تغريدة الصدر لكردستان تفضح معاناتها الازلية مع بغداد

يحتاج السيد مقتدى الصدر أن يضبط مفرداته قبل التوجه للكرد ومخاطبتهم.

نشر السيد مقتدى الصدر على صفحته في تويتر رسالة الى "الاكراد" وساساتهم، ابدى فيها رغبتـ"هم" في ان يعيش "الاكراد" معهم دون انفصال واصفا تلك الرغبة بانها اعلى معاني الحب، واضاف انـ"هم" يريدون الكرد موحدين اقوياء لا يظلمون ولا يظلمون (بضم الظاء). واكد بـ"انهم" لن يسمحوا لاحد بالاعتداء عليهم. كما دعاهم الى ترك المحاصصة وابعاد الفاسدين وتجديد العهد بوجوه جديدة وفي الاخير دعا الى ان تكون كركوك مثالا للتعايش السلمي لكل الطوائف والاعراق.

في الحقيقة لم اعرف ماذا يعني السيد مقتدى بضمير الجمع الذي استخدمه في جمل تغريدته، لكن اغلب الظن انه استخدمه من باب تعظيم الذات الذي دابت عليه الصياغات اللغوية للخطابات السياسة او الدينية، والا فلا اتصور ان السيد مقتدى يقصد جمع نفسه مع الباقين في العملية السياسية الذين ينتقدهم دائما بمناسبة وبدونها.

بداية ارى انه من الضروري لفت نظر السيد الصدر ومن خلاله بقية ساسة العراق غير الكرد، الى ان من المعيب استخدام كلمة "الاكراد" في خطابهم السياسي خاصة اذا كان الغرض منه هو التقرب للكرد ومغازلتهم. فكلمة "الاكراد" تماثل تماما كلمة "الاعراب" حسب قواعد الصرف في اللغة العربية والتي لا يرغب الاخوة العرب بوصفهم بها، وبما ان السيد الصدر هو رجل دين قبل ان يكون رجل سياسية فيفترض به الالمام الكامل بقواعد لغته الام ومعرفة الفرق بين كلمة الكرد وكلمة الاكراد.

بدا السيد مقتدى تغريدته بتوجيه ما اسماه اعلى معاني الحب للكرد في انهم ارادوا ان يعيش الكرد معهم ولا ينفصلوا عن العراق. وهنا يقع السيد مقتدى في العقدة نفسها التي يعاني منها جميع ساسة العراق منذ تاسيس العراق ولحد يومنا هذا، وهي مبدأ الوصاية والتعامل مع الشعب الكردي على اساس الاخ الاكبر، بفرض رؤيته القسرية عليه. فكيف يمكن للسيد مقتدى ان يخاطب الكرد برغبته هذه بعد ان استفتى 93% من هذا الشعب على الانفصال عن العراق.. اي نوع من الحب يكمن في حنايا روح السيد الصدر تجاه الكرد، هل هو ذلك النوع الذي يقال عنه "ومن الحب ما قتل"؟

لقد رأينا هذا الحب العارم من خلال الحصار الذي فرضته حكومة بغداد على كردستان بعد الاستفتاء واغلاق مطاراتها، وقطع رواتب موظفي كردستان لاكثر من ثلاث سنوات قبل الاستفتاء. هذا الحب العذري تلمسه الكرد في امتناع بغداد عن تطبيق البنود الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وتقليص حصة الاقليم من الموازنة لسنوات عديدة، والامتناع عن ارسال حصة البيشمركة منها وعن رفد البيشمركة بقطعة سلاح واحدة طوال فترة القتال مع داعش، وحل المشاكل السياسية مع كردستان من خلال القوة العسكرية واحتلالهم لكركوك...هذه كلها مظاهر الحب الذي يتكلم عنها السيد مقتدى، في الوقت لم نسمع من السيد اي تصريح او تغريدة تشير الى رفضه لهذه الاعمال الشنيعة سواء في عهد المالكي او العبادي... فيا لهذا الحب الذي يقتل ويميت.

وفي ما يتعلق بكركوك فان السيد مقتدى لمح في تغريدته بشكل ضمني الى عدم نية الحكومة القادمة حل مشكلة هذه المدينة التي ظلت عالقة من 2005 والتي كان من المتفرض ان تحل في فترة وجيزة من خلال المراحل التي نص عليها الدستور، فتركيزه على ان تبقى كركوك مدينة التآخي والتعايش لجميع مكونات العراق تشير بمعنى اخر ان تبقى مدينة عراقية وليست كردستانية والا فلا توجد مدينة في كردستان او في عموم العراق لا تحوي على مكونات عدة. فلماذا التركيز على كركوك فقط، ومتى كانت كركوك ليست لكل المكونات عندما كانت تسيطر عليها كردستان؟ ان السيد مقتدى يريد ان يقول للكرد باننا منعناكم من الانفصال "حبا بكم" ولكي نؤكد لكم هذا الحب فاننا سوف نبقي موضوع كركوك معلقا دون حل، ولن نطبق المواد الدستورية المتعلقة بها، وعليكم مع ذلك المشاركة في الحكومة العراقية القادمة وانقاذ العراق من الفساد والمحاصصة حسب وصفه.

اما ما يخص موضوع المحاصصة الذي اشار اله السيد مقتدى، فان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة اظهرت حصول الديمقراطي الكردستاني على اعلى عدد من الاصوات في عموم العراق، مما يعطيه الحق في ان يكون الطرف الذي يبحث عن تشكيل الكتلة الاكبر ومن ثم الحكومة. لكن ما جرى العرف عليه في العملية السياسية هو ان تكون رئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة ورئاسة الجمهورية للكرد، وهذه من الاسس الرئيسة التي مشت عليها المحاصصة في العملية السياسية.

لذلك فان الطرف الذي يحرص على المحاصصة هي الاحزاب الشيعية، التي تتكتل مع بعضها بعد كل انتخاب (رغم التناقضات التي بينها) لقطع الطريق امام اي كتلة او حزب غير شيعي لتسلم منصب رئاسة الوزراء.

ما يجب على الاخوة في بغداد فهمه هو ان حصول الكرد على مناصب معينة في حكومات بغداد لا يندرج ضمن موضوع المحاصصة، بل هو تمثيل لكردستان (كإقليم) وليس لمكون، بدليل ان منصب النائب الثاني لرئيس البرلمان العراقي في هذه الدورة كان من حصة المكون التركماني في كردستان، اذا هي ليست محاصصة بقدر ما هو تمثيل لهذا الاقليم طالما انه بقى ضمن العراق.