بعد الحجاب.. حظر العباية في المدارس يثير جدلا في فرنسا

شخصيات سياسية ترحب بقرار وزير التربية الفرنسي منع ارتداء العباية 'الإسلامية' في المدارس باعتبارها رمزا دينيا، بينما انتقده آخرون من اليسار معتبرين أنه استقطاب سياسي واستدعاء لحرب دينية.  

باريس - تعيش فرنسا على وقع جدل ولغط سياسي بعد قرار وزير التربية حظر ارتداء العباية في المدارس باعتبارها تشكل رمزا دينيا يهدد علمانية الدولة، في قرار رحبت به شخصيات سياسية ونددت به أخرى باعتباره استقطابا سياسيا وإثارة مجانية لنقاش اعتباطي بل واستدعاء لحرب دينية.

ويطرح القرار بما ورد فيه وبما أعقبه من تعليق للحكومة الفرنسية التي وصفت ارتداء العباية في المدارس بأنه هجوم سياسي وتبشير ديني يهدد القيم العلمانية، اشكالات قانونية وتضربا حتى مع مبادئ الجمهورية المتعلقة بحرية المعتقد وحرية الملبس.

وقال أعضاء في الحكومة الفرنسية الاثنين إن حظر ارتداء العباية في المدارس في فرنسا يستجيب لضرورة الاتحاد في مواجهة "هجوم سياسي"، مبررين الإجراء الذي أعلن عنه الأحد وزير التربية الوطنية غابرييل أتال خلال مؤتمر صحافي بمناسبة العودة إلى المدارس. وقال أتال إن المسألة تتعلق "بتشكيل جبهة موحدة" في مواجهة الهجمات التي تستهدف العلمانية.

وقال المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران لقناة "بي إف إم تي في" التلفزيونية "إنه هجوم سياسي، إنها إشارة سياسية"، مستنكرا ما وصفه بأنه شكل من أشكال "التبشير" من خلال ارتداء العباءة.

وأضاف أتال "تشكيل جبهة موحدة يعني أن نكون واضحين: لا مكان للعباءة في مدارسنا"، ووعد بتدريب "300 ألف موظف سنويًا في قضايا العلمانية حتى عام 2025" وتدريب جميع الموظفين الإداريين البالغ عددهم 14 ألفًا بحلول نهاية عام 2023.

وقال "مدارسنا أمام اختبار. في الأشهر الأخيرة، تزايدت الهجمات على العلمانية بشكل كبير، ولا سيما عبر ارتداء الملابس الدينية مثل العباءات أو القمصان الطويلة التي ظهرت واستمرت في بعض الأحيان في بعض المؤسسات".

وأعلن وزير التربية مساء الأحد منع العباية في المدارس استجابة لمطلب مدراء المدارس الذين طالبوا بإصدار توجيهات واضحة حول هذا الموضوع المثير للجدل.

وورد في مذكرة صادرة من أجهزة الدولة أن الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في تزايد كبير منذ جريمة قتل المدرّس صامويل باتي في العام 2020 قرب مدرسته، وقد ازدادت بنسبة 120 بالمئة بين العامين الدراسيين2021-2022 و2022-2023.

وقال أتال "إن الحزم في استجابة المؤسسات التعليمية يتم اختباره من خلال هذه الظواهر الجديدة... في مواجهة التعديات والهجمات ومحاولات زعزعة الاستقرار. علينا أن نشكل جبهة موحدة. وسنكون موحدين".

بين الترحيب والتنديد

وفي حين لقي هذا الإجراء ترحيبا من اليمين واليمين المتطرف، بدا رد فعل اليسار منقسما، فقد أعرب زعيم حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون في منشور على موقع اكس (تويتر سابقا) عن "حزنه لرؤية العودة إلى المدراس عرضة للاستقطاب السياسي عبر حرب دينية جديدة سخيفة ومصطنعة تماما حول لباس نسائي".

وفي يونيو/حزيران الماضي، قال ميلانشون إن العباية "لا علاقة لها بالدين" وإن مشكلة المدارس ليست في هذا اللباس بل في "نقص المعلمين والأماكن غير الكافية".

ولدى أحزاب يسارية أخرى، لقيت هذه الخطوة ترحيبا باسم العلمانية. إذ أشاد بها النائب الاشتراكي جيروم غويدج ورئيس بلدية مونبلييه (جنوب) الاشتراكي مايكل ديلافوس وزعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل.

