بوتفليقة يستقيل بعد بيان عسكري شديد اللهجة

مصادر جزائرية تشكك في أن يكون بوتفليقة هو مصدر بيان الرئاسة الأخير، فيما يعتقد أن مستشاره وشقيقه السعيد هو من كتب البيان الذي تضمن قرار الرئيس بالاستقالة من منصبه قبل نهاية ولايته الرئاسية الرابعة.

حاشية بوتفليقة في قلب العاصفة
الجيش الجزائري: عصابات تحاول تهريب أموال الشعب المنهوبة إلى الخارج
الجيش الجزائري يعلن انحيازه التام للشعب حتى تحقيق مطالبه
السعيد بوتفليقة رجل الظل الذي يقود الجزائر من خلف ستار
لا هدوء لاحتجاجات الجزائر حتى رحيل النظام
رمطان العمامرة مرشح قوي لقيادة المرحلة الانتقالية
الجزائريون يستعدون لتنظيم أضخم الاحتجاجات يوم الجمعة
الحراك والأحزاب يرفضون حكومة تصريف الأعمال وبيان الرئاسة
بيان مزور منسوب للرئاسة أشاع نبأ إقالة قائد الجيش الجزائري

الجزائر - أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مساء الثلاثاء استقالته من منصبه على اثر بيان عسكري شديدة اللهجة صدر عن قيادة الجيش ودعا الرئيس للتنحي فورا.

وشدد رئيس أركان الجيش الجزائري نائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح اليوم الثلاثاء أن على الرئيس بوتفليقة التنحي فورا، في أول رد من قيادة الجيش على بيان صدر الاثنين عن الرئاسة الجزائرية وأعلنت فيه أن الرئيس قرر الاستقالة من منصبه قبل انتهاء ولايته الرابعة في 28 أبريل/نيسان.

وأعلن الجيش في بيان صدر عن وزارة الدفاع اليوم الثلاثاء في ختام اجتماع لقيادة الجيش كاملة، تمسك المؤسسة العسكرية بتطبيق مادة دستورية حول شغور منصب رئيس الجمهورية، منتقدا ما أسماه "التعنت من قبل جهات لا تهمها سوى مصلحتها".

وقال الفريق قايد صالح، وفق نفس المصدر، إن بيان الرئاسة الصادر يوم الإثنين والذي أعلن أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يستعد للاستقالة "مصدره قوى غير دستورية وليس الرئيس" وأن الجيش سيرفض أي قرار خارج الدستور، في إشارة إلى تعهد الرئاسة بقرارات هامة قبل رحيل بوتفليقة.

وقالت قناة النهار التلفزيونية الخاصة، إن رئيس أركان الجيش طالب اليوم الثلاثاء بإعلان عدم أهلية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للحكم، مضيفة أن الفريق أحمد قايد صالح قال إنه لا مجال لمزيد من إضاعة الوقت وإنه يقف في صف الشعب، وذلك بعد أسابيع من الاحتجاجات الحاشدة المطالبة بتنحي بوتفليقة.

وهذا أوضح إعلان من قيادة الجيش يتناغم مع مطالب الاحتجاجات الشعبية والقوى السياسية التي رفضت ما ورد في بيان الرئاسة باعتبار أنه صدر عن "قوى غير دستورية"، في إشارة إلى أن من أصدر البيان ليس الرئيس بوتفليقة بل المحيطين به وعلى رأسهم شقيقه ومستشاره السعيد بوتفليقة.

وأعلنت وسائل الإعلام الجزائرية الثلاثاء أن الرئيس بوتفليقة أبلغ المجلس الدستوري باستقالته "ابتداء من اليوم (الثلاثاء)".

ونشر التلفزيون الوطني شريطا إخباريا على شاشته جاء فيه أن بوتفليقة "أخطر رسميا رئيس المجلس الدستوري بقراره بإنهاء عهدته بصفته رئيسا للجمهورية وذلك ابتداء من اليوم".

وسيتولى رئيس مجلس الأمة الجزائري عبدالقادر بن صالح، مهام رئيس الدولة بعد استقالة بوتفليقة من منصبه كرئيس للجمهورية طبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري المتعلقة بشغور منصب رئيس الدولة بسبب الاستقالة أو الوفاة أو المرض.

وتنص المادة 102 من الدستور على أنه " في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية". وتبلغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا.

ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية.

وجاءت دعوة قيادة الجيش التي بدت أكثر حزما وسط توتر بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة. كما يأتي بيان الفريق قايد صالح، بينما قال المحامي مصطفى بوشاشي أحد زعماء الاحتجاجات في الجزائر اليوم الثلاثاء إن قرار الرئيس بالتنحي بحلول 28 أبريل/نيسان لن يغير من الأمر شيئا وإن الاحتجاجات مستمرة، مضيفا أن المهم بالنسبة للمحتجين هو عدم قبول حكومة تصريف الأعمال الجديدة.

يأتي ذلك بينما نظم مئات من الطلبة الجزائريين مسيرة اليوم الثلاثاء في العاصمة الجزائر للمطالبة بتنحي بوتفليقة على الفور واستبدال النظام السياسي في البلاد بعد يوم من إعلان الرئيس أنه سيترك منصبه بحلول نهاية الشهر الجاري.

