بنائية الرسائل ولعبة الإنتاج في 'بريد الفتى السومري'

نصوص عدنان الفضلي الشعرية تتميز بكونها غير مفتوحة وغير مغلقة.. وهي ايضا نصوص تبحث عن دلالات الجذر التربيعي للمفردة لكي تأخذ الجملة اتجاهين في تفكيك الفكرة الذهاب الى الماضي للإتيان بالجذر والبقاء في الحاضر لأسطرته.

يتميّز النص الشعري الذي يكتبه الشاعر عدنان الفضلي بكونه نصا غير مفتوح وغير مغلق.. وهو ايضا نص يبحث عن دلالات الجذر التربيعي للمفردة لكي تكون الجملة تأخذ اتجاهين في تفكيك الفكرة الذهاب الى الماضي للإتيان بالجذر والبقاء في الحاضر لأسطرته.

وهو ما نراه في مجموعته الشعرية "بريد الفتى السومري" الذي قد يبدو العنوان للذي يعرف الشاعر أنه يعنيه كونه من جذور سومرية خاصة وأنه يضع الإهداء كبوابة أولى للولوج الى المعنى الذي يقصده هو لا المعنى الذي يراد من المتلقي ان يصل له كونه أي الشاعر أراد أن تكون نصوصه موجهة بذات الشاعر ومبثوثة بين طيات المجموعة وكأنها مصابيح معلقة على اعمدة الطريق الذي سيقطعه المتلقي من بداية العنوان حتى الخاتمة.

ولو اطلعنا على طريقة البناء والتدوين في هذه المجموعة الصادرة ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق سنجد أنها لا تأخذ شكلا واحدا ولا قالبا محددا، وبالتالي لا تمركز علاقاتي بين النصوص ذاتها، من ناحية الشكل لكنه يتوجها بالاتحاد ما بين الأفكار الجمعية والنص الواحد، لإنتاج هوية خاصة لهذه المجموعة "السومرية" التي ينطقها عبر فتاه/ الأنا/ الآخر الشبيه.. وهو ما يجعله في هذا الحالة الى الاتجاه لكي يكون "منحازا" الى المكان ومنحازا الى فكرة نصّه.. فما بين الناصرية التي ينتمي لها وبين النص الشعري الذي انغمس فيه ولدت بوابة المجموعة الثانية لما بعد الإهداء، ليليها مباشرة النصّ الذي يحمل عنوان المجموعة الذي أراده البوابة الكبيرة التي يدخل منها المتلقّي الى أبواب النصوص الأخرى.. وهو هنا يؤكّد ممارسة الكتابة ليس الشعرية فحسب، بل الرسائل التي يحملها الشعر في هذه المجموعة تحديدا.

إن بنية الكتابة تنتهج في بعض الأحيان أنه لا يدخل من خلال الاستهلال أو المقدمة فهو يدخل مباشرة في النص سواء من خلال حرف الجر كدليل الرسالة أو حرف "كي" الذي يريده توكيدا على ما تمنحه المفردة التي تأتي بعدها بعدا إرساليا أو حتى أن يبدأ بحرف السؤال أو الصفة أو كل ما له علاقة لكي لا يكون الاستهلال منطوقا خارج المتن. وهو بهذا يبني نصّه على أساس الوحدة الواحدة، وإن تم التقطيع.. مثلما يبنيه على شكل مقاطع وإن كانت هناك نصوص طويلة متصلة.. فالفكرة او الرسالة هي التي تحدّد شكل النص. ولهذا نجد إن العلاقة بين الاستهلال والجمل التي تليه، هي علاقة الخطوة الأولى ما بعد الباب/ العنوان والمكان كله ليتّسع للمتلقّي.. كما في نصّ "كيف..؟ أسئلة الى ولدي الراحل غزوان" والذي يعد من النصوص التي تبدو ذاتية لكنها غارقة في عمق الرسالة الوجدانية:

كيف النسيان..

وصرير الباب يذكرني

انك آخر من يسمّر وجه الليل

فهو في أغلب الاستهلالات ما يضع بعد المنفردة أو الجملة نقطتين ليكتفي بها ويكون الجمل التي بعدها كلها قصيدة فتنتفي الحاجة لوجود استهلال خارج سياق المعنى المتعارف عليه.. كما في نص "بريد الفتى السومري" حيث يمنح السطر الأولى روحه كاملا لما يأتي وكانه يبدا بالمستوين الاخباري والتحليلي معا:

لي.. ممكنات العشق والخبل

ودوني.. هذيانات الذين تراخوا عند مدخل الاتقاء

يكفي.. قبضت على غيمة وردية

ان عملية التناغم بين العنوان الخاص بالنص، وبين استهلال النص، هي ذاتها التناغم بين العنوان العام وكلية الافكار ورسائلها.. ولهذا كنا نفضل ان يكون عنوان المجموعة ليس عنوان نص من النصوص او عنوان النص الذي يحمل العنوان الرئيس يتم استبداله بما يقارب المعنى الخاص للنص لان المجموعة بتواريخ كتابتها تبدو وكأنها كتبت في فترات متقاربة. فوحدة الموضوع تكاد تجمع اغلب النصوص.. وهو ما نراه في رسالته في نص "حروبك المنسية" والتي أهداها لصديقه الشاعر ناجح ناجي:

نعم يا صديقي..

أعلم أنك

من الف خاصرة اتيت

ومن ألف رمح تنحدر

إن الأمر لا يختلف حتى في نصوصه القصيرة جدا التي تعد ما يشبه الومضة أو هي كذلك كما أرادها لكنها تحمل بتعددها في النص الواحد مفهوم رسائل السومري الخاص.. فهو ايضا يدعل من العنوان اداة ومن الاستلال طريق ومن المتن غاية لتقشير القصدية و.. وهو يلجأ في النصوص القصيرة الى المستوى التحليلي المرتبط بالمستوى التصويري لماهية الجملة الشعرية في هذه النصوص القصيرة، لينتج مباشرة المستوى القصدي ـ وهو يجعل لها عنوانا عاما، ثم يجزئ النصوص جاعلا لكلّ نصّ فرعي عنوانا خاصا وكأنه يلعب اللعبة النثرية في تجميع القصديات في بؤرة واحدة، لينتج في النهاية نصّا واحدا، لكنه وزّع على أماكن متعدّدة من مدينة النص الكلية. كما في نص "ما سقط من مسلة سومر" حيث لجأ الى تقسيمه الى اربعة عشر مقطعا.. ولو قرأنا النصوص الفرعية لهذا النص سنجدها مكتملة في جسد واحد، وإن تعددت الطرق، ومقطعة وإن بدت بلغة بنائية واحدة، بهدف الإتيان بأكثر عدد من القصديات، وبالتالي أكثر عدد من الرسائل:

أبي يعلم بسذاجة أمي

لذا كلما افتقدني

راح يفتش في سلة النذور

إنها مجموعة تصنع الوهم للمتلقي، لأنه أراد أن يوهم نفسه بأفكار متعدّدة، وتلك عملية لا تبدو صعبة بالنسبة للشاعر، لكنها قد تبدو جميلة بالنسبة للمتلقّي، لأنه سيدرك (ربما) إنه يقرأ دواخله، وقد بثّها الشاعر وهو يقول في نصّ "عندي ما يكفي" حيث يلج عبر مقاطع تسعة منفصلة بنجوم، ليطرق باب المتلقّي برسائل منه بطريقة معكوسة:

عندي ما يكفي من الوهم

لأتخيل العالم

وقد صار مؤهلا لاحتضان الفقراء