برنارد لويس: ما الخطأ الذي ارتكبه المسلمون؟ أو من الذي فعل هذا بالمسلمين؟

أبوالمجد ومدحت طه يقدمان تحليلات لكثير من مواقف وأفكار ورؤى المستشرق الأميركي خاصة تلك المغلوطة والمتحاملة بشأن تاريخ الإسلام والمسلمين.
الأمة الإسلامية لن تتحرر على أيدي محارب في صورة بطل مغوار يمتطي صهوة جواده
الإسلام من وجهة نظر المسيحية الغربية يتسم بخلفية إشكالية لاهوتية عميقة

يقدم مراجع ومترجم كتاب المستشرق الأميركي برنارد لويس "الإسلام في التاريخ.. الأفكار والناس والأحداث في الشرق الأوسط" د. أحمد كمال أبو المجد ود. مدحت طه، تحليلات لكثير من مواقف وأفكار ورؤى لويس خاصة تلك المغلوطة والمتحاملة بشأن تاريخ الإسلام والمسلمين، لكن ذلك لم يمنعهما من التأكيد بأن العالم الإسلام وصل إلى ما وصل إليه من انهيار نتيجة أزمات لم يستتبعها بحث عن الأسباب وطرح للتساؤلات التي أدت إلي ذلك، حتى أن المترجم خلص في مقدمته إلى ضرورة أن تطرح النخب الفكرية والأكاديمية وعلماء الدين التساؤلات التي ترى أنها باتت ملحة حول الاسلام والمسلمين من القضايا التي واجهت الإسلام عبر تاريخه الطويل، وموقفه من القضايا المعاصرة، مثل موقف الإسلام من الثورة وموقفه من الحرية، حيث صار واجبا على تلك النخب أن تبذل جهودا مخلصة لوضع الإجابات عن هذه التساؤلات التي تتلاءم ومعطيات زماننا والتغيرات والتحولات التي طالت كل جوانب حياتنا.
الكتاب الذي صدر عام 1993 ويجئ في ثلاثين فصلا يتناول الكثير من قضايا الاستشراق وصعوبات كتابة التاريخ الإسلامي، كما يتناول بالنقد والتحليل الكثير من كتابات الرحالة الغربيين عن الشرق الإسلامي والأحداث الكبرى مثل آثار الغزو المغولي في العصر العباسي، وتاريخ الامبراطورية العثمانية وما تلاها من احتلال انجلترا وفرنسا وإيطاليا للبلدان العربية، والعلاقات بين المسلمين واليهود، والقضية الفلسطينية، ويلقي الضوء على الحروب الصليبية وغيرها من حلقات الصراع بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي منحازا لصورة نمطية عن الاسلام والمسلمين لا تخلو من تحامل واضح.
يتعرض لويس في كتابه الصادرة ترجمته عن دار آفاق للنشر لقضية الصراع والصدام بين حضارة الغرب والحضارة الاسلامية لافتا إلى كراهية متأججة وسائدة ضد الغرب وكل ما يمثله كقوة دولية أو كأيديولوجية فكرية وأسلوب حياة "إنها كراهية عميقة الجذور بحيث قادت أصحابها لأن يسارعوا لمساندة عدو محتمل للغرب ـ صدام حسين ـ حتى ولو كان عنصريا مثل هتلر الذي احتقر العرب، أو كان ملحا مثل ستالين الذي قمع الإسلام في دول القوقاز أو وحشا مستبدا مثل صدام حسين الذي انتهك أعراف وتقاليد العرب والشرائع والأخلاق الإسلامية. 

عندما تسوء الأحوال في بلد إسلامي بفشل التعويذة السياسية أيا كان مصدرها، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية، من الطبيعي والسهل أيضا أن يجد الرافضون آذانا صاغية مؤهلة لقبول أفكارهم التي يدعون لها التي تدين الثقافة الغربية، وتتهم الداعين لها بأنهم خطاة، ويدعون إلى أن خلاص المسلمين هو في العودة للإسلام. 