ولا يبدو من المسيرة السلمية للطلبة في وسط العاصمة والتي تطالب بجيل جديد من القادة، أن إعلان بوتفليقة خفف الضغوط من أجل الإصلاح التي تراكمت بفعل احتجاجات مستمرة منذ أسابيع للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس الممتد منذ عشرين عاما.

وهتفت الحشود "نريد تغيير النظام" و "لا نريد بوتفليقة ولا شقيقه السعيد" وهو مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر.

ورفضت معظم الأحزاب السياسية إلى جانب الحراك الشعبي المتواصل في الجزائر البيان الصادر عن الرئاسة الجزائرية يوم الاثنين والذي أعلنت فيه عزم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الاستقالة من منصبه قبل انتهاء ولايته الرئاسية الرابعة في 28 أبريل/نيسان.

وشككت بعضها أصلا في أن يكون بوتفليقة هو مصدر البيان، فيما اعتبر سياسيون أيضا أن مستشار الرئيس وشقيقه السعيد بوتفليقة هو من كتب البيان الذي تضمن قرار الرئيس بالاستقالة من منصبه قبل نهاية ولايته الرئاسية الرابعة في 28 ابريل/نيسان.

ويسود اعتقاد قوي في الجزائر أن شقيق الرئيس هو من يقف وراء إصدار كل البيانات الرئاسية وأنه والحاشية المحيطة ببوتفليقة منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013، يحكمان الجزائر من خلف ستار.

 لكن مع تصاعد الاحتجاجات وجد السعيد بوتفليقة والمحيطون به أنفسهم في قلب العاصفة وارتفع سقف المحتجين من رفض الولاية الخامسة للرئيس المريض إلى المطالبة برحيل النظام.

وتحول شعار "يرحلوا قاع" وهي عبارة باللهجة المحلية وتعني "ليرحلو جميعا" إلى شعار للحراك الشعبي.

وسلطت الأحداث المتسارعة في الجزائر الضوء على رجل الظل الذي لا يظهر إلا نادرا وعادة ما يرافق الرئيس المريض في رحلات العلاج الخارجية. وينظر للسعيد بوتفليقة على أنه الرأس المدبرة لما يحدث في القصر الرئاسي وأنه مصدر القرارات والإجراءات المنسوبة والموقعة عادة بأختام الجمهورية.

قيادة الجيش الجزائري حسمت في أمر بوتفليقة
قيادة الجيش الجزائري حسمت في أمر بوتفليقة

وتقول بعض المصادر إن بوتفليقة (82 عاما) ليس إلا واجهة للنظام وأنه منذ مرضه فقد السيطرة على إدارة البلاد رغم الإعلانات الرسمية المتكررة بأنه هو من يدير شؤون الدولة وأنه يتمتع بصحة جيّدة رغم اثار الجلطة الدماغية التي تركت أثرا واضحا على بنيته الجسدية وألزمته التنقل على كرسي متحرك.

ويرى سياسيون جزائريون أنه كان يمكن لبوتفليقة الخروج من الباب الكبير بسجل نضالي ودبلوماسي وسياسي يحسب له، لكن إصرار المحيطين به على استمراره في الحكم يدفع لخروجه من السلطة من الباب الصغير.

وتناقلت وسائل إعلام محلية الليلة الماضية أنباء تفيد بأن من أصدر البيان هو السعيد بوتفليقة وأن الرئيس دخل في حالة غيبوبة ويعاني من ضيق في التنفس منذ صباح الاثنين، وهي معلومات لم تؤكدها أو تنفها الرئاسة الجزائرية.    

وتواصلت الاحتجاجات في الجزائر اليوم الثلاثاء على الرغم من إعلان الرئاسة الجزائرية يوم الاثنين أن بوتفليقة سيستقيل من منصبه قبل نهاية ولايته الرابعة في 28 أبريل/نيسان واعتزامه اتخاذ قرارات هامة سيعلن عنها لاحقا.

وبحسب صحف محلية يستعد الجزائريون يوم الجمعة لتنظيم احتجاجات هي الأضخم رفضا لحكومة تصريف الأعمال التي أعلنها رئيس الوزراء المكلف نورالدين بدوي والتي اعتبرها الحراك الشعبي مجرد وصفة لتمديد عمر النظام.

وسرت الليلة الماضية إشاعات كثيرة بينها إقالة قائد الجيش نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح الذي اقترح قبل أيام عزل الرئيس دستوريا وفقا للمادة 102 ليعلن لاحقا عن عقد أطراف في الرئاسة اجتماعا سرّيا لترتيب الوقيعة بين الجيش والشعب، مؤكدا على ضرورة تطبيق المادة 102 والمادتين 7 و8 من الدستور الجزائري.

وكانت وسائل إعلام جزائرية قد كشفت أن الاجتماع ضمّ السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس ومدير الاستخبارات السابق الفريق المتقاعد محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق وضباط من المخابرات الفرنسية.

