بعد تصنيف الحرس الثوري الإيراني إرهابياً.. ما هو تأثيره؟

الحرس الثوري الايراني ليس بديلا للجيش الإيراني أو الجيش الظل کما کان يرى البعض بل إنها قوات لها مهماتها الخاصة والتي تترکز في ثلاثة اتجاهات: الأول المحافظة على النظام باعتبارها قوات النخبة التي تم إعدادها بصورة دقيقة من کل النواحي، والاتجاه الثاني تفعيل تصدير الثورة.

بقلم: محمد علي الحُسيني
بعد الثورة الإيرانية التي وصفت بالزلزال الذي ضرب إيران، فقد کانت هناك وجهة نظر مطروحة على الساحة في بلدان المنطقة من احتمال أن يضرب هذا الزلزال بلدان المنطقة ولاسيما التي تتواجد فيها أتباع المذهب الشيعي، وهي وجهة نظر تبلورت وتوضحت أکثر بعد أن بدأ الحديث في طهران عن"تصدير الثورة"، ولئن کانت هناك في وقتها تساٶلات ورٶى متباينة بشأن کيفية هذا التصدير، ولکن وبعد أن صار الحرس الثوري مٶسسة سياسية ـ عقائدية ـ اقتصادية متکاملة وصار القوة الأعظم في إيران، فقد صارت هناك إجابة شافية واضحة على کل تلك التساٶلات.

الحرس الثوري الايراني ليس بديلا للجيش الإيراني أو الجيش الظل کما کان يرى البعض، بل إنها قوات لها مهماتها الخاصة والتي تترکز في ثلاثة اتجاهات: الأول المحافظة على النظام باعتبارها قوات النخبة التي تم إعدادها بصورة دقيقة من کل النواحي، والاتجاه الثاني، تفعيل مبدأ تصدير الثورة والذي يهدف إلى عالمية النظام الحاکم في إيران والانطلاق سيکون من البلدان التي يتواجد فيها الشيعة، لکي تکون هناك قاعدة انطلاق باتجاه العالم الإسلامي بصورة عامة، أما الاتجاه الثالث؛ فهو الانطلاق بعد إحکام القبضة على البلدان التي يتواجد فيها الشيعة نحو البلدان ذات الأغلبية السنية، وهنا استند أسلوب عمل الحرس الثوري اتجاه هذه البلدان على سياقين، الأول نشر التشيع السياسي ـ العقائدي وفق نظرية ولاية الفقيه، والثاني؛ تأسيس تنظيمات ومنظمات سياسية سنية أو السعي لاستيعاب واحتواء قوى سنية فاعلة على الساحة والتنسيق معها باتجاه العمل لفرض الهيمنة على ذلك البلد.

ما قد قام ويقوم به النظام الحاکم في إيران کله قد استند على مٶسسة الحرس الثوري ولولاها لما کان هناك أي شيء، بل إن المشروع الإيراني يعتمد کليا على الحرس الثوري ولولاه لا يمکن أبدا تفعيل وتجسيد هذا المشروع، والحرس الثوري الذي هو الآن الحاکم الفعلي في إيران، لأنه امتداد للولي الفقيه ويمثل قوته الضاربة إلى جانب کونها القوة المحافظة عليه، ولعل وصول أفراد من الحرس الثوري لمناصب رفيعة في مختلف مفاصل النظام الإيراني ووجود کمّ هائل من الشخصيات التي تم إعدادها في هذه المٶسسة وهي جاهزة لاستلام مناصب أخرى، تٶکد على أن الحرس الثوري يمثل الشريان الأبهر للنظام الإيراني وإن الاعتماد عليه لا حدود له لأنه ومن دون الحرس الثوري فإن نظام ولاية الفقيه سيصبح ذئبا من دون أنياب ومخالب!

الملاحظة المهمة جدا والتي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وننتبه لها بدقة، هي أن الحرس الثوري الإيراني لا يتصرف بصورة صبيانية أو انفعالية ومن دون التحسب لآثار وتداعيات وانعکاسات مايقوم به، ولذلك فإنه وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه يتحاشى أن يخطو خطوات أکبر وتتعدى الحدود المعقولة ضد قوتين مهمتين في الشرق الأوسط وهما إسرائيل وترکيا وذلك حرصا على المشروع الإيراني ولضمان درء التهديدات المحدقة به أو تجنبها قدر الإمکان حتى اللحظة المناسبة.

إن الاتجاه الأمريکي لتصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية، يأتي کما يبدو بعد أن توضحت ماهية المهام بالغة الخطورة التي يتکفل بها الحرس الثوري والتي تتجاوز حدود إيران بکثير ومن أنها لا تمثل خطرا وتهديدا کبيرا محتملا، إنما تهديدا قائما على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وإن تصنيف الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية إجراء سيکون له آثاره وتداعياته الهامة والمٶثرة على أصعدة إيران نفسها وبلدان المنطقة بما يمکن اعتباره قلب الطاولة على رأس الحرس.

