تحامل مولانا محمد علي على المسيحية

 العقاد قال في عرضه لكتاب مولانا محمد علي - للتمييز بين الأحمدية اللاهورية والقاديانية: إن الأحمدية اللاهورية تطورت إلى حركة إسلامية تنكر نبوة القادياني إلا أنه كان تجاهل في هذا القول أن مولانا محمد علي أكد في كتابه على عدم انقطاع الوحي أكثر من مرة.

بقلم: علي العميم

كان من ضمن مفردات النظام العالمي الجديد الذي كانت ألمانيا النازية تطالب به، إعادة تنظيم أوروبا بما يضمن الهيمنة الألمانية النازية عليها. ومن ثم تقوم ألمانيا النازية بالسيطرة على العالم وإدارة شؤونه. وهذا المشروع انتهى فعلياً، بعد الهزيمة الحاسمة التي منيت بها ألمانيا النازية في معركة ستالينغراد في الثاني من فبراير (شباط) سنة 1943. النظام العالمي الجديد الذي طالب به مولانا محمد علي في كتابه «نظام عالمي جديد» الذي صدر باللغة الأردية سنة 1942، هو أقرب للنظام العالمي الجديد المطروح في الفكر النازي منه إلى النظام العالمي الجديد، الذي كانت بدايات التفكير به عند دول الحلفاء ما بين سنتي 1941 و1942.

هو أقرب للنظام الأول، لأن ما طالب به مولانا محمد علي في كتابه هو حكومة ودولة واحدة وعالم بشري مصهور في آيديولوجية واحدة ووحيدة. وهذا ما تشير بوضوح إليه هذه الاقتباسات التالية من كتابه:

«إن فكرة إدماج البشرية في وطن واحد دون الاهتمام بالأجناس والألوان واللغات، أو التقيد بالحدود الجغرافية، هي الهدية التي أهدتها جامعة الإسلام إلى المدينة البشرية، وهي الترياق الوحيد لسم الأحقاد الدولية والعداوة والبغضاء اللتين ساقتا المدينة والحضارة إلى هاوية الدمار».

«ومن هذا يتبين أن الإسلام يستطيع أن يمد أوروبا بالقوتين المثاليتين العظيمتين: الإيمان الخالد بالله، والنظام الذي يقوم على نظم الجنس البشري في سلك واحد، وبهما يستقر السلام فيها».

«من الجلي أن المادية التي تؤجج نيران الطمع البشري لن تجلب غير التعس والدمار - كما فعلت في الحربين العالميتين - ما لم توجد قوة ما تعمل على توحيد الجنس البشري».

«إن نظم الزمر المتعاركة في سمط واحد، أصبح حقيقة واقعة في الوطن الإسلامي، لأن الإسلام هو العقيدة الوحيدة التي تمكنت من جمع الشعوب المتباينة في وطن عام واحد، ولذا فهو الجدير بأن يكون النظام العالمي الجديد، الذي يعتمد عليه الرقي الإنساني للوصول إلى غاية أسمى».

«ومن هذا يبدو أن المسيحية أخفقت تماماً في تأليف وحدة إنسانية، في حين أن الإسلام تمكن من إيجاد نظام عالمي، عماده إخاء عام، جمع بين الغربي والشرقي، والأبيض والأسود، والآري والسامي، والهندي والزنجي، وساوى بينهم تماماً».

«ولا يمكن لغير الإسلام أن يقدم الديمقراطية العالمية الحق».

ومع أن العقاد قال في عرضه لكتاب مولانا محمد علي - للتمييز بين «الأحمدية اللاهورية» و«القاديانية»: «إن (الأحمدية اللاهورية) تطورت إلى حركة إسلامية تنكر نبوة القادياني»، إلا أنه كان تجاهل في هذا القول أن مولانا محمد علي أكد في كتابه على عدم انقطاع الوحي أكثر من مرة.

