"تكنولوجيا الألوان" يكشف أسرار علاقة الإنسان بالألوان

كتاب عبدالفتاح غنيمة يتناول فلسفة وتكنولوجيا الألوان وعلاقاتها بحياة الإنسان من مأكل وملبس وسكن ومرض وصحة وفن وإبداع.
قوائم الألوان تختلف من لغة إلى أخرى، ومن عصر إلى عصر، في داخل اللغة الواحدة
من أهم قوائم الشيوع تلك القائمة التي أعدها أيفانز بولين على الألفاظ الواردة في 17 قصة باللغة الإنجليزية

تفتقر المكتبة العربية لمراجع متخصصة تكون وقفا فقط على الألوان الطبيعية والصناعية بدلا عن تواجدها مبعثرة بالعربية في كتب أو مؤلفات أو مراجع علوم النبات والكيمياء والطب والصيدلة والصناعات المختلفة، على الأخص علاقة الألوان بالإنسان في مأكله ومدواته وملبسه ومسكنه، وفيما يتجمل به من مواد الماكياج التي تلامس أعضاء جسمه المختلفة خاصة أجزاء الوجه: الفم والشفاه والعين. 
وهذا الكتاب لأستاذ الفلسفة وعلم الجمال اللوني د.عبدالفتاح مصطفى غنيمة "تكنولوجيا الألوان في حياة الإنسان" يتناول فلسفة وتكنولوجيا الألوان وعلاقاتها بحياة الإنسان من مأكل وملبس وسكن ومرض وصحة وفن وإبداع، متطوفا على ثقافات علمية متنوعة شملت الكيمياء وتاريخها وعلوم الأرض "الجيولوجيا" وبعض المعلومات المشتقة منها، وعلوم الحياة كالحيوان والنبات والحشرات وغيرها.
يرى غنيمة أن قوائم الألوان تختلف من لغة إلى أخرى، ومن عصر إلى عصر، في داخل اللغة الواحدة. ولعل من أهم قوائم الشيوع تلك القائمة التي أعدها أيفانز بولين على الألفاظ الواردة في 17 قصة باللغة الإنجليزية وها هي مرتبة حسب مرات ترددها: أبيض، أسود، أزرق، أحمر، رمادي، أخضر، بني، أصفر، وردي "زهري"، أرجواني، برتقالي، قرمزي، بنفسجي، أشقر، موف، أسمر مصفر، أحمر أرجواني أرجواني أسمر، أسمر محمر، نيلي، برتقالي مصفر، أحمر كرزي، خمري، كاكي. وهناك ألفاظ ألوان أخرى وردت في قوائم أخرى ترتبط بالملابس والأزياء مثل السماوي، والعاجي، والقمحي والزيتي، والكحلي والكستنائي والجيري. إلا أن الألوان الأبيض والأحمر والأسود والأخضر والأصفر هي الأكثر استخداما وشيوعا في كل لغات العالم.

الصبغات تكون أقل عطاء بسبب التركيب المعقد لأنسجتها التي توجد فيها هذه الألوان أو بسبب أن الصبغة تكون تحت ظروف حرجة من النمو أثناء دورة حياتها المعقدة

ويضيف "وقد تطرأ صفة الاسم كأن يقال في المرأة وجه مشبع بالحمرة أو وجه مشرق، مضرج بالدماء مورد، مفدم، ملهب، مفضض، ووجه حالك السواد، وشعر فاحم وفم زاهر.. وللدلالة على المبالغة في الوصف يقال خدود أرجوانية وردية، أو أن يقال عيون حور وحوراء، والعيون أكل أو أدكن ، وفي العامية المصرية يقال حمار الخد، وصفار الوجه، وخضار العينين، وسمار السحنة، وسواد العيون، وضحكة صفراء وعين صفراء (الحقودة الحاسدة) والسراية الصفراء "لمرضى العقول"، حمراء الشدقين "لكبار السن". أظهرت العين الحمراء "للتهديد والوعيد"، نابها أزرق "ماكرة"، أزرق وشمها "أغمي عليه" وخضراء الدمن (المرأة الحسان في منبت السوء)، زي القمر (المرأة البيضاء).
ويلفت غنيمة إلى أن العين يمكن أن تميز حوالي 180 درجة من اللون لا يستطيع الشخص العادي أن يعطي لها أكثر من 30 لفظا، وللإحساس باللون شروط يعود بعضها إلى عوامل داخلية في جسم الإنسان والحواس. وبعضها يعود إلى مقدار الضوء الداخل إلى العين الرائية. وهناك نظرية الإبصار الثلاثي للون أو نظرية العناصر الثلاثة التي يقدمها الإنجليزي توماس يونج في القرن التاسع عشر وقام بتعديلها هلمهولتز وتقول بوجود ثلاث عمليات ميكانيكية لإدراك الألوان، واحدة لكل لون من الألوان الثلاثة: الأحمر والأخضر والأزرق، وتتم هذه العمليات في شبكية العين، وقد أثبتت كثير من الأبحاث صحة هذه النظرية.
ويكشف أنه لا توجد إحصاءات بألفاظ الألوان في اللغة العربية ومجموع ما ورد في كتاب معجم الألوان لعبدالعزيز عبدالله: 350 لفظا لونيا. ويقول "عمدت العرب إلى نواصع الألوان فأكدتها، فقالت أبيض يقق، وأبيض أزهر، وأسود حالك، وأحمر قاني وأصفر فاقع، وأخضر ناضر. والألون الأساسية في اللغة العربية تسعة وهي أبيض وأسود وأحمر وأخضر وأصفر وأزرق وأزرق وأدكن (بني)، وأرمد (رمادي)، وأسمر، ولا يوجد لفظ من ألفاظ الألوان يؤدي مدلوله بدقة. وتوسعوا في استخدام اللون الأحمر وعددوا من درجاته، ومن بعده اللون الأسود. فمن درجات الأسود: أدعج، أدجن، أدلم، أدغم، أدهم، أسحم، فاحم، فحيم، بهيم، حالك، علجم، سخام، أسخم، دحسان، غربيب، دجوجي، دجداج، وأسدف (لمياء زنجية).
وحول علاقة الإنسان بالألوان في الأطعمة يرى غنيمة أن وقع العين على الطعام ينبئ عن مذاقه ونكهته في كثير من الأحيان، إن المنظر اللوني يحدد مدى القابلية للطعام، فنحن نتجنب رؤية الخضار الذي اعتراه الذبول أو الفاكهة المعطوبة أو اللحم الفاسد أو الطعام الذي طالت مدة طهيه (بدليل تغير اللون)، إن الانسجام بين اللون أو النكهة توأمان متلازمان في الأطعمة وعليهما يتوقف مدى القابلية للطعام. كذلك توجد علاقة بين المذاق الحلو في الطعام ولونه فقد وجد أن الحلاوة في الطعام تزداد من 2 ـ 12% كلما زاد اللون الأحمر في الفراولة، وعملية الطهي المراد منها أيضا المحافظة على القيمة الغذائية للطعام إلى جانب المحافظة على اللون فمثلا العصيدة أو الفطائر أو الحلويات يضاف إليها البيض المضروب.

