تضاد المفردة في واقعية "موعد للفراق"

حسام أبو العلا يتّخذ من عنوان مجموعته تلك الثنائية المتضادة ما بين المفردة ذاتها وما بين موقعها للتصعيد من منسوب عملية التأويل الذي تمنحه قصص المجموعة.
بنية الكتابة في المجموعة القصصية تعطي البصمة الكلية للمؤلف
المستوى الإخباري هو الأكثر تعبًا في تحديد ملامح القصة

يتّخذ القاص حسام أبو العلا من عنوان مجموعته "موعد للفراق" الصادرة عن دار النخبة، من تلك الثنائية المتضادة ما بين المفردة ذاتها وما بين موقعها للتصعيد من منسوب عملية التأويل الذي تمنحه قصص المجموعة. فالموعد يعني اللقاء لكنه حين يكون للفراق فإن الخضوع إلى مبدأ المفارقة يجهل من عملية البحث عن السبب، وبالتالي البحث عن الصراع الكامن خلف عملية التضاد في العنوان هو السبيل لقيادة الحكاية التي تؤلف القصة سواء بطريقة تدوينها أو بمحاولة قيادة المتن السردي للحكاية الذي اعتمد كليا على عملية المروي المباشر والتي تكون واضحة حتى من خلال الاعتماد على المفردة الشعبية أو اللغة المحكية التي تنبرز كليا في اللهجة المصرية، سواء كان ذلك عنوان للقصة أو ان المتن تحمل الكثير من ذلك فخالف حتى الإعراب النحوي للمفردة ومكانها في الجملة. 
إن بنية الكتابة في المجموعة القصصية تعطي البصمة الكلية للمؤلف. وهي بصمة التدوين التي يحاول من خلالها البحث عن فكرة /حكاية، لتدوينها بطريقته الخاصة سواء كانت هذه الطريقة تنتج لنا نصا وعظيا أم نصيبا تهكميا أو حتى نصا اجتماعيا مستلّا من الواقع المرتبط بالسياسة أو تناول التابوات بطريقة ما يبثّه المجتمع المصري للوصول إلى الواقعية المحلية التي يتبناها كمحمول إنتاجي، ولهذا نجد أن المستوى الإخباري هو المسيطر على عملية الروي للحكاية وبالتالي ينتج لنا متنا سرديا يبدأ بفعالية التصاعد الزماني بالاعتماد على اللغة البسيطة التي تناغم حالتين.. الأولى: الفكرة/ الحكاية. والثانية: القصدية التي يحملها القاص من أجل بثها داخل الجسد السردي وهو ما ينتج لنا بعد ذلك المستوى التحليلي لماهية الفكرة عبر استخلاص العلاقات المتشابهة والمتضاربة للمرادفات.
إن عملية التدوين تخضع لاجتهاد الكاتب من خلال إضافة العناصر المؤثرة في بنية الصراع لأن الثيمة تظل واقعية وهو بحاجة إلى عملية توصيل لهذا الواقع، وهو دائما يجنح إلى جعل الاستهلال عبارة عن منطقة أولى وعالية للدخول إلى منطقة القصة الكلية؛ حتى ان عناوين القصص رغم أنها عتبة أولى لكنها ليست هي البوابة الكبيرة التي يمكن الدخول منها إلى الكلي المخطط بل هو الاستهلال الذي تبدأ به القصص. ويمكن ملاحظة ذلك حتى من خلال البساطة في المفردة التي يبدأ بها الاستهلال: "يوم شاق في العمل، جرجرت قدميّ إلى محطة الأتوبيس، تمنيت لو حملني أي شخص إلى بيتي فقد نفدت طاقتي من الإجهاد".
وكذلك "احتضنتها بقوة ودفنت رأسها في صدري، أنفاسها الساخنة ودموعها الملتهبة شقت نهرا من الألم بقلبي الذي لم يعشق سواها، انهارت زوجتي بعدما أخبرها الطبيب بأن نتيجة الفحوصات تؤكد عدم قدرتها على الإنجاب". (ص 11).  

Literary criticism
الحكاية مسيطرة على فعل الروي

"افترشت الأرض أمام غرفة العمليات وبيدي كتاب الله ورجائي للخالق لا ينقطع بأن يمد في عمر ابني الذي يجري جراحة خطيرة، لم التفت لأياد كثيرة تربت على كتفي لتطييب خاطري، فقلبي كان معلقا بأنفاس وحيدي الذي وهبته عمري ولا أتخيل لحظة في حياتي بدونه". (ص 97).
إن هذا الاستهلال هو مبنى أوّلي لما سيأتي من عملية تثوير للصراع وليس البحث عن عملية التثوير السردي، لأن الحكاية مسيطرة على فعل الروي، فتكون المفردة هي الأساس الذي تعمل عليه لإثارة المستويات الأخرى، بما فيها المستوى التصويري الذي يدخل كواحدٍ من علامات الوصف التي يستعين بها لتوصيل وتوصيف الخارج، خاصة وإن النصوص تأخذ الطابع الروي المباشر عبر ضمير المتكلم أو ضمير الغائب أو هي تقنية لا تأتي اعتباطًا بالنسبة للقاص، بل بحسب الفكرة، لأنه يمتلك خاصية التفاعل مع الحكاية ومرموزها الواقعي الذي يريد كشف علاماتها وعلاقاتها مع الداخل الذي يستخدمه الراوي، سواء كان متكلّما أو مخاطبا لغائبٍ مختفٍ خلف راوٍ يسطر عليه القاص، للإتيان بما هو قابل لاستلام التأويل المراد له. فما بين الواقعية والمتخيّلة تنتهج المفردة عصارة تضادها لمراقبة المدلول الذي يريد نهش الواقع، فيجعله متخيلًا وإن كان مستلّا مما يعيشه القاص نفسه. 
إن بنية الكتابة في هذه المجموعة اعتمدت على ثلاث حركات؛ الأولى: العنوان الرئيس. الثانية: عملية فرش الحكاية على جسد القصة. الثالثة: المفردة التي تنطلق وفق سياقات الدال والمدلول باعتبارها مفردة مراقبة لما يطرحه الراوي للقصة، وهي في الوقت نفسه متأثرة بسيميائية الحركة المرافقة للبطل الرئيس للقصة التي تبدأ القصص في أغلبها بحركةٍ له، سواء كانت بصيغة المتكلّم أو الغائب وحتى المخاطب المخفي بين شخصيتي البطل والراوي. 
ولهذا نجد أن المستوى الإخباري هو الأكثر تعبًا في تحديد ملامح القصة بهدف الوصول إلى المستوى التأويلي الذي يعتمد على مقدرة المتلقي في حصاد كميته، بحسب ما يمكن أن يدركه من هدفية أو قصدية القصة.