المرة الأولى حينما قال: «بل هناك كذلك العلاقات الدينية المثلى التي تمت للإسلام، وهي أنه يظهر من حين لآخر قوم لهم وعي إلهي، يسمون بأنفسهم حتى يدنوا من الله، ويؤمنون به إيماناً عميقاً. والاعتقاد السائد عند معتقدي كل دين، أن الله كلّم بعض الرسل في الأيام الغابرة، غير أن الإسلام وحده دون سائر الأديان الأخرى ينبئنا أن الله سبحانه يكلّم من يصطفيهم من عباده، كما كان يخاطبهم في سالف الأيام، وتقوم المسألة طبيعياً على أنه ما دام سبحانه وتعالى يسمع لصلاة الناس، كما كان يسمع من قبل، فلم لا يخاطبهم اليوم كما خاطبهم بالأمس، ولذا فإنه على الرغم من انقطاع الوحي والنبوة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لا يعني أن الله امتنع عن التكلم بعد ذلك، إنه ما زال يكلم من اصطفاهم، لأنه الكليم، والكلام من صفاته، والصفات الإلهية لا تبطل».

المرة الثانية، حين قال: «وإنه لخطأ أن نخلط بين انتهاء النبوة وانتهاء الوحي. فالوحي معروف في أبسط مظاهره للأنبياء وغير الأنبياء، أما الوحي في أسمى مراتبه، فهو الخاص بالأنبياء والرسل».

المرة الثالثة حين قال: «يخبرنا الإسلام أن الوحي ما زال حقيقة واقعة، وأن الله سبحانه وتعالي ما زال يخاطب من يختارهم، والحاجة ماسة الآن إلى أمثال هؤلاء المختارين، ليزيدوا من قوة الإيمان بالله، ولا يطلق على هؤلاء الصفوة المختارة أنبياء، لأنهم لا يأتون بدين جديد، ولا يغيرون شيئاً من القانون المنزل».

المرة الرابعة حينما قال: «ولنؤكد الموضوع الرئيسي، وهو أن الله ما زال حتى اليوم يكلم من اصطفاهم، نسوق الحديث الواضح: (لقد كان فيمن قبلكم محدّثون، فإن يكن في أمتي أحد، فإنه عمر). وهذا يبين أنه على الرغم من أنه ليس هناك أنبياء بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فإن الله سبحانه وتعالى يكلم من يصطفيهم من عباده المسلمين، وليس ذلك لمجرد أنه الكليم كما أن السميع البصير، ولكن لأن الإقناع الحق بأن الله موجود يُغرس في القلب بكلامه، ومثل هؤلاء الذين يصطفيهم الله يستقر الإيمان القوي الخالد».

المرة الخامسة حين قال: «وإن في النظام الاجتماعي الإلهي الموحى به إلى الناس، اعتباراً آخر في غاية الأهمية، وهو أن هناك تبايناً في الطبيعة».

إن تأكيدات مولانا محمد علي في هذه الاقتباسات على عدم انقطاع الوحي الإلهي بعد وفاة النبي محمد، التي تجاهلها العقاد وقفز عليها، هي مخالفة للإجماع العقدي الإسلامي، فضلاً عن أنها قول مداور يخفي فيه اعتقاده بنبوة مسيحيه الأول، ميرزا غلام أحمد، ويخفي فيه اعتقاده بإنكار ختم النبوة. والاعتقاد الأخير يخفي وراءه أيضاً إيمانه بنبوة مهديه المعهود ومسيحيه الموعود، الميرزا غلام أحمد.

ومن الجوانب التي كان العقاد في عرضه لكتاب مولانا محمد علي انتقائياً، وقدم فيها صورة غير أمينة عن الكتاب، هو كلام المؤلف عن الديانة المسيحية، الذي كان فيه عدوانياً ومسرفاً في التحامل عليها إلى حد التجني المفضوح والافتراء المكشوف.

ينقل العقاد عن المؤلف قوله: «ولم تفلح عقائد الغرب في إحياء هذه العاطفة الروحية، لأن أوروبا قد انحرفت بالمسيحية عن سوائها، ولأن المسيحية تعنى بخالص روح الإنسان في حياته الأخروية، ولا تعرض عليه حلاً من الحلول التي تقبل التطبيق في الحياة الدنيا بين وحدة عالمية من جميع العناصر والأقوام، ولو كانت مسيحية الغرب علاجاً لمشكلات الإنسان في العصر الحاضر لعالجت تلك المادية الماركسية التي طغت على روسيا الحديثة واقتلعتها من أحضان الدين والإيمان».

