تركيا وإيران تتعاملان مع قطر بمنطق الغنيمة لا بمنطق التحالف

الدوحة تستنزف مقدراتها لإظهار قدرتها على الصمود في مواجهة قرار المقاطعة في إصرار على المكابرة وبحثا عن حل للخروج من ورطتها دون التجاوب مع قائمة المطالب العربية.

الدوحة تراهن على تحالف مبني على مصالح ظرفية
طهران وأنقرة اغتنمتا أزمة قطر للتغلغل في السوق القطرية
الساحة القطرية باتت مفتوحة للإيرانيين والأتراك

الدوحة - سارعت كل من إيران وتركيا لدعم قطر على اثر قرار المقاطعة الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/حزيران 2017 بسبب تورط الدوحة في دعم وتمويل الإرهاب.

وهرولت الدوحة بدورها لطهران وأنقرة على أمل إيجاد منفذ يساعدها على الخروج من ورطتها تحت وطأة اشتداد عزلتها في محيطها الجغرافي ودخولها في أزمة مع ارتباط قطر تقليديا بدول الجوار الخليجي تجاريا واقتصاديا عبر خطوط النقل برا وبحرا وجوا.

وفي المقابل تعاملت إيران وتركيا مع أزمة قطر ببراغماتية شديدة حيث أن معظم المعاملات التي برزت على اثر قرار المقاطعة كانت بمنطق الغنيمة لا بمنطق التحالف.

وأوجدت هذه الظروف فرصة جيدة للدولتين للتغلغل في السوق القطرية وتعزيز تواجدهما في ساحتها.

وإلى جانب إعلان طهران وأنقرة دعمها لقطر في مواجهة قرار المقاطعة، قامتا بإرسال شحنات من السلع الغذائية وغيرها للدوحة عبر مسارات جوية وبحرية بعيدة ومكلفة.

وسارعت تركيا لتعزيز تواجدها عسكريا عبر تسريع بناء قاعدة في الدوحة وإجراء تدريبات مشتركة مع القوات القطرية المسلحة في تحرك اعتبره محللون محاولة لتسهيل التمدد التركي في المنطقة.

وانفتحت الساحة القطرية أيضا على استقطاب استثمارات تركية تحديدا كمكافأة للدعم التركي للدوحة في أزمتها.

وقبل ستة أشهر وصل رائد أعمال تركي يدعى سركان أوجار إلى الدوحة لاستكشاف فرص أعمال خارج محيطه التقليدي.

ويبدو أن رحلته ستؤتي ثمارا وفيرة، إذ يتوقع الفوز بأول عقد للمساهمة في بناء استاد يمثل أيقونة في استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022.

قوات تركية في الدوحة
قطر سهلت التمدد التركي بالسماح لأنقرة باقامة قاعدة عسكرية في الدوحة

ومنذ بدأ عدد من الدول العربية مقاطعة اقتصادية لقطر قبل عام، اضطرت الدولة الخليجية الصغيرة للبحث عن شركاء بدلاء في التجارة والاستثمار. ولعل ثروتها الضخمة من الغاز الطبيعي قد ساعدتها في العثور سريعا على أصدقاء جدد.

وتسببت المقاطعة في تعطل مسارات الشحن لقطر عبر الخليج وتوقف الواردات عبر حدودها البرية الوحيدة مع السعودية والتي كانت في السابق مسارا لإمداداتها من الأغذية القابلة للتلف ومواد البناء.

وفي المقاطعة السياسية والاقتصادية أخذت أنقرة صف قطر. ومن ثم، رأى أوجار البالغ من العمل 28 عاما فرصا هناك، ما يؤكد مرة أخرى التعامل مع قطر بمنطق الغنيمة.

وقال أوجار في فندق حيث كان بصدد إجراء مقابلات مع مهندسين من أجل توظيفهم بمكتبه الجديد في الدوحة "إنهم يرحبون بالشركات التركية ترحيبا حارا بعد الحصار".

وتطلق قطر وحليفتاها إيران وتركيا على المقاطعة توصيف "الحصار" في حين تتحدث السعودية والامارات والبحرين ومصر عن قرار مقاطعة سيادي لحماية الأمن القومي العربي بعد ثبوت تورط الدوحة في أنشطة مزعزعة للاستقرار بحثا عن دور قيادي في المنطقة يبدو أكبر بكثير من حجم ووزن قطر سياسيا وعسكريا.

وتتوقع شركة رائد الأعمال التركي الشاب العائلية ريفيرانس هولدنغ إبرام عقد قريبا لتوريد السقالات والألومنيوم وتجهيز استاد لوسيل الذي سيستضيف المباراة النهائية في بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.

وقال جوزيف آبراهام الرئيس التنفيذي للبنك التجاري القطري إن الكثير من المقاولين الأتراك يقدمون عروضا لمشاريع في الوقت الذي تمضي فيه قطر قدما في تشييد البنية التحتية اللازمة للبطولة.

وثمة مشاريع بناء ضخمة جارية من أجل استضافة بطولة كأس العالم. ويجري تشييد سبعة ملاعب جديدة إلى جانب بنية تحتية أخرى، مما يتطلب جلب مواد بناء من مناطق بعيدة.

وقال مدير شركة بناء طلب عدم نشر اسمه إن الجبس المستخدم في ألواح الجص، يتم استيراده من إيران حديثا.

ويجري حاليا استيراد الجابرو المستخدم في صناعة الإسفلت والخرسانة من سلطنة عمان بدلا من الإمارات العربية المتحدة.

