تعددت البيوت السياسية في عراق ينذر بانفجاره

عراق المواطنة لن تنجزه البيوت التي يمكن أن تقع على رؤوس بناتها في أية لحظة غضب عراقي.
بيوت السياسة يمكن أن تنهار في أية لحظة مثلها في ذلك مثل أي شيء في العراق الجديد
سيكون رئيس العراق كرديا دائما ذلك واقع لن يرضي العرب فرضه الأميركان

السياسة في العراق تتخذ طابعا عشائريا. فالنظام هناك مؤلف من عدد من البيوت. بيت شيعي وبيت كردي وبيت سني هو الأحدث تكوينا من بينها بعد أن تم طي صفحة الاقليم السني. فلا اقليم في العراق سوى اقليم كردستان الذي سبق قيامه الدستور الذي باركته مرجعية النجف ونص على إمكانية قيام الاقاليم في عراق سيكون قدره أن يقف دائما على حافة التفكيك مثلما فُككت مصانعه وأسيجة طرقه السريعة العملاقة ومنصات الضغط العالي لنقل الكهرباء وبيعت خردة إلى دول الجوار.

بيوت السياسة تلك يمكن أن تنهار في أية لحظة مثلها في ذلك مثل أي شيء في العراق الجديد. فهي قائمة على أساس منفعة قد لا تبدو مؤقتة. فما دام العراق يدر ذهبا فإن الاتفاق الهزيل والرث بين اللصوص سيكون ممكنا في مواجهة أهل البيت المخطوفين بطرق مختلفة. فالبعض صمت تحت تأثير الخوف والبعض غص بالمذهب فصار حريصا على طقوس اختلافه الطائفية حرصه على حياته. اما النفعيون فإنهم يضحكون من وراء خزائن المال ساخرين من الجميع. لقد تآلفت بيوت السياسة فيما بينها في الوقت الذي يعمل اعلامها على تعميق الهوة التي تفصل بين فريق وآخر. فليس من مصلحة الأحزاب أن تجري تفاهمات شعبية من ورائها.
أن يُقال إن تلك البيوت مسكونة بالأعداء المتواطئين في ما بينهم فإن ذلك لا ينكره أحد من عرابي تلك القبائل أو العوائل غير أنه من غير المسموح أن يقود ذلك العداء إلى تناحر علني. فإذا كان الأكراد في سالف أيامهم قد قتل بعضهم البعض الآخر في حروب كان الجيش العراقي قد حسمها لصالح عائلة البرزاني ذات مرة فإن وصفة العراق الجديد التي وضعها الأميركان بعد الاحتلال اقامت معادلات لا تسمح بوقوع تلك الحروب. لقد تم توزيع الغنائم بما يُرضي جميع الأطراف. لم تعد الكراهية هي المقياس في العلاقة بين طرف وآخر داخل البيت الواحد. ليكره بعضكم البعض الآخر غير إن مصالحكم ستظل محفوظة ومصانة. تلك هي الحكمة الذهبية التي ستحفظ للنظام الطائفي توازنه.

كان المحتل صريحا مع "عملائه". تلك تسمية ليست دارجة في العراق الجديد. فالزعماء السياسيون الذين قدموا مع المحتل وتم فرضهم حكاما ومن ثم خيارات انتخابية لا بديل لها يعتبرون أنفسهم ممثلي الحل الديمقراطي الوحيد الممكن. وبالرغم من أن الأوضاع في العراق لا تخرج عن نطاق دائرة الفوضى فإن أولئك السياسيين يعتبرون أنفسهم صمام أمان يمنع البلد من السقوط في الفوضى. تلك فكرة لم يصل إليها حزبيو العراق ذاتيا بل وضعت أمامهم على الطاولة جاهزة. إن ذهبتم إلى الانتخابات فلا تزعجكم نتائجها فكل شيء سيكون في النهاية لصالحكم. لا غنى للعراق عن حضور البيوت الثلاثة. وكما أتذكر فقد شهد العراق بعد الاحتلال ظهور مراكز للدراسات الاجتماعية ومحللون سياسيون أنصب جهدهم على اثبات نظرية المحتل التي تفيد بأن العراق بلد عشائري لا علاقة له بالدولة الحديثة وينبغي حكمه من خلال نظام يعتمد على مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية. لن يكون هناك عرب مقابل أكراد ولن يكون هناك شيعة مقابل سنة. بل سيكون هناك شيعة وسنة وأكراد. في كل الأحوال كان الهدف اقصاء العراق عن محيطه العربي.

سيكون رئيس العراق كرديا دائما. ذلك واقع لن يرضي العرب فرضه الأميركان. في حساب المصالح فإن أحدا من البيتين الشيعي والسني لم يعترض على ذلك. فالمنصب شرفي كما يُقال. غير أنه منصب اعتباري في الانظمة الديمقراطية وله خصوصيته بالنسبة للعالم العربي. يهم الأكراد أن لا يكون العراق عربيا وهو ما نص عليه الدستور العراقي الجديد فالعرب هم جزء من سكان العراق. وإذا ما كانت البيوت الثلاثة مرجعيتنا في التفكير فإن العراق قد قطع صلته بالعالم العربي. هو المسخ الذي صار على الأحزاب الحاكمة أن تمنحه هوية ولغة وسمات وتاريخا ومصيرا وخرائط عاطفية جديدة.

العراق الذي تتقاسمه البيوت الثلاثة هي عبارة عن فريسة وليس بلدا يمكن أن يتقاسم العرب والأكراد حق العيش فيه. هكذا كان الأمر دائما. اما حين وزع المحتل العرب بين سنة وشيعة من غير أن يهبهما إلا أسباب التناحر فإنه قد فقد القدرة على أن يستعيد دولته. عراق المواطنة لن تنجزه البيوت التي يمكن أن تقع على رؤوس بناتها في أية لحظة غضب عراقي.