إن جذور هذه الكراهية من القدم والعمق والقوة، بحيث يجب البحث فيها على مدى التاريخ الطويل في الصراع بين الإسلام والمسيحية، الإسلام الذي كان الشرق الأوسط ولا يزال مركزه التاريخي، والمسيحية التي كانت ولأجل طويل لها حدود مشتركة مع أوروبا وهي كذلك حتى اليوم في أوروبا. 
ويرى أنه عندما تسوء الأحوال في بلد إسلامي بفشل التعويذة السياسية أيا كان مصدرها، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية، من الطبيعي والسهل أيضا أن يجد الرافضون آذانا صاغية مؤهلة لقبول أفكارهم التي يدعون لها التي تدين الثقافة الغربية، وتتهم الداعين لها بأنهم خطاة، ويدعون إلى أن خلاص المسلمين هو في العودة للإسلام. 
ولا شك أن أحوال المسلمين ساءت في السنوات الأخيرة، وأن كل ما أتبعته حكومات الدول الإسلامية من نظم في الحكم لم تؤت ثمارها في أغلب الأحيان. فالدولة الحديثة لم تستطع أن توفر الحرية بل إنها أسست لديكتاتورية أسوأ بكثير من دولة الأتوقراط، وهي ـ الدولة الحديثة ـ لم تتقيد بالقيود النمطية على الحكم والحكام، بينما تملك في نهاية المطاف وفوق كل اعتبار آخر كل السبل الحديثة في الرقابة على العباد وفي قمعهم.
ويضيف أن الدولة العصرية أدخلت الأساليب العسكرية الحديثة وتسلحت بالأسلحة الحديثة، ما كلفها ثروات طائلة وتضحيات من جنودها، لكنها ـ باستثناءات قليلة ـ لم تتمكن من تحقيق انتصارات عسكرية، وباستثناء قلة محظوظة من الصفوة والنخبة الحاكمة في الدول الإسلامية، لم تحقق نظم الاقتصاد العصرية سوى مزيد من الفقر والجماهير المحرومة، وبسبب العلم ووسائل الإعلام الحديثة أدركت الجماهير مدى فقرها وحرمانها. وما يحزن في الأمر هو ما يتجاوز الضرر المباشر من تطبيق نظم وأساليب الغرب هو الكرامة ـ الشعبية ـ الجريحة، والأخلاقيات وسلوك الغاضبين الذين ينظرون برعب إلى التدمير الذي أصاب النسيج والنظام الأصلي ـ التقليدي ـ للحكم الإسلامي والمجتمع ككل من جراء الأفكار والنظم والتقاليع الغربية بشكل عام. فقد انحل الترابط حتى في الأسرة المسلمة ذاتها، ولا شك أنه من المهم أن نلاحظ انتشار شكوى الجماعات الإسلامية الأصولية وتكرارها من أمور مثل تحرير المرأة وما نتج عن ذلك من إساءة لصلاح المرأة وانحلال في سلوكها العام.

ويذكر لويس أن "الإسلام من وجهة نظر المسيحية الغربية يتسم بخلفية إشكالية لاهوتية عميقة، حيث ظهر في أوائل القرن السابع الميلادي في محيط تميز بتأثره الروحي بالتقاليد اليهودية ـ المسيحية مؤكدا من ناحية وعبر التوحيدية الإبراهيمية صلته المبدئية بتلك التقاليد الشرقية، ولكنه وضع نفسه من ناحية أخرى في خندق مضاد متعارض تماما مع التقاليد الدينية المذكورة، وذلك من خلال تعميم مطلق غير محدود لهذا التوحيد، وألغى في حقيقة الأمر أي إمكان لتجسيد الطبيعة الإلهية، مع نفي تام لفكرة الثالوث المسيحية، وبذلك التوجه العقائدي حطم الإسلام النظام البنيوي ـ اللاهوتي الذي كان مهيمنا في التصورات المسيحية ـ لا سيما في العصر الوسيط ـ حول التكوين الإلهي للتاريخ وحول التقديس وتجسيد الإله ذاته، ولهذا كان ظهور الإسلام بالنسبة للمسيحية واليهودية نوعا من التحدي التاريخي".
وتساءل لويس: لماذا لم يكن العالم الإسلامي قادرا على مواكبة حركة التحديث الاقتصادي والسياسي التي جرت في عوالم أخرى غير إسلامية وغير عربية؟ وقال "تظل تجربة اليابان فذة وإن كانت هناك تجارب أخرى تتقدم على نفس الدرب من الخارج، وهناك كوريا الجنوبية التي تعد قوة اقتصادية رئيسية، والنجاح الصيني في تايوان وهونج كونج أو سينغافورة، حيث أظهر هؤلاء جميعا النجاح الذي يمكن في تحقيقه عند التحرر من قيود الفلسفة الماركسية ونمط الاقتصاد الشيوعي في جمهورية الصين الشعبية. وفيما يخص البلاد التي كانت خاضعة للإمبراطورية البريطانية نجد جمهورية الهند برغم تناقضاتها الدينية والعرقية التي من شأنها إعاقة التقدم، استطاعت الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية وتقدمها العلمي والتكنولوجي، بينما باكستان وبنجلاديش الدولتين المسلمتين في ذات الإقليم والتي عانتا من الظروف نفسها، وبرغم التجانس الديني والعرقي لسكانهما، تعاني برغم فترات قصيرة من الحكم الديمقراطي، من سيطرة ديكتاتورية تنتقل إلى ديكتاتورية أخرى في أفضل الأحوال. ومن بين 46 دولة أعضاء في المؤتمر الإسلامي استطاعت الدول التي تمتلك البترول فقط تحقيق قدرا من الرفاهية لشعوبها، وأن ترفع مستوى المعيشة لها.

