تحديات قمة كوب 27

تمويل مشاريع مواجهة التحديات البيئية الداهمة في أساس مشكلة العثور على حلول.

ليست سابقة ان تعقد قمم المناخ العالمية بهذا الحجم من الضخامة والاهتمام لجهة الموضوعات والقضايا المطروحة ام لجهة سيل المواجهة، لاسيما وان التحديات المناخية وما يرافقها بات اليوم على مفترق خطير. فالتلوثات بلغت نسبا قاتلة وتنذر بآثار مدمرة للمجتمع البشري، في وقت تتوالى القمم والمقررات، وتزداد المصاعب والتحديات التي باتت فوق قدرات الدول والمجتمع الدولي على محاكاة السبل للتوصل الى طرق ووسائل ناجعة لمواجهة سيل المخاطر الذي لا ينتهي.

انطلقت القمة السابعة والعشرون كأضخم تجمع دولي ناهز 200 دولة وسط جدول اعمال ومفاوضات متعددة الأطراف واعدة بعد تعهدات القمة السابقة في غلاسكو 2021، على امل الانطلاق بمسارات تنفيذية تلبي طموحات رفيعة، لاسيما وان غالبية القمم السابقة عجت بمقررات وتوصيات افتقدت لوسائل وإمكانات تنفيذية اكثر من ضرورية، ويأتي في طليعتها الجوانب المالية التي باتت عقبة كأداء صعبة المنال والتنفيذ. ففي القمم السابقة توصل أصحاب القرار في مؤتمر كوبنهاغن 2009 الى وجوب تأمين مئة مليار دولار سنويا لمواجهة التحديات الداهمة التي لم تعد ترفا بيئيا، بل تستوجب المضي بجدية وفعالية، بعدما عانت مجتمعات الدول الفقيرة والغنية على السواء من معضلات الاستمرار بالحد الأدنى، وهو غير متوفر.

ان تعقيدات التحديات التمويلية وهي كثيرة، وان توفر بعضها وهو لم يكن كذلك، فثمة عجز أخر هو الإبقاء على مستوى التلوث كما هو وعدم تزايد مستوياته باطراد متسارع، فارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية غير المسبوقة نوعا وكما جعلت من تداعياتها الفعلية عوامل صعبة الملاحقة والمواجهة بالطرق والوسائل المتاحة فعليا، عدا عن مؤثرات الظروف الموضوعية المصاحبة التي لا تعد ولا تحصى.

ان الأهداف الأربعة المطروحة امام المؤتمر تشكل تحديا مستداما منذ المؤتمر الأول في ريو دي جينيرو 1970، وتبدأ من خطط تخفيف كم الاحترار الذي وصل الى معدلات صادمة خلال فترات غير متوقعة، ذلك عبر العمل على تحسين فعالية الادوات المستعملة لتخفيف التلوث في وقت تزداد متطلبات التصنيع كماً ونوعا، وعدم إيجاد الوسائل التطويرية لذلك بالمستوى المطلوب عمليا وفعليا وبذلك ثمة عدم قدرة فعلية للتنفيذ. فيما يشكل التحدي الثاني المتصل بايجاد بيئات مناسبة للتكيف مع الواقع البيئي بأقل المؤثرات الممكنة، وهو امر صعب التحقق أيضا لاسيما وان تداعياته ازدادت سوءا كماً ونوعاً كالحرائق والفيضانات والتغيرات المفاجئة التي تتطلب مواجهات سريعة وفعالة معظمها ليس متاحا. فيما اتساع هذه التحديات يتزايد بشكل كبير في الدول والمجتمعات الفقيرة التي لا تمتلك الحد الأدنى من سبل المواجهة والتي تتكل بشكل رئيس على مساعدات الدول الغنية غير الكافية.

ان التحدي الأكبر والابرز الذي واجه المؤتمرات السبعة والعشرين، هو كيفية التمويل الذي بات عقدة لا حلول سهلة لها. وتأتي الظروف الدولية القائمة حاليا لتزيد الطينة بلة، فالحرب الأوكرانية وتداعياتها المالية والاقتصادية وما تهدده من توسع مجالاتها ورقعتها ستزيد الامر تعقيدا لجهة الالتزامات المادية المقررة أساسا او المحتملة، وبالتالي المزيد من التعقيدات التي لن تجد لها حلولا مناسبة وسريعة.

ويأتي مؤتمر كوب 27 في شرم الشيخ وسط تحديات كثيرة، وهذا ما يدل عليه حجم المشاركة الكبير لقادة دول العالم الذي يؤمل منه التوصل الى بدايات حلول قابلة للتنفيذ، لاسيما وان المجتمع البشري بات مهددا فعليا باستمراره، وسط التعثر الدائم لمواجهة المشاكل القائمة، ثمة جدية مطلوبة من الدول الغنية في التعامل مع مختلف جوانب القضية، كما ثمة خطوات من الدول الفقيرة أيضا للتعامل مع مشاكلها وقضاياها، انطلاقا من مبدأ ان لا أحدا يمكن ان يحل مشاكل الآخرين اذا لم يكن هو نفسه قادرا على استيعاب مشاكله وقدرته على التعامل معها بالامكانات المتوفرة وان كانت متواضعة جدا.