وبينما تنطوي بطولة كأس العالم على منافسات رياضية مشوقة ومكانة عالمية مرموقة، انصب التركيز في المراحل الأولى من المقاطعة وعلى الحاجة العاجلة لسد النقص في المنتجات الأساسية.

وفي حين اختفت الألبان الطازجة ومنتجاتها والبيض من المتاجر، نقلت الدوحة جوا ما يزيد عن ثلاثة آلاف بقرة على متن طائرات الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة، واستوردت البيض من سلطنة عمان التي أبقت على مسار الشحن مع قطر مفتوحا حينما أوقفت دبي الشحنات إلى الدوحة.

وفي المتاجر القطرية، تبلى العلامات التجارية التركية مثل الأجبان الكريمية التي تنتجها أولكر وبينار بلاء حسنا.

وقال صالح بن حمد الشرقي المدير العام لغرفة تجارة وصناعة قطر إن السوق التركية مهمة جدا للدوحة، مضيفا أن موقعها الجغرافي قريب بما يميزها من الناحية اللوجستية كما تتمتع بجودة عالية وأسعار تنافسية.

وزادت الواردات من تركيا في الفترة بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2017 إلى 523 مليون دولار بزيادة 48.2 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.

وقفزت الواردات من سلطنة عمان 150 بالمئة إلى 575 مليون دولار وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.

وزادت الواردات من الهند 54.6 بالمئة إلى 1.06 مليار دولار ومن إيران 63 بالمئة إلى 69 مليون دولار.

وتضررت بعض أنشطة الدوحة حين بدأت المقاطعة، إذ تكبدت الخطوط الجوية القطرية خسارة في العام 2017 بعد أن فقدت حق دخول المجالات الجوية في الدول المقاطعة لها.

وتنشر قطر من حين إلى آخر بيانات تضمنها أرقاما مفرطة في التفاؤل لإظهار قدرة اقتصادها على الصمود، وفي الوقت ذاته وفي تناقض كبير مع البيانات الرسمية اشتكى المسؤولون القطريون من ضرر بالغ طال مجمل القطاعات نتيجة المقاطعة.

ويسلط التفاؤل المفرط والتصريحات المتناقضة الضوء على حجم ما بلغه الارتباك القطري في التعامل مع الأزمة.

ويعتقد أن الإصرار على المكابرة والتعنت ناجم عن توقعات قطرية مفرطة أيضا في التفاؤل بأن الأزمة ستحل قريبا، لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان قد أوضح في تصريحات سابقة أن المقاطعة قد تستمر لوقت طويل ما لم تتخل الدوحة عن سياسة دعم الإرهاب والتقارب مع إيران.   

وسرعان ما استغلت الإمارة الخليجية التي تعتبر من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، صندوق ثروتها السيادي الضخم، الذي تُقدر أصوله بنحو 320 مليار دولار، لحماية بنوكه وعملته بعد أن سحبت الدول المقاطعة ودائعها.

تركيا وإيران ضاعفتا صادراتهما للدوحة
تركيا وايران زادتا باضعاف حجم صادراتهما لقطر

وقال يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال "مهمتنا الكبرى كقطريين أثناء الحصار (المقاطعة) كانت الحفاظ على الاقتصاد".

وأضاف "لم يكن التركيز الأكبر على النمو، بل كان يتعلق بالصمود الفعلي أمام الحصار وأي أضرار قد تحدث مهما كانت، لأن الضروريات سواء الأغذية أو اللوجستيات لم تكن متوافرة".

ويقول مسؤولون قطريون إن الأزمة كانت بمثابة صيحة تحذير للبلد البالغ عدد سكانه 2.7 مليون نسمة كي يصبح أكثر تنوعا واعتمادا على الذات.

وقال وزير الطاقة محمد السادة إن قطر تريد أن يرى العالم ما يمكن لهذا البلد الصغير نسبيا أن يقوم به بمرونة والتزام، مضيفا أن الأمر الوحيد الذي يقلقه هو أن منتخب قطر قد لا يفوز بكأس العالم 2022.

وتظهر تصريحات المسؤولين القطريين أن الرهان قائم على الصمود لأطول وقت ممكن ولو على حساب مقدرات الشعب القطري.

كما تشير إلى أن الدوحة ماضية في استنزاف صندوقها السيادي من باب المكابرة والتعنت لا من باب تلبية احتياجات الشعب القطري.

وفشلت كل جهود الوساطات في حل أزمة الدوحة بسبب تمسكها بسياسة الهروب إلى الأمام والقفز على مسببات أزمتها ومحاولة الترويج للمقاطعة العربية بوصفها حصارا يستهدف تقويض سيادة قطر واقتصادها.

وباءت محاولات الالتفاف القطري على مسببات الأزمة بالفشل خاصة بعد أن قفزت الدوحة على الوساطة الكويتية التي قبلت بها دول المقاطعة الأربع وبحثت عن حلول لأزمتها خارج محيطها الجغرافي.

وراهنت على ضغوط دولية وعلى تحالفات عززتها بعقود سخية مع شركاء غربيين وشراء ذمم للخروج من ورطتها دون جدوى مع تمسك دول المقاطعة بقائمة مطالب تتضمن تخلي قطر عن دعم وتمويل الإرهاب والامتناع عن توفير منصات إعلامية لجماعات مصنفة إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين والابتعاد عن إيران المتورطة بدورها في أنشطة إرهابية.