باحث سعودي يستحضر رحلة حاج مصري عمرها أكثر من مائة عام

الباحث السعودي أسامة بن سليمان الفليح يعيد اكتشاف كتاب 'دليل الوصول الى زيارة الرسول' للمصري محمد حسن غالي.
معلومات كثيرة في كتاب محمد حسن غالي لم يتطرق لها الرحالة والمستشرقون في تلك الفترة

بعد أكثر من مائة عام على القيام بها، وصدور كتاب يوثق تفاصيلها، نجح الباحث السعودي أسامة بن سليمان الفليح في استحضار تفاصيل رحلة حاج مصري عمرها أكثر من مائة عام، عبر إعادة اكتشافه لكتاب "دليل الوصول الى زيارة الرسول"، والذي كتبه الحاج المصري محمد حسن غالي.
وقد صدر الكتاب مؤخرا ضمن سلسلة "كتاب المجلة العربية" وحمل عنوان: "رحلة محمد حسن غالي إلى المدينة المنورة".
وسجل فيه الكاتب تفاصيل رحلته إلى المدينة المنورة التي بدأها من مصر، مرورا بالشام، وحتى المدينة المنورة، عبر سكك حديد الحجاز.
وكانت رحلة "غالي" قد انطلقت عام 1330 هجرية.. وكما يقول أسامة بن سليمان الفليج في تقديمه لكتاب "رحلة محمد حسن غالي إلى المدينة المنورة" فإنه وربما تكون هذه الرحلة "دليل الوصول الى زيارة الرسول" من أوائل الرحلات "الشعائرية" التي انطلقت على متن القطار الحجازي من بلاد الشام الى المدينة المنورة وهي تتزامن مع تفعيل كافة محطات سكة الحديد الحجازية، حيث كُلف فيها المعلم المصري محمد حسن غالي - ناظر مدرسة محلة المرحوم- لكي يكتب دليلاً إرشاديًّا شاملاً يستفاد منه ويوّزع للزائرين والقاصدين الى الاماكن المقدسة مع تغيّر مسارات الطرق التقليدية القديمة بما يخص الزائرين القادمين من مصر وبلاد الشام وما أحدثته وسائل النقل والمواصلات الحديثة مع تدشين سكة الحديد الحجازية.
وبحسب الكتاب، فقد انطلقت الرحلة من مصر في شهر رجب 1330هـ - على متن باخرة خديوية إلى سواحل فلسطين، حيث زار المعلم غالي المدن الساحلية الفلسطينية وكتب وصفا جميلا لها وتحدث عن أسواقها وفنادقها ومزارعها وطرقاتها ووصفها وصفا دقيق بأسلوب أدبي لطيف وحينما يسهب المعلم بالوصف يضع في مخيلة القارئ وكأنه أمام شاعرٍ يلقي قصيدة جميلة لا تستمل حتى إذا اضطر لإعادة قراءتها، دون مبالغة أو تضخيم وقلما ما نجده متململاً من تصوير المشاهد وتوثيق الأحداث.

 انطلقت الرحلة من مصر في شهر رجب 1330هـ
انطلقت الرحلة من مصر في شهر رجب 1330هـ

وقد كان المعلم المصري دقيقاً في سرد التفاصيل التي ربما كانت تفيد الزائرين وقاصدي الأماكن المقدسة في تلك الفترة، وأيضاً كان يركز على التعاملات الإنسانية مع سكان المدن ومجاوري الأماكن المقدسة التي يزورها القاصدين والزوار، وإضافة إلى ذلك كيفية التعاملات المالية مع وسائل النقل المدنيّة وكيفية التعامل ملاك الفنادق والغرف التي غالبا ما تُستأجر للزائرين في المناسبات الشعائرية سواءً في مكة المكرمة أو القدس الشريف أو المدينة المنورة.
وعن أهمية العملات النقدية المستخدمة والسلع في بلاد الشام والحجاز، لم يغفل المعلم غالي عن أي تفاصيل طوال مسار الرحلة التي امتدت من مصر الى فلسطين ووصولاً الى سوريا والأردن والسعودية حيث صوّر الحالة الاجتماعية والاقتصادية في مدينة تبوك ومدائن صالح والمدينة المنورة تصويراً بديعاً.
وبحسب "الفليح" فإن أهمية هذه الرحلة تأتي لكونها من أوائل الرحلات "الميسرة" على متن وسائل النقل الحديثة – القطار - التي لم يعاني منها المعلم من مشقة أو قلق أو خوف أو متاهات الصحراء القاسية كما عانى منها بعض الرحالة والمستشرقين، حيث ورد فيها الكثير من المعلومات التي لم يتطرق لها أي من الرحالة والمستشرقين في تلك الفترة مثل: أسماء الموانئ والصناعات ومواعيد تحرك القاطرات والأجور وتسعيرة الدرجات واسماء المحطات ومواعيدها والحاجات التي يحتاجها المسافر من نفقات مالية ضرورية، بالإضافة الى وصف الحالة الاجتماعية والاقتصادية في يافا وحيفا ودرعا وتبوك ومدائن صالح وأهم موارد المياه على طريق الحج الشامي وأهمية محطات الاستراحة للزائرين.

كتاب الفليح صدر ضمن سلسلة 'كتاب المجلة العربية'
كتاب الفليح صدر ضمن سلسلة 'كتاب المجلة العربية'

 وتحدث أيضاً عن محطة المدينة المنورة وضواحيها وعن تجارتها وصناعتها وعادات اهاليها وأسوارها الشامخة التي تحيط بها من كل الجهات واضافة الى ذلك عن مصدر مياهها العذبة وعن الحرم المدني وأبواب الحرم والحجرة النبوية الشريفة وكسوة الحجرة والروضتين الشريفتين وخدم الحرم المدني واضاءته وفرشه وآداب الزيارة، لم يغفل عن هذه التفاصيل وكذلك زيارته الأخرى للمسجد الاقصى حيث ذكر مسجد الصخرة والصخرة الشريفة ومصطبة الصخرة وحوش الحرم الاقصى ووصف مدينة بيت القدس وصفا بديعاً، وكل هذه التفاصيل التي ذكرها حتماً ستعطي الباحثين الصورة المكتملة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في فترة ما قبل نشوب الحرب العالمية الأولى.

  أهمية هذه الرحلة تأتي لكونها من أوائل الرحلات 'الميسرة' على متن وسائل النقل الحديثة

ومن المعروف ان هناك الكثير من الكتب التي تتناول الرحلة إلى بلاد الحجاز، وهي كتب وضعها حجاج خلال رحلتهم لآداء مناسك الحج والعمرة، وأخرى وضعها رحالة ومستشرقون أجانب.
وفي تلك الكتب التي تزخر بها المكتبة العربية، الكثير من التفاصيل التي تصف بلاد الحجاز قبل قرون مضت، وفيها دون الحجاج والرحالة والمستشرقون، مشاهداتهم وانطباعاتهم عن أهل الشام وأهل الحجاز، والجزيرة العربية.. وهي كتب تعد بمثابة مصدر ثري ومرجع مهم لجموع الباحثين المعاصرين، ولكل المهتمين بالتاريخ، وجغرافية الأمكنة القديمة، وطبيعة الحياة اليومية بها، وطبائع سكانها خلال الأزمنة الماضية.