانت مشاركة سوريا عسكريا، الى جانب الجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي، في الحرب التي أخرجت صدّام حسين من الكويت ورقة مهمّة عرف حافظ الأسد استخدامها بحذاقة. لم يستخدمها في لبنان فحسب، بل استخدمها عربيّا ودوليا ايضا لاعادة تأهيل نظامه الذي كان مرتبطا بمعاهدة مع الاتحاد السوفياتي في مرحلة الحرب الباردة.

ليس في الإمكان إعادة تأهيل النظام السوري في السنة 2021 لسبب في غاية البساطة يعود الى ان العالم تغيّر وان بشّار الأسد عجز عن فهم عمق هذا التغيّر. لا يزال الى الآن عاجزا عن ادراك معنى الدخول في لعبة ايرانيّة تستهدف التخلّص من رفيق الحريري في العام 2005. ستلاحق جريمة تغطية اغتيال رفيق الحريري النظام السوري الى اليوم الذي سيتخلّص العالم منه نهائيا ولكن بعد تفتيت سوريا والتأكّد من انّه لن تقوم لها قيامة.

ثمّة معادلة بسيطة لم يستوعبها بشّار الأسد، وهي معادلة لن يستوعبها يوما ميشال عون وصهره جبران باسيل في لبنان. تختزل هذه المعادلة عبارة واحدة: لا عودة سوريّة الى لبنان. مثل هذه العودة مستحيلة لانّ لا عودة للنظام السوري الى سوريا، قبل لبنان. هذا كلّ ما في الامر.

كانت ايران من فرض الانتخابات الرئاسية في سوريا. كلّ ما فعلته روسيا انّها خضعت للرغبة الايرانيّة لا اكثر. ما يعيشه لبنان وسوريا منذ اغتيال رفيق الحريري، الذي سعى دائما الى الذهاب بعيدا في تلبية رغبات دمشق، هو الخضوع للوصاية الايرانيّة. نعم، أجريت انتخابات رئاسيّة في سوريا ولكن من اجل تكريس الوصاية الإيرانية على البلد. هذا كلّ ما في الامر. لعب حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته لعبة المتاجرة بالورقة الايرانيّة. تبيّن مع مرور الوقت ان ايران كانت اكثر دهاء من حافظ الأسد الذي فتح لها طريق لبنان منذ العام 1982 عندما سمح لـ"الحرس الثوري" بدخول منطقة بعلبك والتمركز في ثكنة تابعة للجيش اللبناني هي ثكنة الشيخ عبدالله.

ليس الموضوع موضوع انتخابات رئاسيّة في سوريا. الموضوع ان سوريا صارت تحت الوصاية الإيرانية، كذلك لبنان. ليست الانتخابات سوى ورقة تستخدمها "الجمهوريّة الاسلاميّة" من اجل تغطية سيطرتها على سوريا. البقيّة تفاصيل واوهام تراود عددا من المسؤولين السوريين بان هناك عودة الى الماضي والى تلك الايّام التي كان فيها حافظ الأسد يقول للعرب: الم اقل لكم ان صدّام حسين لا يمكن ان يكون موضع ثقتكم وانّه لا يمكن الركون اليه... وإنّي الوحيد الذي يستطيع لعب دور الوسيط مع ايران؟

كانت لدى حافظ الأسد عدّة شغل. ليس لدى بشّار الأسد مثل هذه العدّة. هذا ما يفترض باللبنانيين اداركه اليوم قبل غد، مثلما عليهم ادراك أنّ المعركة في سوريا ولبنان واحدة. هل ستبقى ايران مسيطرة على البلدين ام لا؟

باختصار شديد، لا وجود لشيء اسمه النظام السوري. هناك ايران ولا احد آخر غير ايران في سوريا ولبنان. السؤال هل من مستقبل لإيران في البلدين في المدى الطويل؟ لا شكّ ان لا وجود لمثل هذا المستقبل، لا لشيء سوى لانّ ايران المفلسة لا تمتلك ما تقدّمه لبلدين مفلسين.