ايران – تركيا، "فتى" اميركا المدلل في الشرق

تسرح إيران وتمرح في الشرق الأوسط وتتحدى دوله والغرب معا. تركيا بدورها لا تقصر وتقوم بدور تكميلي مثيل.

لم يعد خافياً على أحد، بل انه معلوم لدى الجميع، شعوباً وحكومات واحزاب وافراد، ان دولتين في العالم حصراً، ايران وتركيا تعكران بشكل شبه يومي صفو الامنين الدولي والاقليمي وتعدان بمثابة مصدر توتر واضطراب رئيس لدى العالم برمته، وانهما احتلتا بجدارة موقع الدولتين العنصريتين السابقتين، جنوب افريقيا وروديسيا السابقة (زيمبابوي الحالية) اللتين كانتا أيام زمن محل مقت وشجب المجتمع الدولي الذي طاردهما الى ان اسقطهما في السبعينات والتسعينات من القرن الماضي، وبسقوطهما وجه العالم طعنة نجلاء الى العنصرية. غير انهما بالرغم من سقوطهما الا انهما بقيتا حيتين في دولتي ايران وتركيا اللتين واصلتا نهجمها في ممارسة العنصرية ضد شعوبهما وبالاخص ضد الشعب الكردي داخل حدودهما السياسية وخارجها أيضاً أي في كردستاني العراق وسوريا. ولا اغالي ان قلت ان ممارساتهما العنصرية تفوق بكثير ممارسات الدولتين الافريقيتين السابقتين جنوب افرييقيا وروديسيا وتجاوزت ممارساتهما حدود بلديهما الى بلدان اخرى. ولا شك انهما لا تستطيعان الاقدام على اسالبيهما العدوانية العنصرية لولا الموقف الدولي المائع المتهاون تجاههما وبالاخص الولايات المتحدة بشكل خاص وروسيا والاتحاد الاوروبي بشكل عام. ونتيجة لذلك فانهما بمرور الايام راحتا تتصرفان بصلافة ووقاحة لا مثيل لهما.

بدأت التصرفات الصبيانية الايرانية عام 1979 وكذلك خطرها على العالم وشعوب المنطقة، وذلك باقدامها على تصدير "الثورة الاسلامية" الى خارج حدودها وبالقوة وقيامها بمداهمة السفارة الاميركية والاستيلاء على اسرار السفارة التي بلغت نحو 7500 وثيقة سرية نشر الكثير منها، وان الذي شجعها على الاستمرار في نهجها العدواني والعنصري المدان، صمت الولايات المتحدة على تلك المداهمة وذلك الاحتلال، واكتفت الولايات المتحدة انذاك بالاحتجاج الكذب والخجول على السلوك الايراني في وقت رأينا كيف ان الولايات المتحدة هاجمت دولاً وكيانات لم تكن قد الحقت اية اذية بها ولا بالمجتمع الدولي، والامثلة كثيرة. تحرش الولايات المتحدة التآمري المسلح بكوبا عام 1962 في خليج الخنازير ذلك التحرش الذي سرعان ما أحبط، علماً ان كوبا لم تكن تضمر الشر لها، كما ان عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية قد اثبت ان من الممكن ان يتعايش نظامان مختلفان جنباً الى جنب، الرأسمالية والشيوعية، وظلت الولايات المتحدة تخاصم كوبا الى يومنا هذا. ومن بعد كوبا هاجمت عام 1986 سلطة انقلابية عسكرية يسارية في غرينادا واسقطتها. وخاضت حروباً عديدة خارج حدودها الدولية ضد فيتنام وكمبوديا ولاوس الى ان هزمت فيها شر هزيمة في عام 1975. وفي وقت سابق من القرن الماضي اعتقلت حاكم بنما مانوئيل نورريغا بتهمة الاتجار بالمخدرات ونقلته الى سجونها في الولايات المتحدة وحاكمته. كل هذا جرى من غير ان تشكل تلك الدول والبلدان خطراً على الولايات المتحدة.

في حين نجد واشنطن تلزم جانب الصمت والذل والخنوع ازاء الاهانات الايرانية المتواصلة والتي تكاد تتم بشكل شبه يومي. فالاهانات الايرانية لأميركا لم تتوقف عند احتلالها للسفارة الاميركية بل تعدتها الى التحرش بحليفات اميركا الخليجيات وتدخلات مستمرة في شؤون العراق واليمن والبحرين ولبنان.. الخ. فها هو الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني يوصف بحاكم العراق المطلق، بعد أن حررت الولايات المتحدة العراق عام 2003 من دكتاتورية صدام حسين. وها هي ايران تقدم على الشقاوة ضد اميركا داخل العراق مثل اطلاق النار على السفارة الاميركية في بغداد وقنصليتها في البصرة اضافة الى اعتداءتها المستمرة على الشعب الكردي الذي يعد بمثابة حليف لأميركا في الغرب. فعلى امتداد الاعوام الماضية اغتالت المخابرات الايرانية اكثر منه 460 ناشطاً كردياً ايرانيا في محافظة السليمانية ونفذت عمليتين ارهابيتين مدويتين ضد مقار الاحزاب الكردية واللاجئين الايرانيين في كويسنجق فضرب وقصف طائراتها ومدفعيتها لاكثر من مرة مناطق حاج عمران وجومان وسيدكان وبرادوست. مع تنفيذ عدد من العمليات الارهابية داخل اربيل وبلدات تابعة لها مثل بنصلاوه وسوران.. الخ.

