بين سعيد والغنوشي تقف كرامة تونس

ما يعني النهضة هو أن تستولي على السلطة بشكل كامل حتى لو تحولت تونس إلى خرابة.
قيس سعيد فاجأ الجميع حين قرر أن تبدأ تونس معه عهدا جديدا
الغنوشي يريد رئيسا على المقاس وقيس سعيد ليس هو ذلك الرئيس. إذاً لا بد من إزاحته!
خطأ التونسيين يكمن في منح حركة النهضة فرصة الاستمرار في السيطرة على الحياة السياسية

الصراع السياسي في تونس احتدم فظهر إلى العلن. المطلوب أن لا يقف رئيس الجمهورية بصلاحياته الشرعية أمام طموحات حركة النهضة.

يريد الغنوشي زعيم حركة النهضة رئيسا على المقاس. وقيس سعيد ليس هو ذلك الرئيس. إذاً ينبغي إزاحته من الطريق.

ما يظهر من الخلاف بين الرجلين علنا يتعلق بالوزراء الجدد الأربعة الذين أقر مجلس النواب ترشيحهم فيما لا يوافق الرئيس على منحهم الشرعية من خلال اداء اليمين الدستورية أمامه في قصر قرطاج.
نقطة الخلاف تتعلق بالفساد. الرئيس سعيد يعتقد بعدم أهلية مَن تحوم عليه شبهات الفساد للقيام بالخدمة العامة فكيف إذا كان ذلك الشخص مرشحا لأن يكون وزيرا؟

اما الغنوشي فإنه يعتقد أن في الإمكان القفز على تلك النقطة باعتبار أن شبهات الفساد تبقى شبهات ما لم تستند إلى حكم قانوني.

ليس ما يبدو من تساهل في رؤية رئيس مجلس النواب ينطوي على نيات بريئة ولا هو نوع من الانفتاح الإنساني بل هو محاولة لتطبيع الفساد داخل الدولة التونسية. وهو المبدأ الذي اتضح أنه جزء من إستراتيجية العمل لدى الأحزاب والجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.

اما الدعوة إلى تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية واعتبار موقعه رمزيا التي تقدم بها السيد الغنوشي فلا يمكن تفسيرها إلا من جهة كونها تعبيرا من حركة النهضة عن رغبتها في الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل سيطرتها على الدولة التونسية.

لقد أغراها أنها نجحت في احتواء رئيس الحكومة طائعا فقررت أن تحتوي رئيس الدولة مضطرا. وهو ما لن تنجح به. ذك لأن قيس سعيد تبنى نهجا خطرا في الشفافية والمكاشفة. وهو ما دفعه إلى الإشارة علنا إلى صدامه مع رئيس مجلس النواب حين أشار في أحدى خطبه إلى أن لتونس رئيس واحد يمثلها في الداخل والخارج.

في كل الحالات بدا الرئيس سعيد أقوى مما كان يتوقعه النهضويون.

ليس لأنه متمسك بمنصبه فذلك أمر شخصي بل لأنه رجل قانون، يعرف ما الذي له وما هو عليه فلا يمكنه والحالة هذه أن يتخلى عن صلاحيات وهبها له الدستور بحكم منصبه.

معركة ربما تكون الأخيرة بين الرجلين. فرئيس مجلس النواب أفرغ كل ما في جعبته من أفكار حول صورة رئيس مخلوع اما الرئيس فإنه يعرف أنه يواجه حركة النهضة بكل ثقلها التاريخي وكل حراجة موقفها الذي يمثل لحظة تحول في تاريخها. فهي أما أن تقتنص الفرصة الأخيرة للاستيلاء على الحكم بشكل مطلق أو أن تُهزم أمام رجل عنيد قرر أن يكشف أوراقها الخفية.     

ويبدو أن رئيس مجلس النواب كان قد فقد أعصابه حين دافع عن الفساد.

اما صاحب قرطاج فإنه يعرف أنه في مأمن من إمكانية أن تُسحب صلاحياته ويتحول إلى دمية.

وقد يكون من السخف أن تتركز الحياة السياسية في صراع بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب في وقت يتظاهر فيه التونسيون احتجاجا على الانهيار الذي تتعرض له أوضاعهم المعيشية.

ولكن ذلك الواقع السياسي كان نتيجة مباشرة لما ارتكبه التونسيون من أخطاء في الانتخابات التشريعية. فالكارثة تكمن في أن حركة النهضة ومنذ عشر سنوات تمسك بمفاصل السلطتين التشريعية والتنفيذية. أي أنها مسؤولة بشكل مباشر عما لحق بتونس من خراب عبر تلك السنوات العشر.

كان خطأ الشعب التونسي يكمن في أن يمنح حركة النهضة فرصة الاستمرار في السيطرة على الحياة السياسية من خلال منحها الأصوات الأكثر التي تهبها مكانة الكتلة الأكبر في مجلس النواب.

الآن صحا التونسيون على فجيعتهم.

حركة النهضة التي كانت تحكم البلاد عبر السنوات العشر الماضية لم يكن شغلها الشاغل سوى ترتيب أحوال الحكم لصالحها بحيث أنها لم تلتفت إلى الانهيارات التي يتعرض لها الوضع الاقتصادي يوميا. يعنيها أن تستولي على السلطة بشكل كامل حتى لو تحولت تونس إلى خرابة.

ومن سوء حظ سعيد وحسن حظ تونس أن اللحظة التي شعر النهضويون فيها أن يعلنوا عن انتصارهم حلت فيما كان رجل يقدس القانون ويحب تونس هو رئيس الدولة. فكان واضحا أن من المستحيل اختراقه لذلك اضطر الغنوشي إلى أن يعلن عن انقلابه.

ذلك انقلاب لم يستقبله الشعب التونسي بالترحيب بل كان غضبه واضحا.

ولكن ما الحل؟

الشعب التونسي لا يفكر في حل الخلاف بين رجلي السلطة بل في حل مشكلاته الاقتصادية. ذلك ما يُقلق الرئيس سعيد وهو يواجه مافيا الفساد. يعرف أن تلك المافيات هي التي حرمت تونس من الاستفادة من خيراتها لذلك سيكون مخلصا لمنصبه.

وبصريح العبارة فإن قيس سعيد فاجأ الجميع حين قرر أن تبدأ تونس معه عهدا جديدا.