تغطية قنوات عربية للحرب الروسية الأوكرانية تحت المجهر
مضت أشهر الحرب الروسية الأوكرانية اتخذت المحطَات التلفزيونية العربيَّة أو الناطقة باللغة العربيَّة مسارات عدة في تغطيتها لأحداث الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة، والتي بدأت بفتح تغطية كاملة خلال الأيام الأولى للحرب، واكتفت بعد توالي الأشهر بتسليط الضوء على مجرياتها وأهم تطورات الصراع.
في هذا الدراسة "الحرب الروسية الأوكرانية والتغطية الإعلامية العربية" يحلل الباحث والإعلامي عبدالسلام الشبلي الأساليب والوسائل التي استخدمتها ثلاث محطات "العربيَّة - بي بي سي عربيَّة - تي آر تي عربيَّة" في الفترة من 30/10/2021 إلى 30/4/2022 والفرق بين تغطياتها للحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة، لتنقسم الدراسة إلى عدة فصول للإضاءة على تاريخ الصراع الروسي الأوكراني، والتدخلات الروسيَّة في أوكرانيا، وموقف الحكومات الأوكرانيَّة المتعاقبة من التدخل الروسي في شؤونها، والسنوات التي سبقت استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، وتلك التي تلت هذه العملية التي يعتبرها الأوكران غزوًا لبلادهم.
استعرض الشبلي أيضًا، الطرق التي اتبعتها القنوات المذكورة في عملية تعاطيها مع الخبر الأوكراني، وكيفية تأطيره وفقًا لسياساتها تجاه الأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة، في مقاربة بين ثلاث سياسات مختلفة لثلاث محطات. كما قدَّم لمحة عن تفاصيل الأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة وعمل على دراستها بشكل عملي من خلال البحث لتأكيد ما تمَّ عرضه في القسم النظري.
قام الشبلي بتحليل نتائج فئات تحليل المضمون للتغطية الإخباريَّة للحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة في محطات "العربيَّة ـ بي بي سي عربيَّة ـ تي آر تي عربيَّة"؛ حيث بلغ عدد مفردات العينية الكلي 72 نشرة أخبار تنقسم بالتساوي بين المحطَّات الثلاثة بواقع 24 نشرة لكل محطة وهي من النشرات الرئيسية التي قدمت في الفترة بين الربع الأخير من عام 2022 والربع الأول من عام 2023 بواقع نشرة واحدة رئيسية من كل محطة كل أسبوع. وتمَّ خلال التحليل استثناء النشرات التي لم تحمل أخبارًا عن الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة وتأثرت بتغطية أحداث أخرى من المحطَّات.. مثل زلزال تركيا وسوريا، والحرب السودانية وزلزال المغرب؛ كل ذلك جعل عدد النشرات الفعلية نحو 52 نشرة حملت أخبارًا عن الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة
وانطلاقا من تحليل المضمون توصل الشبلي إلى عدد من النتائج، حيث رأى أن محطتي بي بي سي وتي آر تي أعطتا أخبار الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة أوروبيَّة في ترتيب الخبر العالمية أكثر من قناة العربيَّة، مع تفوق نسبي لمحطة بي بي سي عربيَّة على كل من تي آر تي عربيَّة وقناة العربيَّة على الترتيب؛ وقد يُرجع ذلك إلى سعي محطة بي بي سي عربيَّة لإظهار الاهتمام الكامل بالقضية أوروبية الشأن خصوصًا مع الدعم البريطاني للجانب الأوكراني في الحرب واعتبار الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة حرب وجود بالنسبة لأوروبا، بينما يعتقد أن تي آر تي حاولت أن تكون أقل حدة في التغطية الخبرية فيما اعتمدت العربيَّة على إظهار ما يستجد من أخبار مهمة على صعيد الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة ملتزمة خطًّا محايدًا في التغطية دون تصدير المشهد الحربي الروسي الأوكراني على حساب قضايا أخرى حساسة في المنطقة العربيَّة.
وكشف أن تغطية المحطَّات الثلاثة كانت متفاوتة منذ البداية في التعامل مع خبر الحرب زمنيًّا.. فتصدر العربيَّة للخبر القصير كانت معناه إفساح المجال للقضايا الأخرى التي تهتم بها على حساب الأخبار المتوسط والطويلة جدًّا.. أما الخبر المتوسط الذي تصدرته تي آر تي عربيَّة فيعني ربما أن المحطة اختارت التوازن في عرض القضية الروسيَّة الأوكرانيَّة مع القضايا الأخرى كذلك فمعنى تصدرها للخبر الطويل ربما يعود إلى أنها ركزت على الاهتمام بالأخبار ذات التفاصيل المهمة التي تسعى لتغطيتها. أما تفوق بي بي سي عربيَّة في الأخبار الطويلة جدًّا.. فمعناه رغبة المحطة بأن تكون بتركيز كامل على الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة، عكس قناتي العربيَّة وتي آر تي عربيَّة على الترتيب.
ولاحظ تكرار عدد أخبار الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة في النشرة الواحدة، حيث شغل الخبر الروسي الأوكراني الأكثر أهمية ضمن خيار متوسط من 2-3 أخبار؛ وقد تساوت كل من تي آر تي وبي بي سي عربيَّة بنسبة 40 بالمئة مقابل 20 بالمئة لقناة العربيَّة. وجاء خيار الخبر الواحد بنسبة أقل لصالح تي آر تي عربيَّة بنسبة 55.6 بالمئة وتساوت فيه العربيَّة وبي بي سي عربيَّة بنسبة 22.2 بالمئة، أما المرتبة الثالثة فكان لخيار الخبر الكثير بين 4-6 أخبار. وكان العدد قليلًا من النشرات بواقع نشرتين من العربيَّة، وواحدة من بي بي سي عربيَّة. وهذا واقعية على اعتبار أن الخبر الروسي الأوكراني لم يكن خلال هذه الفترة من التغطية هو الخبر الرئيسي في المحطَّات الثلاثة؛ حيث تأثرت فترة جمع البيانات بالكثير من الأحداث التي أثرت على الحدث الروسي الأوكراني، ورغم ذلك فإنَّ الخبر الروسي الأوكراني حافظ على قوته لا سيَّما في بي بي سي عربيَّة وتي آر تي عربيَّة، وبنسبة أقل في قناة العربيَّة.
