'سيكو سيكو' يعري بالكوميديا الدرامية واقع الشباب المصري العاطل

المخرج المصري عمر المهندس يرسم صورة صادمة لشباب الهامش.

يحكي الفيلم الكوميدي "سيكو سيكو" للمخرج المصري عمر المهندس قصة سليم وابن عمه يحيى اللذين يرثان ميراثًا غير متوقع، ليكتشفا أنه عبارة عن شحنة مخدرات. يسعيان إلى التخلص من هذه الورطة عبر ابتكار لعبة إلكترونية بمساعدة فريق من الأصدقاء، لكن الأحداث تتعقد حين يظهر زعيم عصابة خطير يطالب بالحق في الشحنة.

الفيلم من سيناريو محمد الدباح، وبطولة كل من عصام عمر، طه دسوقي، سليمان عيد، خالد الصاوي، تارا عماد، وديانا هشام.

يفتتح الفيلم بمشهد مقابلة شخصية لـ"يحيى"، الذي يبدو منذ اللحظة الأولى شخصية ماكرة لا تملك الجدية في العمل، حينما اعتمد صانعو الفيلم على قاعدة الكوميديا بالتضاد، إذ أُدرجت لقطات سريعة من وظائفه السابقة تناقض ما يقوله في المقابلة، وساهم أداء عصام عمر الرشيق، وكتابة محمد الدباح، وإخراج عمر المهندس، في تقديم شخصية "يحيى" بأسلوب مباشر وذكي في الوقت ذاته، ففُهم أنه يبحث عن المال لا عن العمل، كي يجعل الحوار بينه وبين الشركة منطقيًا.

ويبرز الفيلم سخرية اجتماعية رشيقة حين طُرح الراتب بـ100 ألف جنيه، فجاء الرد ليعكس واقع تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار، وهو مشهد يلتقي فيه الكوميديا السوداء مع نقد الواقع الاقتصادي، إذ أظهر المخرج جرأة في استخدامه المفرط للّقطات الإدراج ،  ليعطى الإيقاع حيوية وسرعة، ورفع من تركيز المشاهد دون أن يشتته، فبدت بداية الفيلم متماسكة من الناحية البصرية والمونتاجية.

ينتقل انتقل السيناريو إلى شخصية "سليم" بأسلوب أقل تعقيدًا، لكن مع عرض معلوماته بشكل مباشر، حين تكشف خطيبته أنه مصمم ألعاب وهو متجه إلى عرض تقديمي مهم، عندما اختار المخرج إدخال فلاش باك بسيط وطريف يُظهر كيف تعارفا في الجامعة بطريقة تقليدية، ثم عاد إلى "يحيى" الذي كاد يُكتشف وهو يدخن خلال وقت العمل، ليظهر لنا مشهدًا ساخرًا آخر حين يبتلع السيجارة في فمه، بينما أدخل المخرج شخصية مدير غريبة الأطوار، فيها مزيج من الطيبة والسذاجة، لتضيف عنصراً كوميديًا غير متوقع، خاصة حين يدعوه المدير بعد الشغل، فيرفض "يحيى" بدعوى وجود حالة وفاة.

ويعرض الفيلم كذلك لحظة عرض "سليم" للعبة أمام المستثمرين، ليتعرض للاستهزاء بسبب اعتماد اللعبة على فكرة من ألعاب التسعينيات،  ويبرز هذا المشهد تضاربًا زمنيًا طفيفًا، فيبدو أن "يحيى" بدأ عمله الجديد في نفس اليوم الذي لم يكن "سليم" قد أنهى فيه بعد عرضه التقديمي، ليفتح باب التساؤل حول ترتيب الأحداث، بينما كشف المشهد اللاحق عن خيط درامي جديد حين يتلقى سليم اتصالًا من محامٍ، فيلتقي به ليجد "يحيى" حاضرًا هناك أيضًا، كي يوحي بوجود صراع سابق بين الشخصيتين لم يُكشف بعد، ليوضح هذا اللقاء مفاجأة درامية تُمهّد لبداية حبكة مشتركة تربط بين الرجلين، وتُخرج الفيلم من الكوميديا الخفيفة إلى بناء علاقة أكثر عمقًا.