ونفت وزارة الدفاع الجزائرية إقالة الفريق قايد صالح، ردا على بيان منسوب للرئاسة الجزائرية ويحمل توقيع محمد علي بوغازي المستشار بالرئاسة والذي أكد بدوره أن البيان مزور.

الجزائريون يطالبون برحيل رموز النظام بمن فيهم الرئيس وشقيقه
الجزائريون يطالبون برحيل رموز النظام بمن فيهم الرئيس وشقيقه

ورجح شق من الجزائريين أن يعلن بوتفليقة عن قراراته "المهمة" التي تعهد بها في البيان الرئاسي، في غضون أسبوع.

ونقل موقع 'البلاد' الإخباري الالكتروني الجزائري اليوم الثلاثاء عن الوزير السابق عبدالمجيد مناصرة قوله إن البيان الرئاسي يعتبر "تهديدا وليس تبشيرا" يحمل لغة تخويف ويمدد الولاية الرابعة لبوتفليقة إلى نهايتها تقريبا.

ورجّح أن القرارات التي تعهد الرئيس بالإعلان عنها ستتضمن تعيين رمطان العمامرة الذي تم استبعاده من حكومة تصريف الأعمال، على رأس مجلس الأمة ما يعني إتاحة الفرصة لأحد أبرز رموز النظام بتولي مهام الرئاسة في الفترة الانتقالية بعد استقالة بوتفليقة.

ورئيس مجلس الأمة هو الرجل الثاني في الدولة الذي سيتولى قيادة الجزائر لمدة 90 يوما، في حال استقالة الرئيس، بحسب المادة 102 من الدستور.

أما رئيس الحكومة الأسبق والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية علي بن فليّس فاعتبر أن البيان الرئاسي صدر عن قوى غير دستورية، داعيا إلى تحييد هذه القوى لإنقاذ الدولة والثورة الديمقراطية السلمية.

وكان بن فليس يشير إلى محيط الرئيس الذي يهيمن عليه شقيقه السعيد بوتفليقة والذي يعتقد أنه هو من يدير الجزائر منذ مرض الرئيس في 2013.

شقيق الرئيس يواجه ضغوطا شعبية بعد أن انكشف الستار عمن يحكم الجزائر
شقيق الرئيس الجزائري ومستشاره يشكل الحلقة الغامضة في الرئاسة

وأيّد عبدالله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية الإسلامي كلام بن فليس بأن أكد أن بيان الرئاسة الجزائرية الأخير صدر عن قوى غير دستورية، مشيرا إلى أن الشعب حسم أمره وقال كلمته وهي رحيل جميع رموز النظام.

ورجح خبيران جزائريان أن يُقدم الرئيس الجزائري على تغيير الرئيس الحالي لمجلس الأمة (البرلمان بغرفتيه) الذي سيخلفه في الرئاسة مؤقتا وتعيين لجنة لتنظيم الانتخابات الرئاسية.

واعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد طايبي أن البيان الرئاسي الأخير استهدف تخفيف الضغوط عن مؤسسة الرئاسة، مضيفا أن القرارات التي سيعلنها بوتفليقة قريبا ستتضمن تهيئة الظروف لانطلاق المرحلة الانتقالية وانسحابه نهائيا من الحكم.

وتوقع أن تتضمن القرارات الرئاسية قدرا واسعا من الاستجابة لمطالب الشارع وأنها ستكون متناغمة مع ما يطالب به الحراك الشعبي.

وقال "بوتفليقة سيتخذ ما يراه مناسبا لضمان انسحاب نهائي من الحكم بما يوفر القدر الممكن من الاستجابة للمطالب الشعبية في المسيرات المنادية برحيله".

وأشار إلى أن الرئيس سيركز على الأرجح على شخصية تحظى بالتوافق والقبول سياسيا وشعبيا ودستوريا لخلافته بعد تقديم استقالته.

وقال خبير القانون الدستوري خالد شبلي إن بوتفليقة مطالب باستكمال تعيين أعضاء الثلث الرئاسي لمجلس الأمة، لضمان النصاب القانوني، عند تصويت البرلمان بغرفتيه على شغور منصب الرئيس.

ورجح شلبي أن ينصب بوتفليقة اللجنة الوطنية لمراقبة وتنظيم الانتخابات، لضمان إشرافها كهيئة مستقلة على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأضاف أن من بين الإجراءات المهمة الواجب اتخاذها أيضا هو إدخال تعديلات جزئية على قانون الانتخابات، بما يمنح طمأنة للشارع والمعارضة بأن الاستحقاقات المقبلة لن تشهد تزويرا.

وقال إنه لا يمكن لبوتفليقة أيضا أن يدخل تغييرا جزئيا على الحكومة، التي عينها الأحد وأثارت جدلا واسعا "لجعلها أكثر توافقية".

وأجبرت احتجاجات شعبية متواصلة في الجزائر بوتفليقة الذي يعاني من متاعب صحية منذ سنوات على سحب ترشحه لولاية خامسة وتأجيل انتخابات رئاسية كانت مقررة في الثامن عشر من الشهر الجاري.