ما نقله العقاد عن المؤلف تلخيص مخل لكلام نثره المؤلف في عدد من صفحات كتابه، مع تحريفه بقصد تنقيحه وتهذيبه. فمولانا محمد علي لم يقل في كتابه ما نصه: «ولم تفلح عقائد الغرب في إحياء هذه العاطفة الروحية». وجملة «عقائد الغرب» جملة غير موجودة في الكتاب. والمؤلف لم يتحدث باستفاضة عن عقيدة من عقائد الغرب، سوى حديثه عن العقيدة المسيحية والعقيدة الماركسية. ولم يقل إن أوروبا قد انحرفت بالمسيحية عن سوائها بل قال: إن مسيحية الكنيسة قد شوهت المسيحية التي جاء بها نبيها عيسى. وسأنقل لكم ما قاله المؤلف نصاً، لتعرفوا أن ما نقله العقاد كان نقلاً محرفاً ومشوهاً. وبعد أن أنقل نص ما قال المؤلف، سأرد عليه مبيناً ما حواه كلامه من اضطراب وتعارض وتناقض ومغالطة وتجنٍ وافتراء.

المؤلف مهد لحديثه عن المسيحية بتجريد الغرب من أي قوة روحية، فقال: «ليس في عالم الغرب المادي، الذي هو أشبه بمركز رئيسي للاضطرابات التي تهز الدنيا بأسرارها، أي قوة روحية». ثم قال عن المسيحية: «فالمسيحية التي كانت لها هذه القوة بضعة أجيال (!)، انحرفت أمام قوات المادية المتزايدة، بل تمزقت إرباً إرباً على الأصح، فتأثيرها في روسيا الآن أضعف من أن يقف في وجه الإلحاد. ولا تعترف النازية بها في ألمانيا، كما أنها في معظم الدول الأوروبية التي تدين بها لا تعيش إلا بالاسم وليست لها صفات القوة الفعالة».

المسيحية - كما تقدم في كلامه - دين ضعيف وهش وفاشل، ويؤكد مرة أخرى على هذا الفشل المزعوم، فيقول: «وإنه لعبث أن تبشر أوروبه في الشرق لدين ثبت يقيناً فشله في الغرب نفسه، فها هي ذي المسيحية لم تستطع إنقاذ أوروبه - التي هي اليوم بين براثن المادية، والتي تصطلي نيران الجحيم - وهي التي كانت تدعي بسخف أنها ستجعل من ربوع آسيا جنة آمنة وادعة».

وكما جرد الغرب من أية قوة روحية، جرد المسيحية من روحانيتها فقال: «لو بقي لها لو قدر ضئيل من القوة الروحية بعد هزيمتها على يد المادية، فلم لم تحاول إرجاع روسيا الملحدة، التي تنفث سموم إلحادها في العالم إلى حظيرتها، بدلاً من إرسالها البعثات إلى الشرق حيث الاعتقاد في الله أقوى بكثير منه في أوروبه أو أميركيه».

يدعي مولانا محمد علي أن المسيحية فشلت في إشعال نور الإيمان في القلب، وأن هذا الفشل يقف حائلاً دون تقدم المادية في الغرب. ويرجع هذا الفشل المزعوم إلى «سببين: السبب الأول، هو أن المسيحية - مسيحية الكنيسة لا المسيحية السمحة التي جاء بها عيسى عليه السلام - قد شُوهت ولٌقنت بطريقة نفرت العقل البشري منها... والسبب الثاني من أسباب فشل المسيحية هو أنها لا تعنى إلا بسلام الروح في عالم الآخرة، وأنها ليست نظاماً أو تشريعاً له اتصال بهذه الحياة الدنيا، ولم تعن في هذه الناحية بغير الأمور الدنيوية التافهة».

ومن وجوه فشل المسيحية المزعوم عنده «أن معتقدي المسيحية من طوائف المنبوذين الحقيرة (!) في الهند، ما زالوا حتى اليوم موضع الاحتقار من طوائف الهندوس العالية».

عن الشرق الأوسط