وفيما يتعلق بالخبر السياسي الروسي الأوكراني، بعيدًا عن الجانب العسكري والأمني، أوضح الشبلي أن محطة بي بي سي عربيَّة أبرزت أخبار التصريحات والخطابة بنسبة متساوية مع تي آر تي عربيَّة وصلت لـ 40 بالمئة فيما وصلت في العربيَّة إلى 20 بالمئة، أما أخبار عقد الاتفاقات فوقعت في المرتبة الثانية وكانت بنسبة 50 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، وجاءت بي بي سي عربيَّة بنسبة 33.3 بالمئة في المركز الثاني أما العربيَّة ثالثا بنسبة 16.7 بالمئة. أخبار المفاوضات كانت بنسبة 50 بالمئة في تي آر تي عربيَّة وبنسبة 25 بالمئة في بي بي سي عربيَّة والعربيَّة، وبالنسبة لأخبار الاجتماعات والمؤتمرات كانت بنسبة 50 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، وبنسبة 25 بالمئة بالتساوي في كل من العربيَّة وتي آر تي عربيَّة، وبالنسبة للأخبار ذات الصلة كانت بنسبة 100 بالمئة في تي آر تي عربيَّة خلال فترة الدراسة، وأما الأخبار الأخرى فكانت في العربيَّة بنسبة 100 بالمئة خلال فترة الدراسة. ويستنتج من ذلك أن المحطَّات الثلاثة حملت فروقًا واضحة في جانب الأخبار السياسيَّة الخاصة بروسيا أوكرانيا، فكانت التغطية الإعلاميَّة لصالح أحدهم في جانب ولصالح الأخرى في جانب آخر؛ وذلك يعود بطبيعة الحال لاختلاف السياسة التحريرية بين المحطَّات الثلاثة، وطريقة التعاطي مع الأخبار الواردة.
وكشف أن الأخبار الاقتصاديَّة المتعلقة بالعقوبات الاقتصاديَّة على روسيا احتلَّت المرتبة الأولى، وكانت بنسبة 57.1 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، وبنسبة 28.6 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، و14.3 بالمئة في العربيَّة، بينما جاءت الأخبار المتعلقة بأثر الحرب على احتياجات السكان في البلدين، في المرتبة الثانية، بنسبة 60 بالمئة في تي آر تي عربيَّة و40 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، أما الخبر المتعلق بأثر الحرب على العملات والذهب فقد جاء بنسبة 100 بالمئة عبر تي آر تي عربيَّة. فيما كان تناول العربيَّة في نشرتها المخصصة في الدراسة قليلًا للجانب الاقتصادي بشكل عام..
وأشار الشبلي إلى أن الحيادية في تحرير الخبر في نشرات أخبار المحطَّات الثلاثة حول الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة؛ جاءت في الأغلب بين الحيادية وغير الحيادية بطريقة غير مباشرة، مع فارق بسيط للحيادية، حيث بلغت نسبته 47.4 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، و29.8 بالمئة في العربيَّة و22.8 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، أما غير الحيادية فكانت بنسبة 52.7 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، و29.1 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، و18.2 بالمئة في العربيَّة. وهنا يتبين أن قناة بي بي سي كانت تحاول دومًا أن تزيد في نسبة التحرير غير الحيادي للأخبار بطريقة غير مباشرة، فيما كانت قناة تي آر تي عربيَّة الأكثر محاولة للالتزام بالحياد، فيما حاولت العربيَّة أن تتوسط في تقديم ما هو حيادي على ما هو غير حيادي في التحرير الإخباري؛ ويعود ذلك بحسب الباحث لتباين هامش السياسة التحريرية في كل محطة وقرب كل منها من الحدث، وتأثيره عليها.
ورأى أن أبرز الأساليب التي لجأ إليها القائمون على صناعة نشرة الأخبار في المحطَّات الثلاثة كانت العقلانية بنسبة وصلت إلى 38 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، و31 بالمئة في بي بي سي و العربيَّة بالتساوي، فيما كانت الاستمالات الوجدانية بالمركز الثاني بنسبة 55 بالمئة في تي آر تي عربيَّة، مقابل 38 بالمئة في بي بي سي عربيَّة، مقابل 7 بالمئة في العربيَّة، أما دمج أكثر من نوع فكان بي بي سي عربيَّة في الصدارة بنسبة 59 بالمئة وجاءت تي آر تي ثانيًا بنسبة 23 بالمئة فيما كانت العربيَّة الثالثة بنسبة 18 بالمئة، أما استمالت التخويف فظهرت في بي بي سي عربيَّة بنسبة 100 بالمئة مع غيابها في العربيَّة وتي آر تي عربيَّة خلال فترة التغطية. ويستنتج من ذلك أن الاستمالات العقلانية كانت الأكثر في المحطَّات الثلاثة بهدف مخاطبة الجمهور بأمور عقلانية، بعيدًا عن أي استمالة أخرى، لكن ذلك لم يمنع من استخدام الاستمالات العاطفية ودمج أنواع عديد مع بعضها بغرض تحقيق أهداف تحريرة معينة، تخدم السياسة التحريرية لكل محطة.