تعدد أصوات الراوي في سيناريو الفيلم السينمائي

فدوى ياقوت تؤكد أن الراوي السينمائي يختلف عن السارد السينمائي.
الراوي يكتفي بنقل الحديث ورواية الخبر، والسارد يقوم بتنسيق الحكي، ومنابعته
صعوبة البحث في مجال السرد السينمائي دون التطرق إلى النظريات السردية السابقة

القاهرة ـ من أحمد مروان

يُعد السارد / الراوي مكونًا أساسيا من مكونات عملية السرد بشكل عام، والسرد السينمائي وبناء الفيلم بشكل خاص، إذ إننا لا يمكننا – بأي حال من الأحوال - تصوُّر حكاية بدون راوٍ، أو سارد يحكيها، وإذا كان مصطلحا الراوي والسارد في اللغة العربية يقابلهما في اللغة الإنجليزية مصطلح واحد أساسي هو The Narrator، فإن اللغة العربية تتميز بأنها تفرق بين المصطلحين عبر التمييز بين وظيفة كل منهما، إذ في حين يكتفي الراوي بنقل الحديث ورواية الخبر، يقوم السارد بتنسيق الحكي، ومنابعته بتقديمه شيئًا إلى شيء، بعضه في إثر بعض.
في كتاب "تعدد أصوات الراوي في سيناريو الفيلم السينمائي" للدكتورة فدوى ياقوت، تؤكد أن الراوي السينمائي يختلف عن السارد السينمائي، في أنه يمكن الاستغناء عنه، إذ لم يكن الفيلم بحاجة لوجوده السردي، حيثُ إن السينما التي تقوم - في أساسها - على الصورة، يمكنها – أحيانا - الاستغناء عن شكل الراوي، الذي يعتمد على وجوده - بشكل أساسي - على السرد اللفظي، في حين لا يمكنها الاستغناء - بأي حال من الأحوال - عن وجود السارد السينمائي المسئول عن منحى القص في الفيلم بشكل عام.

الكتاب نجح في إلقاء الضوء على السارد / الراوي في السينما المصرية بأشكاله المتعددة، وتناوله بالدراسة والبحث، إضافة إلى دراسة ظاهرة تعدد الأصوات ووجهات النظر في السينما

وعلى الرغم من الاختلاف البين بين الراوي في حالة السينما والراوي في حالة الأدب، والذي قمنا بالإشارة إليه، فإننا لا يسعنا عند البحث في موضوع السرد في السينما، ومحاولة الاقتراب من المفهوم السينمائي للسرد، إلا الرجوع إلى المصطلحات السردية المتعارف عليها في الأدب، حيث إن أغلب الدراسات السينمائية التي قد تتطرق إلى عملية السرد في السينما، لم تتأسس من خلال دراسة الظاهرة السينمائية، بل إنها وفدت على السينما من مجالات سردية أخرى سابقة على السينما مثل الحكاية الشفوية، المسرح، والأسطورة والرواية.
أساليب سردية
ويؤكد الكتاب أن السينما التي لا يتجاوز عمرها - 122 عامًا - كان عليها أن ترسي قواعدها السردية خلال هذه الفترة القصيرة – نسبيا - مقارنة بالفنون الأخرى التي سبقتها. هذا الفن الجديد الذي تعلمه مبدعوه ومتلقوه معًا، والذي كان عليه أن ينمو ويتطور بالتوازي مع عملية تلقيه، وتبعًا للأساليب الفنية والسردية التي يستطيع كل من مبدعيه ومتلقيه استيعابها، كان عليه أن يستقي - بشكل بديهي - العديد من أساليبه السردية من تلك الفنون السردية التي سبقته الشفوية منها والمكتوبة، مما يجعل تلك النظريات السردية التي تأسست على دراسة تلك الفنون قابلة للتطبيق - بشكل ما - على السينما. 
ومن هنا كانت صعوبة البحث في مجال السرد السينمائي دون التطرق إلى تلك النظريات السردية السابقة، والتي تم تطبيقها بشكل أساسي في مجالات سردية أخرى، هذا بالإضافة إلى اضطرارنا لاستحدام الكثير من المصطلحات والمفاهيم المستعارة والمنحوتة من مجالات أخرى كالأدب وعلوم اللسانيات.

