بغداد.. الحكومة تختطف صبا المهداوي

إذ يمكن لأي قناص أو مثلم أن يقتل متظاهراً ستعتبر الحكومة ذلك إنجازا يضاف إلى إنجازاتها وحلا مبتكراً للقضاء على ظاهرة الزيادة السكانية ولهذا لم يتطرق السيد عادل عبد المهدي لاختطاف صبا المهداوي لأنها في نظره الآن ترفل في نعيم.

 مضحك ومسلي ولذيذ، هذا الإصرار على السخرية من احتجاجات العراقيين من جانب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وهو يحاول أن يدافع عن فضيحة قتل أكثر من 300 مواطن وجرح أكثر من عشرة آلاف ليقول إن الحكومة لا تزال في موقف المدافع وإن ما قامت به هو قليل، ففي بعض البلدان تحصل إجراءات أقسى.

قتل 300 مواطن أمر قليل الأهمية.. خطف المتظاهرين من بيوتهم وتغييبهم أمر قليل الشأن.. فالمفروض أن يعدم المتظاهر في ساحة الاحتجاج.. يعرف السيد عادل عبد المهدي وهو يحمل الجنسية الفرنسية أن مقتل متظاهر واحد في شوارع باريس يمكن أن يطيح بماكرون وحكومته، وربما تسنى للسيد عادل عبد المهدي قراءة مذكرات الجنرال ديغول، وكيف يصف خروج الطلبة عليه عام 1968 وهم يحملون لافتات كتب عليها: "ديغول ارحل.. عشر سنوات تكفي لكي تتقاعد"، لم يحدثهم آنذاك عن الفراغ الدستوري، ومن سيجلس على كرسي الرئيس، وأن الاستقالة في جيبه لن يخرجها حتى يصل عدد قتلى التظاهرات إلى 1000. لم يجمع الوزراء والمحافظين ويحدثهم عن المنجنيق الذي يستخدمه المتظاهرون، فالرجل الذي أنقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى، لم يجد غير جملة واحدة قالها لمساعديه "سأرحل، لا شيء أهم من فرنسا مستقرة".

عندما يقدم المسؤول استقالته بسبب خطأ بسيط، فهذا يعني أنه يدرك جيدا معنى أن يكون مسؤولا عن الشعب، لكن عندما تخطف فتاة مثل صبا المهداوي جريمتها الوحيدة انها ذهبت لمساعدة جرحى التظاهرات ، ويقتل صبي أعزل "حسوني الدراجي" برصاص قناص لأنه وقف على تلة ترابية وهتف باسم الوطن، ندرك جيدا أن الحكومة لا تملك بعدا أخلاقيا، لأنها صمتت أمام ما يحدث من مجازر، دائما ما أردد قصة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني الذي حكمت عليه المحكمة بعقوبة "الخدمة الاجتماعية" في إحدى دور رعاية المسنّين على خلفيّة الحكم الذي صدر بسجنه بتهمة التهرّب الضريبي، تهرب ضريبي يمنه من العمل السياسي ويجبره على أن يكنس ويخدم المسنين لمدة سنة، فيما تغييب فتاة في عمر الزهور يعتبره رئيس الوزراء إجراء خفيفا، فالثقيل هو أن يختفي جميع المحتجين من الوجود.

قد يعتبرني مكتب رئيس الوزراء متآمرا، لأنني أقارن بين ديغول ورئيس وزرائنا، وهى مقارنة لا تجوز لأسباب عدة ليس من بينها أن المنصب عندنا أهم من المواطن، ولأنه لا توجد قيمة للمواطن في بلادنا السعيدة، إذ يمكن لأي قناص أو مثلم أن يقتل متظاهرا، وستعتبر الحكومة ذلك إنجازا يضاف إلى إنجازاتها، وحلا مبتكرا للقضاء على ظاهرة الزيادة السكانية، ولهذا لم يتطرق السيد عادل عبد المهدي لاختطاف صبا المهداوي لأنها في نظره الآن ترفل في نعيم.

نُشر في المدى البغدادية