تركيبة العراق لا تحكم بالأكثرية أو الاقلية

التوافق هو السر المفقود في حكم العراق. التوافق لا يتم بوجود محاصصة.

الاوضاع السياسية الجديدة التي اعقبت سقوط رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي والدعوات الداخلية والخارجية المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، والظهور المفاجئ لتنظيم "داعش" على المسرح السياسي العراقي عام 2014، اجبر التحالف الشيعي على التسليم بفكرة ان العراق لا يمكن ان يدار من قبل مكون واحد مهما كان حجمه الانتخابي ونسبته السكانية الكبيرة، ولكن استسلامه للاجندات والاملاءات الخارجية حال دون تشكيل حكومة وطنية شاملة.

العراق يختلف في نظامه الاجتماعي والسياسي وتنوعاته العرقية والطائفية عن البلدان الاخرى. المكون السني في العراق يختلف عن السنة في البلدان العربية من ناحية حسه القومي المرتفع، فتراه اسلاميا ومنتميا لحزب "اخواني" ولكنه مع ذلك يحمل فكرا عروبيا متعصبا. وقد رأينا كيف ان طارق الهاشمي الامين العام لحزب الاسلامي الواجهة السياسية لجماعة الاخوان المسلمين كيف خرج من قاعة البرلمان احتجاجا على تنصيب جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق، وكان يرى ان العرب السنة احق واولى بالمنصب من الاكراد. وطبعا نفس الشيء ينطبق على الشيعي العراقي، فهو بحكم قربه من مراقد الائمة ومسرح الاحداث التاريخية المؤلمة، تجده اكثر تشددا وتمسكا بطائفته ويحمل حقدا تاريخيا اكبر للسنة، ويندفع اكثر نحو تشكيل الميليشيات الطائفية المتطرفة. والاكراد ايضا يتقدمون عن اقرانهم في ايران وتركيا وسوريا ثقافيا وقوميا بمراحل.

كل مكون من هذه المكونات له شخصيته المستقلة لا يمكن ترويضها، وقد اخفق صدام حسين في اخضاع تلك المكونات لارادته رغم استعماله كل انواع القمع ضدها، ونفس الخطأ وقع فيه نوري المالكي من خلال تأجيج الحرب الطائفية ضد السنة واثارة النعرات القومية ضد الكرد واعادة الحكم المركزي واغراق البلد في الفتن والازمات.

وصفة التمرد التي يطلقها بعض المفكرين من امثال علي الوردي على الانسان العراقي، نراها بوضوح في الاحزاب والكتل السياسية التي تمثل هذه المكونات. فهي لا تخضع لقانون او سلطة الا اذا شاركت فيها واصبحت جزءا اساسيا منها, لذلك لا نرى في العملية السياسية العراقية سواء في بغداد او اربيل حركة سياسية معارضة خارج السلطة.. لم يكن اتفاق الشركاء السياسيين في اربيل عام 2010 على استحداث منصب "مجلس السياسات الاستراتيجية" ارضاء للقائمة العراقية السنية والذي يوازي في اهميته وخطورته منصب رئيس الوزراء الذي اسند الى التحالف الوطني الشيعي الا تجسيدا واقعيا لحالة الفسيفساء الطائفية والقومية القائمة في العراق. ولو قدر لهذه الاتفاقية النجاح ولم يتنصل عنها المالكي، لحلت معظم مشاكل العراق ولم يصل الى ما وصل اليه الان.

مهما تعاقبت الحكومات على العراق وتغيرت فيه الانظمة وتنوعت بين القومي والطائفي واليميني واليساري، فلن يصلح له غير الحكم الجماعي التوافقي الاتحادي الفيدرالي كما جاء في الدستور نصا وروحا.