وعلى غرار الجدل الذي أثير حول قضية ارتداء الحجاب في المدارس والنقاب في الأماكن العامة باعتبارهما يشكلان رمزا دينيا، عاد الجدل للساحة الفرنسية حول قرار حظر ارتداء العباية للمبررات ذاتها.

لكن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يرى من جهته أن ارتداء العباية ليس مظهرا دينيا، في رأي يتعارض مع رأي الحكومة الفرنسية وقرارها الذي من المتوقع أن يعمق الاستقطاب السياسي ويعطي دفعة لطروحات لليمين المتطرف في هذا الشأن.

وأدرجت مسألة ارتداء العباية في تعميم سابق لوزارة التربية الوطنية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقد جاء في التعميم أن العباءة تعتبر على غرار غطاء الشعر والتنانير الطويلة، ألبسة يمكن حظرها في حال تم ارتداؤها "على نحو يظهر بشكل علني انتماء دينيا".

والجدل المثار حول ارتداء العباية واعتبراها بقرار رسمي مظهرا دينيا يهدد علمانية الدولة لم يخرج عن سياقات سابقة عدّت ارتداء الحجاب تعبيرا عن انتماء ديني وعدّت ارتداء النقاب خطرا أمنيا إذ لا يمكن على سبيل المثال أن يميز الأمن بين من ترتدينه لأغراض إرهابية وإجرامية وبين من ترتدينه وفقا لقناعة وتعاليم دينية.

قانون مكافحة الانعزالية

والجدل المثار حول ارتداء العباية في المدارس واعتباره خطرا يهدد العلمانية سبقه جدل أكبر وأوسع حول ارتداء الحجاب لم يهدأ إلى الآن في النقاشات السياسية حتى بعد مصادقة الجمعية الوطنية (البرلمان) في فبراير/شباط 2021 على مشروع قانون محاربة الانعزالية الذي اشتغل عليه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ووزير داخليته جيرالد دارمانان ضمن ما يطلقان عليه مكافحة التطرف الاسلامي، بينما يعتبر معارضو هذا القانون أنه يبدو كأنه استهداف للمسلمين ويطرح رؤية ضيّقة للعلمانية ويقفز على أسباب موضوعية لانتشار التشدد الديني.

وبررت الحكومة الفرنسية حينها طرح المشروع بأنه يعزز قيم الجمهورية تمام كما بررت قرار حظر ارتداء العباية بأنه يهدد علمانية الدولة.

ويقول جيرالد دارمانان إن "بلدنا يعاني من نزعات انعزالية وعلى رأسها التطرف الإسلامي الذي ينخر وحدتنا الوطنية"، مضيفا أن القانون "يقدم ردودا ملموسة على الانعزال المرتكز على الهوية وعلى انتشار التطرف الإسلامي الذي يمثل أيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسسة للجمهورية".

الإيديولوجيات الإسلاموية

في يناير/كانون الثاني من العام 2021 كشفت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن المرشحة الرئاسية السابقة، عن مقترح قانون حول منع ما سمتها حينها "الإيديولوجيات الإسلاموية"، وتضمن مقترحها حينها "منع ممارسة الإيديولوجيات الإسلاموية وإظهارها ونشرها العام في السينما والصحافة والمدرسة".

ويصف حزب لوبن 'التجمع الوطني' الإيديولوجيات الإسلاموية بأنها لا تتوافق مع الحقوق والحريات والمبادئ الواردة في الدستور الفرنسي عبر "رفض احترام علمانية الدولة وعوامل الانفصال التي تحرض عليها".

وكان حزب لوبن يدفع بشدة لحظر ارتداء الأزياء الاسلاموية في الفضاءات العامة ومن بينها الحجاب وطالب بتشديد العقوبات على من يخالف القوانين واقترح سحب الجنسية الفرنسية من المخالفين

وينص مقترح القانون أيضا على اعتبار هذه الإيديولوجيات "ظرفا تشديديا" للحكم عند ارتباطها بأي مخالفة أو جريمة، مع إمكانية سحب الجنسية الفرنسية من الجاني. وتمنع فرنسا ارتداء الحجاب وكل الرموز الدينية الظاهرة في المدارس وتطالب موظفي الدولة بالالتزام بمبدأ "الحياد" إزاء الأديان.