ويشير إلى تأثير الضوء على ألوان الأجسام قائلا أن الفنان الفرنسي الشهير مونيه برهن للملأ أن الأجسام الطبيعية كلها مكسوة بجلباب من النور يرقص ويتلألأ، وأن اللون المركزي للأشياء الذي نظنه ثابتا، إنما هو في الواقع غير ثابت بل هو يتغير من ساعة إلى ساعة ومن لحظة إلى أخرى، كما تتغير ألوان ظلاله بالنسبة لألوان النور، وأن هذه الأجسام تعكس نور الشمس وألوانها في تلك اللحظة على المجاورة على الجسم الأول ما تبقى لها من الأشعة وما وصل إليها من الانعكاسات. وبرهن مونيه أيضا أن العالم كله في عراك مستمر لا يقف عند حد، وأنه لا حدود تفصل الأشياء بعضها عن بعض بل العالم كله في انحلال واشتباك ذري منوط بالشمس.
ويؤكد غنيمة أن التصوير هو الفن المعبر عن أجمل مظاهر الكائنات في شكل ولون، فبينما الشكل في ذاته يدل على كيان الموجود، نجد اللون يزيد من قوة إحساسنا بوجود الشكل ويؤثر على كيانه، لذا يجب علينا ملاحظة أن اللون يساعد بقدر تنوع درجاته على إثبات الشكل وتوضيحه.
وتمتاز عين الفنان الذي يستعمل اللون بسلامة ودقة حاستها المميزة لقيم ألوان الأجسام المتأثرة بالضوء، والحركة من خلال ظواهر الانعكاسات والأمواج الضوئية، هذا من الناحية الفيزيائية، أما من الناحية الكيميائية فيلزم للمصور الإلمام التام بطبيعة المركبات وخاصية كل مركب منها حتى يسهل عليه استعمال الألوان التي لا تتأثر مع مرور الوقت بفعل الضوء والحرارة والعوامل الجوية، ومقدار صلاحية اللون عند مزجه بلون آخر.. فاللون الأبيض مثلا إذا رغب الفنان في استعماله وخاصة الأبيض الناصع الزاهي فعليه استخدام أكسيد التيتانيوم. وأما إذا رغب في استعمال اللون الأبيض المائل قليلا إلى الرمادي فعليه استخدام أكسيد الزنك، وإذا رغب في درجة الأبيض بينهما عليه استخدام كبريتات الماغنيسيوم.
ويوضح أن ثورة الهندسة الوراثية وتقنية زراعة الخلايا والأنسجة سوف تضيف عشرات المركبات الطبيعية الملونة، سواء بزيادة الإنتاجية التي بلغت في بعض الحالات أضعاف أضعاف ما هو معروف من الألوان الطبيعية، أو ما يمكن أن تسفر عنه التوليفات الحيوية داخل المورثات "الجينات" من أكوام هذه المعلومات ذات الأهمية العلمية البحتة أو التطبيقية الصناعية الاقتصادية. وعلى الرغم من التقدم المذهل في التقنية الحيوية ونقل المورثات في مختلف مجالات علم الحياة "البيولوجيا"، فإن إنتاجية المورثات في أنواع معينة من الكائنات تفوق في مدى تقبلها لاستغلال غيرها من موروثات أخرى ـ ففي مجال ملونات الأغذية نجد أن البكتريا ووحيدات الخلية من الفطريات البسيطة والطحالب الخضراء والزرقاء والحمراء والذهبية وغيرها. وكذلك العوائق الحيوانية ـ هذه الكائنات يظن أنها سوف تكون مصدرا اقتصاديا مستمرا للألوان الطبيعية ـ ونجد أن الصبغات في الكائنات الأكثر رقيا في الحيوانات والنباتات الزهرية ذات البتلات الملونة بكل الألوان الطبيعية الرائعة والفطريات بألوانها الخضراء والزرقاء والسوداء والبيضاء وغيرها المعقدة، تكون أقل عطاء بسبب التركيب المعقد لأنسجتها التي توجد فيها هذه الألوان أو بسبب أن الصبغة تكون تحت ظروف حرجة من النمو أثناء دورة حياتها المعقدة.