"بيت النص" يواجه تعنت الناشرين ويطلق الديوان الإلكتروني

صفحة بيت النص لا تحتفي فقط بالنص العربي بل أيضا بالنصوص المترجمة لكبار الشعراء الذين أثرت تجاربهم التجربة الشعرية الإنسانية.
بيت النص يصدر سلسلة كتاب بيت النص الإلكتروني بهدف إتاحة متنفس لشعراء كثيرين
صدور الأعمال الأولى لشعراء من مصر وتونس والجزائر وموريتانيا

انطلقت صفحة "بيت النص" على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك عام 2019 وذلك من قبل الشاعر والمترجم عبدالوهاب الشيخ، ليشكل نافذة للنص الشعري العربي في تجلياته المختلفة بعيدا عن الشللية والتحزب لجيل أو لنص أو لقطر عربي دون الآخر، لنطالع أسبوعيا على صفحته شعراء جدد من مختلف الأقطار العربية، وذلك جنبا إلى جنب الاحتفاء بالشعراء الراسخة تجاربهم، واستمرت النافذة ولا تزال، وتطور أمرها لموقع على شبكة الإنترنت لا تحتفي فقط بالنص العربي بل أيضا بالنصوص المترجمة لكبار الشعراء الذين أثرت تجاربهم التجربة الشعرية الإنسانية. ثم أتى التطور الأخير البارز حيث أصدرت الصفحة والموقع الأعمال الأولى لشعراء من مصر وتونس والجزائر وموريتانيا.
حول هذا الأمر كان اللقاء مع عبدالوهاب الشيخ الذي قال "خلال عامي 2019 و2020 قدمت صفحة بيت النص العديد من الأصوات الشعرية الشابة في مصر والعالم العربي منهم سيليا العيساوي "الجزائر" وإبراهيم مالك "موريتانيا" ونورس الجابري "العراق" وأسماء حسين "مصر" وعزيز يحياوي "تونس" وغيرهم، بالإضافة لملفات عديدة حول شعرية العديد من الشعراء المتحققين فعليا كـ "رفعت سلام وفريد أبوسعدة ومحمد عيد إبراهيم وعلي منصور وعماد أبو صالح ومحمود قرني وفتحي عبدالله ومحمد بنطلحة ويوسف خديم الله وسامية ساسي وعواد أحمد ووديع أزمانو وعبدالنبي حاضر وعارف حمزة ومحمد عبدالوهاب الشيباني وعبدالوكيل الأغبر السروري ومؤمن سمير والبهاء حسين ومرة أبو ضيف ومروة نبيل وغيرهم ممن لا تحصيهم الذاكرة.

إنجاز ملف الشعر اللبناني بعد انفجار بيروت، وملف الشعر اليمني في ذروة الحرب الدائرة على أرضه، فيما كان ملف الشعر السوداني مواكبا لأزمة سد النهضة

وأوضح الشيخ "شملت تلك الملفات مختارات للشعراء بجانب قطوف من أهم الحوارات التي أجريت معهم وأبرز المقالات النقدية التي تناولت أعمالهم، وكان لهذا أثر بالغ في تحريك الماء الساكن شعريا واستعارة صفحات أخرى للتجربة في محاولة لتكرارها".
وتابع "في مارس/آذار 2021 أصدر بيت النص سلسلة كتاب بيت النص الإلكتروني بهدف أساسي هو إتاحة متنفس لشعراء كثيرين لا يستطيعون نشر إنتاجهم الشعري، في ظل دعوى الناشرين أن الدواوين الشعرية لا تبيع مقارنة بالرواية، وفي ضوء تراجع معدلات القراءة من الكتاب الورقي مقارنة بالكتب المقروءة في صيغة الـ بي دي إف. وكانت البداية بديوان "وردة التخييل" للشاعر المصري أشرف يوسف، وهو السابع بعد ست مجموعات شعرية صدرت ورقيا، والديوان مكتوب في أجواء فترة حظر التجوال في الشهور الأولى من 2020 في ظل جائحة كورونا في صورة متتالية شعرية ومنه: 
ما الَّذي جاء بي إلى هنا 
أُردِّد على رفاق اللَّيل 
كأنني أُلقي على مسامعهم 
مونولوجًا للزخارف عن أفراحٍ ناقِصَةٍ. 
ما الذي جاء بي إلى هنا 
ناقِصًا من العناق والشَّهوَة والكلمات الطَّريَّة. 
لماذا تُحاصِرُني الخشونَةُ 
وتَرشقُ إبِرَهَا في روحي 
التي تتلوَّى في حفر البيوت، 
متى أَنطلِقُ من القَوس
ويُدمي سَهمي معاني رومانتيكيَّةً تَضيع منِّي؛ 
كي أُجاهِرَ - بكامل وَعيي، وفوقَ رؤوس الأشهادِ - 
أنَّني خَطَفتني التَّجربةُ يا رفاقي الليليِّين.
ويشير الشيخ إلى أنه "لما كان توجه بيت النص عربيا بالأساس وقد ظهر ذلك جليا فيما قدمناه من ملفات حول الشعريات العربية الراهنة في كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والسودان والمغرب العربي الكبير، وفي أوقات شديدة الخصوصية كإنجاز ملف الشعر اللبناني بعد انفجار بيروت، وملف الشعر اليمني في ذروة الحرب الدائرة على أرضه، فيما كان ملف الشعر السوداني مواكبا لأزمة سد النهضة، لما كان توجه بيت النص عربيا كان الديوان الثاني في السلسلة لشاعر موريتاني شاب هو إبراهيم مالك يصدر ديوانه الأول بعنوان "مشهد عابر" في خروج عن السائد الشعري في مجتمع قبلي بالأساس شأن معظم مجتمعاتنا العربية تشكل النصوص العمودية فيه متنا شعريا الخروج عليه يماثل الخروج على الأعراف والتقاليد، كتبت قصائد الديوان في زمن الثورات العربية كرد فعل على انتكاساتها وانتصارا للإنسان ورصدا لكفاحه وقصص حبه الفاشلة ومن أجوائه: 
أُحبّ أن أَبدُو مُختلفا 
وأعيش على سَجيّتي، 
لا أبذِل جُهدا في أن أتحسّن 
وأُؤمنُ بتقلّبات الزّمن والمَزاج 
وبما قد يحدُث مُستقبلا،
أصمتُ أكثر ممّا أتحدّث 
وأتأمّل أكثر مما أُعّبر 
وحين أود التّعبير عن غضبي 
أكتُمه بغيظ في قاع قلبي!
أَخرج صباحا إلى العمل، 
لا أبتسمُ أمام زملائي 
أو حتّى رئيسي 
بل أُقابله بيَدِي الباردة 
ووَجهي العابس 
وعيني النّاعستين 
بِداعي السّهر، 
وحين يُفاجئني بابتسامته المعهودة 
أتجاوزه بِحذر وصَرامةٍ مكتُومة
كل امرأةٍ جَميلة أُصادفها في الشّارع 
ليست سِوى قَصيدة سيّئة
أعجزُ وأستعجلُ عن قِراءتها