ويقدّم الفنان باسم سمرة أداءً متزنًا، مجسدًا الأب الصارم الذي يخاف على ابنته، دون مبالغة في الانفعال، عندما وظّف المخرج صوته الجهوري ونبرة التخويف بطريقة تخلق تهديدًا ضمنيًا على مستقبل "يحيى" وسليم، مضيفًا بُعدًا دراميًا حقيقيًا في قلب الكوميديا.

دون مبالغة في الانفعال

وتبرز متتاليات المشاهد رحلة شابين من الهامش الاجتماعي، هما "سليم" و"يحيى"، عندما يُطرد الأول من سكنه بسبب عجزه عن دفع الإيجار، فيما يُصرّ الثاني على استغلال أزمته لجرّه نحو صفقة بيع بضاعة مشبوهة، وتوضح هذه المشاهد ضيق الأفق الذي يعيشه شباب الطبقة الفقيرة، وتُطرح قضايا البطالة، وصعوبة الزواج، وضغوط الحياة كأسباب واقعية قد تدفعهم للانحراف دون أن يُبرّر الفيلم ذلك.

وتضيء الحبكة الدرامية، من خلال علاقة الصداقة المتوترة بين الشخصيتين، على هشاشة القيم أمام الإكراهات اليومية، خاصة عندما يُمهّد السيناريو لتحول درامي قوي حين يكشف "سليم" ل"يحيى" أن خاله يعمل في مكافحة المخدرات، ليُثير القلق والخوف، لكنه لا يمنع "يحيى" من مواصلة المسار نحو الخطر، بينما يُرافق "يحيى" صديقه إلى تاجر السوق السوداء في مشهد كوميدي تُجسّد فيه شخصية هذا التاجر المخضرم بعفوية ساخرة، ويُجسّد الفنان علي صبحي دوره بحنكة.

وتبين المقابلة الطريفة التناقض الجوهري بين شخصية تاكس الساخرة وسليم المرتبك، وتُطرح دلالات حول كيفية تداخل الهزل بالجد في عالم الجريمة اليومية، إذ يركّز الفيلم في هذا الجزء على ثنائيات متكررة: المثقف والمنحرف، القانوني وغير القانوني، الطموح واليائس، ويُطوّع السيناريو هذه التناقضات لصنع مفارقات لفظية وسينمائية مضحكة تُخفي تحتها نقدًا اجتماعيًا عميقًا، بينما يجسّد مشهد تسعير البضاعة في المقهى، إذ كل واحد يقول ثمنه، والفوضى التي تحكم السوق الموازي، وتُطرح من خلاله ملامح العبث الاقتصادي، في مشهد ساخر ينبع من واقع لا يحتاج إلى مبالغة كي يُصدمنا.

ويتحوّل الخط الدرامي نحو أبعاد إنسانية أعمق عندما يبدأ الانسجام العاطفي بين "يحيى" وسليم بالتشكل، خاصة حين يدعوه الأول للمبيت معه، ويشاركه أحلامه البسيطة على سرير بطابقين، في لحظة دافئة تُبرز العلاقة الأخوية وتُطرح كمساحة نقية وسط عالم موبوء، فيصل المشهد الكوميدي ذروته عندما ينهار السرير فوق سليم بسبب ثقل "يحيى"، في لقطة خارجة من قلب الحياة، دون افتعال أو تهريج، بينما تُبرز المشاهد تصاعد التوتر، وتُطرح فكرة النجاة كمغامرة يومية لا تخلو من الكذب والتضحية، ويُختتم المسار بلقطة درامية مكثفة حين يتعرض الثنائي لهجوم مسلح من مجهولين، فتظل النهاية مفتوحة، تاركة المُشاهد أمام سؤال صادم: هل النجاة في الهامش ممكنة دون أن نخسر شيئًا من إنسانيتنا؟

وتناول الفيلم الكوميديا من زاوية اجتماعية ذكية، كونها لم يعتمد فقط على الإفيهات أو المواقف السطحية، بحبكة متماسكة تتصاعد بتدريج مدروس نحو الذروة، بينما افتقر المشهد السينمائي المصري في السنوات الأخيرة إلى الكوميديا الجيدة، فجاء هذا الفيلم كجرعة منعشة أعادت الثقة إلى هذا النوع السينمائي، إلى جانب أعمال نادرة مثل "بنك الحظ" و"وقفة رجالة"، وهو ما يُفسر التفاعل الكبير من الجمهور معه، رغم أنه لا يصل إلى مستوى أفلام أوائل الألفينات.