30 فصلا
صعوبات كتابة التاريخ الإسلامي

ويشير لويس إلى أن العلماء في كل من الصين واليابان وكوريا والهند يعدون جزءا لا يتجزأ من مجتمع العلم وتقدم العلوم، حيث يساهمون مساهمة فعالة في تقدم البشرية، بينما العلماء في العالم الإسلامي بسكانه المليار نسمة، والذين يساهمون في تقدم العلوم منهم قلة قليلة مما يثير الخجل. وقد بدأت حديثا حركة التغيير والتحديث في العالم الإسلامي مع تزايد الإدراك بالضعف والرغبة الطبيعية في الأخذ بأسباب القوة، وقد كان مدركا تماما في وقت من الأوقات، أنه لكي تصبح قويا عليك أن تحصل على مستوى معيشي مرتفع وأن تنعم بالرفاهية، وهو ما يوجب أن تكون حرا بالضرورة، ومازال السعي من جانب الدول الإسلامية لتحقيق الرخاء والتقدم والقوة مستمرا، وبالتالي السعي للحصول على الحرية بكل السبل، لكننا لن نجد الرخاء في مغارة "على بابا" ولا يمكن استحضاره بواسطة مصباح علاء الدين، وتعد خبرة الدول البترولية الغنية متواضعة في هذا المجال، لكن من المؤكد أن الأمة الإسلامية لن تتحرر على أيدي محارب في صورة بطل مغوار يمتطي صهوة جواده".
ويؤكد لويس أن المسلمين عموما وليس المثقفين منهم فقط الذين تعلموا في الغرب يدركون تلك الحقائق ويستوعبونها تماما، وهم معنيون بالدرجة الأولى بالتطبيق العملي لهذه الحقائق وتبعاتها عليهم، ولا شك إنهم واعون أيضا وعيا جادا بالتناقض بين ماضيهم المجيد وحاضرهم المأزوم، وكذلك بالتناقض الصارخ والمؤلم الذي عهدوه بين ما وعد به المفكرون والحكام عند القيام بإصلاحاتهم وحجم الإنجاز الذي تم، وهو التناقض الذي لا يزال قائما، ويتساوى وعي الاصلاحيين والتقليديين به وتزخر الأدبيات المعاصرة بالحديث عن أسباب عثرة المسلمين وتخلفهم، وسبل القضاء عليها وتقع هذه الأدبيات أساسا في نمطين من الكتابة يعبران عن أحد تساؤلين هما: ما الخطأ الذي ارتكبه المسلمون؟ أو من الذي فعل هذا بالمسلمين؟ والسؤال الأول يقودنا بشكل طبيعي إلى السؤال الثاني ألا وهو: كيف نضع الأمور في نصابها الصحيح؟ بينما يقودنا التساؤل الثاني إلى خيالات وتهيؤات ونظريات تآمرية لا معنى لها؟! 
ويخلص لويس في هذا الجانب إلى القول "الحقيقة هي أن أعدى أعداء الشعوب الإسلامية وأخطرهم حاليا، لا يمثلون خطرا في ذاتهم، وإنما الخطر كل الخطر في قوى الرجعية والتخلف داخل المجتمع الإسلامي نفسه، سواء كانت قوى علنية أو سرية. فهذه القوى تروج لمعتقدات وأفكار يمكنها فقط أن تؤدي إلى الشعور بالإحباط والاستياء وإلى توالي عدد لا نهاية له من الحكام الطغاة المتعصبين. بينما في السؤال الأول لمن لديه الشجاعة على طرحه والرؤية الثاقبة التي تؤهل للإجابة عنه، يكمن الأمل في المستقبل وفجر جديد للحضارة الإسلامية.