ويتابع الشيخ "أما العدد الثالث "زلال" أو "أشواق دانية" فكان لشاعرة من سوريا الشقيقة هي لبنى ونوس، كتابتها تجنح للتأمل على غرار جبران وميخائيل نعيمة، متأثرة برموز الصوفية الكبار كابن عربي والرومي والسهروردي، تلهمها المحبة والمحبة وحدها وصولا للعشق الإلهي دون التجرد من المحبة البشرية أو التنكر لها ومن أجواء ديوانها: 
يا سيد الآن 
كانت روحك 
الرحم الأزلية 
التي احتضنتي 
من جديد 
وأعادت لي أجنحتي 
عندما قلت لي:
أحبك 
بدأت أنمو 
برعم فكرة 
أنتشي من هطل سمائك 
عندما قلت لي: 
أحبك 
أعاد الكون ترتيب حواسي 
وأعلن فوضى جريان دمي 
ليصحح مساره 
ويتجه نحو قلبك 
عندما قلت لي:
أحبك 
بات الأثير 
مشيمة وجودي 
متصلة أنا بك 
لا يفصلني عنك حتى 
ذلك الزمن الخفي 
بين ثانية وأخرى.
ويقول الشيخ أن العدد الرابع "رؤيا مجداف" كان لشاعر مصري ذي موهبة كبيرة هو الشاعر أحمد عبدالعظيم يكتب النمط التفعيلي منذ أوائل التسعينيات بتمكن إلا أنه تحول إلى قصيدة النثر مع بداية الألفية الجديدة متحررا من القوالب لا من الإيقاع ومنتصرا للحرية التي يحتاجها كل فن ليتطور، مستفيدا في الوقت نفسه مما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانية النشر والاستجابة السريعة من القراء وكذلك في التعرف على تجارب الآخرين وما يقدمه الشعراء على اختلاف مشاربهم. ومن أجواء "رؤيا مجداف": 
هكذَا،
أرواحٌ تهيمُ بالأجراس،
وأخرى تحوِّمُ حولَ هلالٍ شاخصٍ إلى السماء 
للأرواحِ أنْ تستحمَّ بترابِها النَّديّ،
لها أنْ تضاجعَ النور 
لكنَّهم يحتربونَ على السماء،
بإقامةِ السراديبَ نُزلًا للعتمةِ 
تُرى هلْ أتعبَهُم النور؟
على قارعةِ الوقتِ 
أُكملُ ما بدأتُه، 
أربِّي الظلالَ غوايةً للتعب 
سيمرونَ،
ولو مِنْ جِدارٍ مثقوب،
أو ذكرى فارَّةٍ مِن النسيان 
سأُحاولُ أنْ أكتبَ بمدادٍ مِن القمحِ،
أنْ أكتبَ على الهواءِ 
تلكَ لغةٌ يفهمُها الجميعُ
حتى آكلو لحومِ الأحلام، 
وقبلَ موضعِ نزيفِ الزمانِ بزهرتينِ
أعلقُ لافتاتِي في رقبةِ الرياح 
وإذْ أتيتُ لأضعَ حماماتٍ 
تبيضُ مكانَ دشمةٍ أمامَ الكنيسة،
فلا مكانَ لي في قلبٍ تفخَّخَ 
رفيقًا كنْ على قدرِ إلهِكَ في قلبك 
فقطْ أشِيرُ إلى النور.