تصنيفه إرهابيا.. يغير في معادلات الحرس الثوري في الداخل الإيراني
إيرانيا، الحرس الثوري يهيمن على ثلث الاقتصاد الايراني، فإن تصنيفه ضمن قائمة الإرهاب سيٶدي إلى التأثير على هيمنته على الاقتصاد وسيخلق له مشاکل مثلما سيٶدي ذلك إلى خلق مشاکل اقتصادية أخرى في الاقتصاد الإيراني المکبل بالمشاکل والأزمات الحادة جدا، کما أن أعضاء في الحرس الثوري يمسکون بعدد من أهم المناصب السياسية رفيعة المستوى في مختلف مفاصل النظام وهو ماسيتأثر تلقائيا بالتصنيف ويدفع طهران للبحث عن بدائل، کما أن مهمة الأمن في النظام يمسك بها الحرس الثوري تحديدا، من شأنها أن تتزعزع بما يفتح الأبواب على مصاريعها لمختلف الاحتمالات والخيارات التي لا تلائم النظام أبدا، والأهم من ذلك کله أن الحرس الثوري يمثل السد الأهم بوجه التيار الإصلاحي في طريقه لمواجهة التيار المحافظ والتحديد من دوره الأکبر في البلاد، بل إنه يعتبر ورقة المرشد الأعلى في وجه خصومه داخليا وإقليميا وحتى دوليا، وإن تصنيفه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية يعني  في الحقيقة تقليم أظافر المرشد الأعلى والتقليل من دوره وتأثيره تبعا لتراجع وإضعاف دور الحرس الثوري.

لمعادلات السياسية في المنطقة تتجه إلى إعادة الصياغة...عقب مرحلة ما بعد إنهاء هيمنة الحرس الثوري على صعيد المنطقة، فإن تأثير هذا التصنيف سيکون کبيرا جدا ومن الممکن أن يهيئ لإعادة صياغة المعادلات السياسية في البلدان التي يهيمن فيها الحرس الثوري بنفوذه عليها.

حزب الله المتضرر الأكبر من تصنيف الحرس الثوري تنظيما إرهابيا
لبنانيا فإن حزب الله الذي يعتمد كليا کما نعرف جميعا على ما يصله من طهران عبر شبکات الحرس الثوري، بل وحتى إن النشاطات والتحرکات الاقتصادية لهذا الحزب يجري بالاعتماد والتنسيق مع شبکات الحرس الثوري، إذ يجب الانتباه إلى نقطة مهمة جدا وهي أن الحرس الثوري الإيراني لا يترك حرية الحرکة المطلقة لأذرعه في بلدان المنطقة بل غالبا ما يقوم بتحديدها عبر تطعيمها بعناصر له في مفاصل حساسة وحيوية وإن حزب الله الذي يعتمد عليه النظام الإيراني في تنفيذ وإتمام الکثير من مخططاته سوف يصبح عمله ونشاطه صعبا جدا وقد يواجه مشاکل کبيرة ولاسيما من حيث إدارة أمور أعضائه من حيث المعيشة، هذا إلى جانب أن تضعيف الحزب سوف يدعو ويحث القوى السياسية اللبنانية للتحرك من أجل استرداد ما قد استحوذ عليه من دور ومکانة ونفوذ على حسابها.

ميليشيات الحشد الشعبي تقترب من النهاية
أما في العراق، فإن ميليشيات الحشد الشعبي التي صارت تتفاخر علنا بأنها تخضع لتوجيه قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بل وحتى إن العديد من قادتها صاروا يصرحون علنا من أن هذه الميليشيات تعمل من أجل تنفيذ مشروع الخميني في العراق والمنطقة، فإن إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية من شأنه أن يجعل من قاسم سليماني نفسه هدفا محتملا، خصوصا وأن الأخير مهندس ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية في العراق وصاحب "العصا" بوجه الخارجين أو المناوئين للمشروع الإيراني في العراق، وإن هذه الميليشيات التي صارت تقلد الحرس الثوري وتسعى للإمساك بالاقتصاد فإن ذلك سيتأثر حتما لهذا القرار، خصوصا أن هناك في الداخل العراقي نقمة وسخط بالغين على دور هذه الميليشيات حتى من داخل المناطق الشيعية نفسها، خصوصا أنها تبالغ في تبعيتها المفرطة لطهران.

الحوثيون إلى مزيد من التراجع في ظل التضييق على تحرك الحرس الثوري
في اليمن سيتجه الحوثيون شاءوا أم أبوا لمزيد من التقوقع والتراجع حتى أنهم سوف يجدون أنفسهم مضطرين لتقديم تنازلات موجعة لم يفکروا بتقديمها، ذلك أن کل ما يصلهم يأتي عن طريق شبکات الحرس الثوري وإن تحديد دور وفعالية هذه الشبکات سيجعل من الحوثيين أضعف من السابق أمام خصومهم.

خليجيا بعد مساعيه للسيطرة على الخليج.. أحلام الحرس الثوري تعود أدراج الرياح
أما في البحرين والسعودية والإمارات حيث سعى الحرس الثوري لتفعيل دوره هناك وإنشاء قاعدة وأرضية مناسبة، فإن جهوده ستتعرض إلى تقويض إجباري بفعل تراجع الإمکانيات المختلفة للحرس الثوري وبصورة عامة فإن کل ذلك من شأنه أن يدفع بتفعيل رفض الشارع العربي للدور والنفوذ الإيراني والدفع نحو خطوات أکبر لتحديد دور وتحرك الأذرع التابعة لطهران.

نشر في العربية نت