لكن هذه القابلية للتطبيق والاستعارة لا تعني - بأي حال من الأحوال - التطبيق الحرفي دون مراعاة الاختلافات بين السينما وبين تلك الفنون الأخرى، أو ما يسمى باختلاف الوسيط، إذ أن عملية السرد في الفيلم تأخذ طبيعة مختلفة، من حيث إنه "سرد يُحكى عبر الصوت والصورة"، أي بواسطة العرض السمعي - البصري، بخلاف ما هو عليه في أي شكل سردي آخر، يقوم على فعل حكي قصة عبر الكلمات كالرواية مثلا.
ومن وجهة نظر المؤلفة أن مفهوم تعدد الأصوات في السينما، وإن تشابه في بعض سماته الأولية مع نظيره في حالة الأدب، من حيث إنه يشير إلى (من يتكلمون) أو (من يقومون بعملية الحكي)، فإنه يختلف عنه في حالة السينما، التي هي فن بصري في المقام الأول، حيث يتجاوز دور الصوت مجرد الحكي اللفظي، متحولا إلى وجهة النظر التي نرى الأحداث المحكية من خلالها، حتى أنه يمكن القول بأن مفهوم تعدد الأصوات في السينما هو – بالأحرى - تعدد في وجهات النظر.
ولأن السينما فن أدائي - في أساسه - يقوم على العرض البصري لا على النص المكتوب، ولأن العرض بطبيعة حضوره ينسف النص، فإن المؤلفة تود أن توضح أن المقصود بعنوان الكتاب ليس إخضاع سيناريو الفيلم السينمائي أو النص السينمائي – بمعناه الحرفي -للدراسة، وإنما المقصود – هنا - هو العرض أو الفيلم الذي اكتمل، وتم عرضه وتلقيه من قبل الجمهور.
وتؤكد الكاتبة أنه رغم أن السينما المصرية قد تتشابه مع السينما الغربية في توظيفها للتقنيات الرئيسية التي تعود إلى كون السينما اختراعا غريبا، فإنها تختلف عنها – أحيانا - في توظيفها للأساليب السردية، حيث إن السينما المصرية تختلف في جذورها الثقافية التي تنحدر منها تلك الأساليب السردية، ففي حين استقت السينما الغربية أساليبها السردية المبكرة من الأساليب المسرحية، ثم استفادت بعد ذلك من تطور شكل السرد في الرواية؛ فإن السينما المصرية قد استقت أساليبها السردية - في بداياتها - من الأشكال الفنية المتاحة ذات الطابع السردي الشفوي مثل رواية السيرة الشعبية وعروض خيال الظل والقراجوز وصندوق الدنيا.
وقسمت الكاتبة كتابها إلى أربعة فصول وخاتمة. تناول الفصل الأول: الجذور الثقافية والاجتماعية لتقنيات السرد في السينما المصرية، وتم التعرض فيه للأشكال الشعبية المختلفة التي توظف أشكال الراوي وتعدد الأصوات مثل خيال الظل وصندوق الدنيا والراوي الشعبي…، كذلك تناول لمحة من تاريخ المسرح المصري الذي سبق السينما المصرية في الظهور بسنوات قليلة، ورصد العلاقة بينه وبين السينما المصرية بالإضافة، إلى التعرض لشكل السرد ووجهة النظر السردية في بدايات السينما بشكل عام والسينما المصرية في بداياتها بشكل خاص.  

مفهوم تعدد الأصوات في السينما
السينما فن أدائي يقوم على العرض البصري 

أما الفصل الثاني فتناول: آليات السرد وتعدد الأصوات بين الأدب والسينما، وعرضت فيه الكاتبة لنشأة مفهوم الراوي / السارد وتطوره التاريخي، كذلك عرضت لمصطلحات السرد في الأدب، ومراحل تطور المصطلح السردي، والنتائج التي توصلت إليها نظريات السرد المختلفة فيما يتعلق بالأشكال للراوي/ السارد كقائم بعملية السرد، والمستويات الممكنة للسرد داخل القصة، والعلاقات الممكنة بين الراوي وبين موقعه السردي، ومفهوم تعدد الأصوات وتطوره التاريخي، والفروق النوعية بين كل من الأدب والسينما، إضافة إلى نظريات السرد ومصطلحات السرد في السينما.
وفي الفصل الثالث تناولت: أشكال الراوي في السينما والسينما المصرية كحالة خاصة: وتم التعرض فيه لأشكال وتجليات السارد / الراوي في السينما بشكل عام، والسينما المصرية بشكل خاص، مع التوضيح بالأمثلة من كل منهما، وينقسم هذا الجزء إلى جزئين: أولاً: السرد الخارجي ، ثانيا: السرد الداخلي.
وكان موضوع الفصل الرابع: السرد الدرامي في السينما بين الصوت الواحد وتعدد الأصوات. وتعرض للشكل الرابع والأخير من أشكال السرد الداخلي، والذي يتميز السارد / الراوي فيه أنه يمكن أن يأتي أحاديًا أو متعددًا، مع التوضيح بالأمثلة من كل من السينما المصرية والغربية.
أما الخاتمة فقد أجابت فيها الكاتبة عن الأسئلة المتعلقة بمدى خصوصية السينما المصرية في طرح أفلام تعدد الأصوات، ومنظور الرؤية المتعددة، ومدى اختلافها في طرح هذا المنظور عن السينما الغربية، وتطوره عبر تراثها الفني، وأسباب هذا الاختلاف، وتفسير ذلك في ضوء اختلاف الجذور الثقافية الخاصة بالسينما المصرية، بالإضافة إلى اختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تميزها عن السينما الغربية.
لقد نجح الكتاب في إلقاء الضوء على السارد / الراوي في السينما المصرية بأشكاله المتعددة، وتناوله بالدراسة والبحث، إضافة إلى دراسة ظاهرة تعدد الأصوات ووجهات النظر في السينما، واكتشاف الخصوصية البنائية لتلك الظاهرة في السينما المصرية، والتي من شأنها أن تضيء مساحة مظلمة من مساحات الدراسة السردية السينمائية، إذ أنه على الرغم من وجود الكثير من الدراسات النقدية التي تقوم بدراسة السارد / الراوي وتجلياته المختلفة في مجال الأدب، فإن الدراسات السينمائية التي قد تتعرض لشكل السارد أو الراوي في السينما - مقارنة بنظيرها في حالة الأدب- جد قليلة، إضافة إلى أن تلك الدراسات القليلة قد تم تطبيقها بشكل أساسي على نماذج من السينما الغريبة، في حين يعتبر صوت السارد أو وجهة النظر في السينما المصرية مساحة منسية في دراساتنا السينمائية العربية.
يذكر أن كتاب "تعدد أصوات الراوي في سيناريو الفيلم السينمائي" تأليف فدوى ياقوت، صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .(وكالة الصحافة العربية)