ترجّل المخرج لؤي فاضل يكتب قصة إغتيال حلم سينمائي
سريعاً ودون سابق إنذار غادرنا المخرج السينمائي لؤي فاضل، وهو لما يزل في عنفوان شبابه وعطائه السينمائي الذي كان مميزاً شكلاً ومضموناً،ومترعاً بالجمال ومتخماً بالمهنية وبكم الجوائز التي حظيت بها أفلامه الوثائقية والروائية القصيرة، لأنها كانت مثيرة للدهشة ومسكونة بطعم الابداع المغاير وكانت تجول في مناخات وموضوعات غير تقليدية ومن دون حوار في معظمها، لأنه كان يعبر عنها وعن أحداثها بلغة السينما التي تجوهرت في صور سينمائية معبرة توقف عندها المحكمون في مختلف المهرجانات السينمائية المحلية والعربية والدولية واحتاروا أمام جودتها والسر الإبداعي الكامن فيها.
لهذا كان يؤكد:"هناك أفلام كثيرة للغاية عن الحرب في العراق. أريد أن أحكي قصة مختلفة، وأعالج ثيمات إنسانية يشترك فيها الجمهور من شتى أرجاء العالم. خلال دراستي في أكاديمية نيويورك للسينما بأبو ظبي، سنحت لنا فرصة الحديث مع المخرج الهوليودي جيمس كاميرون الذي أخرج علامات مثل (المبيد)Terminator (1984) وتيتانيك (1997) وأفاتار (2009). حينما قلنا له إننا من العراق قال "لو أتيح لي أن أخرج فيلماً عن العراق فسوف يكون موضوعه الحب. والحرب سوف تكون جزءاً من الخلفية". ومنذ ذلك الحين أحاول أن أخرج أفلاما عن ثيمات إنسانية فلا تكون الحرب القائمة إلا جزءاً في الخلفية. أريد أن أركز على الإيماءت البصرية واللغة اليسيرة على الإفهام في كل مكان. لذلك لا كلام في أفلام لي مثل (أحمر شفاه) و(قطن)."
ينتمي لؤي فاضل الطيب الدمث الخلوق الرقيق، الذي رحل عن عمر ناهز الواحد والأربعين عاماً (مواليد 1982) إلى الجيل الجديد من السينمائيين العراقيين، ويحمل في جعبته أفلاماً متنوعة كلها قصيرة، أولها فيلمه "انظر لهم"، وفيلمه الثاني "باستيل"، وفاز بالجائزة الثانية في الخليج السينمائي 2010، وكذلك فعل فيلمه الثالث "إطار"، في الخليج السينمائي 2011، وهو الفيلم ذاته الذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان قناة السومرية العراقية للأفلام القصيرة، بينما كان فيلمه الرابع "اللاعب"، في إطار مشروع تخرّج للكورس الأول في "نيويورك فيلم أكاديمي في أبوظبي"، والخامس "ريكورد" في مشروع تخرّج للكورس الثاني في "نيويورك فيلم أكاديمي في أبوظبي" أيضاً، وشارك في الخليج السينمائي 2012، و من ثم "فريم" و"أحمر شفاه" والأخير حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان جنيف للفيلم الشرقي في دورته التاسعة ضمن فئة الفيلم الروائي القصير، ونافس في المسابقة الرسمية التي ضمت أفلاماً مهمة وانتاجاً مشتركاً للعديد من دول الشرق الاوسط، وهذه الجائزة كانت مهمة جداً بالنسبة له لأنها كانت أول جائزة عالمية يحصل عليها، و"قطن" الذي حصد جائزة أفضل مخرج في "الخليج السينمائي" 2013، وشارك في أكثر من 50 مهرجاناً عربياً ودولياً، وفاز بأكثر من 10 جوائز سينمائية، من بينها "الجائزة الكبرى" من مهرجان "ابن جرير" في المغرب لسينما الواقع والقيم الكونية، وهو خاص بالافلام القصيرة في الوطن العربي، وقالت له المسؤولة عن المهرجان "إن هذا الفيلم صفق له الجمهور مرتين حتى أنه "جنن لجنة التحكيم" على حد تعبيرها.، وفيلم "العرضحالجي" الذي شارك في عديد المهرجانات ومنها عرضه في الجناح العراقي في مهرجان بينالي فينيسا في ايطاليا 2017، وفي المتحف العالمي في الفلبين سنة 2019 لمدة سنة تقريباً، وفيلمه القصير الأخير "حجل" من انتاج دائرة السينما والمسرح الذي حصد هو الآخر جوائز عدة.
وللراحل المبدع أعمال مهمة في التلفزيون منها، إخراجه لبرنامج "جيل الطيبين" وإخراج خمس حلقات من مسلسل "بنج عام" لقناة "يو تي في"، وقبله عمل مساعد مخرج "راكور" في مسلسل "قصص جابر" الذي تناول قصصاً مقتبسة من قصص واقعية لأبطال استشهدوا ضمن عمليات عسكرية ضد الإرهاب و التنظيمات الإرهابية، كما شارك مُمثّلاً في مسلسل "الدولة العميقة" الذي تولى فيه مهمة مساعد المخرج.
عطاءاته ومسيرته الابداعية لم تأت من فراغ فقد نال لؤي فاضل دبلوماً من أكاديمية نيويورك للسينما في أبو ظبي، وحصل على شهادة AFA من أكاديمية نيويورك للسينما في لوس أنجليس، وعقب ذلك اختار استكمال دراسته لنيل شهادة الماجستير، في كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، التي كانت مؤشراً على مواصلة مشواره السينمائي وحلمه الإبداعي عن طريق صقلها بالدراسة الأكاديمية الجامعية العالية، وشاء القدر أن يتم اغتيال هذا "الحلم السينمائي" الأصيل، ليصبح المخرج لؤي فاضل في رحيله الغامض والمفجع حديث الجميع هو وأفلامه التي كان يقدم فيها – كما كان يؤكد في كل أحاديثه- "ما كان يجول في قلبي، لا يهمني عدم وجود صناعة سينما في العراق الآن وإن كنت أتمناها في المستقبل..!". ووفاءً لهذا المبدع السينمائي الأصيل على كل المعنيين العمل الجاد من أجل تحقيق أمنياته الذهبية: "ما أتمناه أن يتم احترام منجزاتنا ويجب أن تكون بالمستوى اللائق. كما أتمنى من كل الشباب أن يصنعوا أفلامهم بما يمسهم من الداخل،لا أن يتسرعوا وأن تكون خطواتهم محسوبة."