لقد مرغت ايران هيبة وسمعة الولايات المتحدة في الوحل منذ عام 1979 والى يومنا وتجسدت الاهانة في اشكال شتى، ولم تكتف باهانتها بالاقوال بل بالافعال ايضاً، وترجمت حربها الباردة ضدها الى حرب ساخنة في اكثر من مكان. بعض من الاهانات صدرت عنها مباشرة واخرى عن طريق اذرعها مثل حزب الله اللبناني الذي وهذا على سبيل المثال قام عام 1982 بخطف 91 اجنبياً في لبنان بينهم 25 اميركيا وبعد تنفيذه لعملية الاختطاف الضخمة هذه فأنه فجر السفارة الاميركية في بيروت عام 1983 والذي أدى الى مقتل 63 شخصا من الذين كانوا داخل السفارة ثم شن هجمات على السفارتين الاميركية والفرنسية في الكويت وذلك في السنة نفسها. ان المعلومات هذه منشورة في تقرير اميركي يكشف ناشري الفوضى في العراق والشرق الاوسط. وعندما لم تتخذ الولايات المتحدة اجراءات رادعة لا ضد ايران ولا ذراعها حزب الله اللبناني، فأن ذلك زين لايران انشاء اذرع اخرى في الشرق الاوسط مثل: 1- حزب الله الحجاز 2- حزب الله العراق 3- عصائب اهل الحق 4- الحشد الشعبي 5- الميليشيات الايرانية في سوريا 6- ميليشيا الحوثي في اليمن 7- سرايا المختار – البحرين 8- سرايا الاشتر – البحرين 9- فيلق القدس. ولو كانت الولايات المتحدة بادرت في حينه وعاقبت حزب الله اللبناني لما ظهرت كل تلك الاذرع الايرانية، التي تقوم كل منها وعلى حدة بإهانة الولايات المتحدة وتوجيه انواع الضربات اليها.

هكذا تحولت ايران من الحرب الباردة الى الحرب الساخنة مع الابقاء على الاولى في الوقت عينه. في حين نجد الولايات المتحدة تكتفي باتهام ايران انها راعية للارهاب في العالم أو انها احتضنت القاعدة.. الخ من المواقف التي لا يمكن وصفها الا بالخجولة. وما زالت ايران عند تهديداتها واهاناتها لاميركا فالتصعيد بينهما كما ونوعاً مقابل بقاء اميركا عند اتهاماتها التقليدية الهزيلة والتي توحي كذباً واوحت على امتداد نحو أربعة عقود بأنها على وشك شن الحرب على ايران ولكن مع وقف التنفيذ، وهو ما دفع بالكثير من المراقبين والقادة السياسيين الشرقيين منهم والغربيين الى أن اميركا لن تضرب ايران ولن تعلن الحرب ضدها، بعد أن كانت التوقعات تشير الى ان اميركا ستشن الحرب على ايران ان عاجلاً أو اجلاً، وها هي أربعة عقود تمر واميركا ما زالت عند تهديداتها التقليدية الجوفاء وايران تطور حربها واهانتها ضدها وضد حلفائها. واخر موقف واجهتنا به اميركا تجاه ايران ان اميركا لا تريد تغيير النظام في ايران انما تعديل سلوكها. ليس هذا فحسب بل انها تبحث عن اتفاقيات جديدة معها بخصوص ملف ايران النووي، مثل اميركا تريد معاهدة جديدة مع ايران تشمل البرنامج النووي والصواريخ الباليستية.

عدا ايران التي دوخت وتدوخ العالم منذ عقود وتتحرش بالسلم الدولي وامن العالم، بل وتقلق العالم باستمرار، فأن تركيا بدورها، لاسيما بعد وصول الاسلاميين فيها الى الحكم، فانها بسلوكياتها العنصرية الصبيانية، اصبح من الصعب تمييزها عن ايران الاسلامية وراحت تنشر الدمار والحزاب في شمال سوريا وعلى امتداء حدودها مع العراق. ومثلما تجرأت ايران على قصف العمق الكردستاني العراقي في كويسنجق مثلاً، فان تركيا ايضاُ تجرات بقصف سنجار ومناطق في اقضية العمادية وزاخو وسيدكان وبرادوست واقضية جومان وراوندوز وسوران وقلعة دزه في العراق. ومنذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي نجد تركيا تقتل المدنيين العزل وتنتهج سياسة الارض المحروقة في شمال كردستان العراق. ومنذ عام 1984 فانها قتلت المئات من القرويين الكرد وما تزال وتصرح بكل وقاحة وصلافة من انها لن تقبل بدولة كردية في جوارها وبانها ستقضي على الدولة الكردية حتى اذا قامت في الارجنتين! وفي الداخل التركي فانها ارتكبت جرائم مروعة وما زالت ضد الشعب الكردي يرقى بعضها الى الابادة الجماعية.

