
بدأ الخوف على الدولارات في لبنان المضطرب
بيروت - قالت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان الذي يشهد احتجاجات غير مسبوقة إن النائب العام غسان عويدات "أمر بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية دفعة واحدة" في حقائب صيارفة وتجار عبر مطار بيروت والمعابر الحدودية.
وأدت الاحتجاجات التي تعم لبنان منذ 11 يوما إلى إغلاق البنوك طوال ثمانية أيام عمل. وقالت جمعية مصارف لبنان إن البنوك ستظل مغلقة لحين عودة الاستقرار وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي التدافع على سحب المدخرات لدى استئناف البنوك عملها إلى استنزاف ودائع العملات الأجنبية المتناقصة.
وأضافت أنه تم فرض هذا الحظر إلى أن يحدد مصرف لبنان المركزي آلية جديدة تنظم مثل هذه التحويلات.
وكان بإمكان الناس سابقا أخذ مبالغ كبيرة من الدولارات نقدا خارج لبنان بتصريح من سلطات الجمارك.
وقالت الوكالة "ستعمد مديرية الجمارك الى إخضاع عمليات نقل الأموال الى أنظمة يعمد مصرف لبنان المركزي الى تحديدها".
من ناحية أخرى قال رياض سلامة حاكم مصرف لبنان في بيان الأحد إنه يتعين على مكاتب الصرافة الحصول على ترخيص من مصرف لبنان لنقل الأموال والقيام بذلك من خلال شركات مرخصة أو التقدم بطلب للحصول على ترخيص.
وأكد أن سوق الصرف اللبنانية ستظل حرة طبقا للقوانين والمنشورات الحالية. وأضاف أن مصرف لبنان لن يصدر أي منشورات جديدة بشأن هذا الموضوع.
وفي الوقت الذي تعم فيه الاحتجاجات لبنان عقدت جمعية مصارف لبنان اجتماعات في الأيام القليلة الماضية بحثا عن سبيل لإعادة فتح البنوك دون أن يؤدي ذلك إلى عمليات سحب ضخمة للودائع.
من جهته، قال صندوق النقد الدولي إنه يقيم حزمة إصلاحات طارئة أعلنتها الحكومة اللبنانية الاسبوع الماضي وأكد ضرورة تنفيذ الإصلاحات بشكل عاجل في ضوء مستويات الدين والعجز المالي المرتفعة في البلد.
ودفعت الاحتجاجات البلاد نحو انهيار اقتصادي لم تشهده منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

وفي الأسبوع الماضي، كشفت الحكومة النقاب عن مجموعة من الإجراءات تهدف جزئيا لتهدئة غضب المتظاهرين وإقناع المانحين الأجانب بقدرتها على خفض العجز في الميزانية العام المقبل.
ولكن الحزمة العاجلة فشلت في إقناع المتظاهرين بترك الشارع أو المستثمرين بوقف تراجع سنداتها.
وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق "ندرسها (الحزمة). نحتاج أن نرى ليس فقط ما تتضمنه بل الجدول الزمني للحزمة في بلد مثل لبنان الذي يعاني من مثل هذه المستويات المرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ومستويات مرتفعة لعجز مزدوج".
وتعاني البلاد من واحد من أعلى مستويات الدين الحكومي في العالم كحصة من الناتج الاقتصادي. وتوقع الصندوق عجزا ماليا بنسبة 9.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و11.5 بالمئة من العام المقبل.
وقال رئيس الوزراء سعد الحريري إن الاجراءات العاجلة التي استحدثت الأسبوع الماضي، وشملت خفضا رمزيا لأجور الوزراء وأعضاء البرلمان للنصف، قد لا تفي بمطالب المحتجين ولكنها بداية لتحقيق بعض منها.
وقال أزعور "ثمة حاجة عاجلة لإصلاحات أساسية في لبنان من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي والثقة وتحفيز النمو وتقديم بعض الحلول للقضايا التي يثيرها الشارع".
وتعتزم الحكومة الإسراع بخطى إصلاحات تأخرت كثيرا لقطاع الكهرباء الذي تديره الحكومة والذي يستنزف ملياري دولار من خزانة الدولة سنويا بينما لا يوفر كافة احتياجات اللبنانيين من الكهرباء.
وأضاف أزعور أنه من أجل استعادة الثقة في الاقتصاد يجب تنفيذ بعض الاصلاحات التي طال انتظارها بقطاعي الطاقة والاتصالات "وفقا لجدول زمني مفصل جدا".
وصرح أن الصندوق يجري مناقشات دورية مع السلطات اللبنانية لكنها لم تطلب من الصندوق تقدم برنامج تمويل.
وواصل المتظاهرون في لبنان قطع الطرق الاثنين، عبر تعزيز العوائق وركن السيارات وسط طرق رئيسية في البلاد.
ورغم النداءات التي وجهها مسؤولون سياسيون لفتح الطرق، إلا أن المحتجّين يعمدون إلى إبقائها مقطوعةً، لاسيما الطريق السريع الرئيسي الذي يربط الشمال بالجنوب، وذلك لممارسة أقصى ضغط ممكن على السلطة السياسية.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأحد منشور يدعو المواطنين إلى اعتماد أسلوب جديد لقطع الطرق وهو ركن السيارات في وسط الطرقات، تحت شعار "اثنين السيارات".
وصباح الاثنين، كانت طرق رئيسية مقطوعة جراء توقف مئات السيارات أو جلوس مجموعات من المحتجين أرضاً.
طرق رئيسية مقطوعة جراء توقف مئات السيارات أو الجلوس على الأرض
وكان يُتوقع أن تقوم قوات الأمن اللبنانية بمحاولة جديدة لفتح الطرق في وقت تشهد البلاد شللاً كاملاً يشمل إغلاق المدارس والجامعات والبنوك، منذ أكثر من عشرة أيام.
وحاول الجيش وقوات الأمن في الأيام الأخيرة فتح عدد من الطرق المغلقة في مناطق مختلفة في البلاد، غير أن المتظاهرين قاوموا كل الجهود.
وشكّل عشرات آلاف اللبنانيين الأحد سلسلة بشرية تمتدّ من شمال البلاد إلى جنوبها على مسافة تبلغ 170 كيلومتراً، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال التظاهرات العابرة للطوائف والمناطق.
واندلعت شرارة الاحتجاجات الاجتماعية غير المسبوقة منذ سنوات في 17 تشرين الأول/أكتوبر، بعد إقرار الحكومة ضريبة على الاتصالات عبر تطبيقات الإنترنت.
ورغم سحب الحكومة قرارها على وقع غضب الشارع، لم تتوقف حركة الاحتجاجات ضد كافة مكونات الطبقة السياسية التي يعتبرها المحتجّون غير كفؤة وفاسدة في بلد لم تتمكن فيه الدولة من تلبية الحاجات الأساسية على غرار الماء والكهرباء والصحة بعد 30 عاماً من نهاية الحرب الاهلية (1975-1990).
وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد، ولا زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء الزعماء عموماً طبقة طائفية أو منطقة معينة.