وكحال ايران، فان تركيا تتحدى وتهين بين حين وحين اميركا، مثال ذلك القس الاميركي المعتقل في تركيا الذي طالبت اميركا باطلاق سراحه وهددت تركيا بالويل والبثور ان لم تقم باطلاق سراحه فوراً. الا ان تركيا لم تأبه مثل ايران بتهديدات اميركا وما زالت تواصل احتجازها للقس الاميركي. والكل يعلم ان الاهانات التركية لأميركا سابقة على احتجاز القس الاميركي. ففي عام 1991 تحدت تركيا الولايات المتحدة ولم تشارك في ضرب نظام صدام حسين وتكرر الموقف نفسه منها عام 2003 عندما شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق. واليوم نلقاها تضرب بنظام العقوبات الاميركية على ايران وتقول علانية بانها لن تقطع علاقاتها مع ايران، بل وعلى الضد من اميركا نجدها وكأنها في حلف عسكري مع ايران وروسيا الاتحادية والامثلة على التحدي التركي لأميركا واهانات تركيا المتلاحقة تكاد لا تحصى.

لما مر فان الباحث في السياسة الاميركية حيال ارهاب الدولة في ايران وتركيا، وسياساتها وافعالها منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين يتوصل الى تدوين استنتاجين: الاول اما ان تكون اميركا فعلاً نمراً من ورق وهو الوصف الذي اطلقه ماوتسي تونك على الاستعمار (الاستعمار نمر من ورق) دع جانباً ان احداثاً في الماضي هزمت خلالها الولايات المتحدة امام شعوب صغيرة كالشعب الكوبي الذي قضى على هجومها في خليج الخنازير في سواحل كوبا وفيما بعد اهانتها عندما فرضت شرط تقديم جرارة (تراكتور) لقاء اطلاق سراح نحو الفي مهاجم جندي اميركي ومرتزق كوبي الذي وقعوا في أسر القوات الكوبية، وقدمت الولايات المتحدة صاغرة نحو 2000 تراكتور لكوبا. وفيما بعد الهزيمة النكراء وبالجملة ان جاز القول للوايات المتحدة امام الشيوعيين في اقطار الهند الصينية، فيتنام، لاوس، كمبوديا، دع جانباً ما ابدته من عجز طوال اكثر من عقدين في القضاء على حركة طالبان في افغانستان وباكستان وعلى القاعدة في حضرموت والشباب المجاهدين في الصومال فحق عليها قول ماو؛ الاستنتاج الثاني ان ارهاب الدولة في ايران وتركيا صنيعة لها (لأميركا) مثلما ان هناك شكوكاً عميقة في تبعية ارهاب المنظمة السرية: القاعدة، داعش، الجهاد، النصرة.. الخ من المنظمات الارهابية للولايات المتحدة. ويلتقي عند هذا الرأي العديد من الباحثين وقادة السياسة بل وقطاعات واسعة من العامة في الشعوب علماً ان الوقائع اثبتت ان المتطرفين والادعياء فوق العادة للثورية، غالباً ما يكونوا عملاء للغرب ولقد كان صدام حسين انموذجاً جيداً لأولئك المدللين. ثم ما معنى تردد اسرائيل في ضرب ايران، وهي التي اعلنت انتصارها على عدد من الدول العربية في حرب حزيران عام 1967 (حرب الايام الستة) وهي التي دمرت المفاعل النووي العراقي خلال دقائق عام 1982 وهي التي قادت عملية تحرير الرهائن اليهود في مطار عينتيبة باوغندا في وقت سابق من القرن الماضي والتي تحولت الى فلم روائي قام بتمثيله الممثل الاميركي كيرك دوغلاس، وهي التي دمرت منشأت عسكرية سودانية بالقرب من الخرطوم قبل اعوام وهي التي وهي التي.. فلماذا طال صبرها كل هذه السنوات تجاه "المدللين" الايراني والتركي.

ان المجتمع الدولي مدعو الى استئصال الجسم الغريب ايران وتركيا والمشبوه من الحياة الدولية عبر تصفية استعمارها للشعوب الكرد، البلوش، العرب، الاذريين في ايران والكرد في تركيا وارغام الاخيرة على الاعتراف بالمذبحة الارمنية.. الخ. لن يهدأ العالم ولن ينعم بالاستقرار والامن طالما استمر النظامان الشريران ايران وتركيا في العبث بمقدراته وتعكيرهما لصفو الامن والاستقرار، وبالقضاء عليهما فان الكل يشعر بالراحة والاطمئنان انذاك.

 ملاحظة: جزء من عنوان المقال مقتبس من اسم وعنوان مسرحية اوروبية باسم "فتى الغرب المدلل" ترجمت الى العربية ونشرت قبل أربعة عقود.