تناقض مواقف اتحاد علماء المسلمين تجاه ثورات الشعوب

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة تتبع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقد قام بتأسيسه الشيخ يوسف القرضاوي في عام 2004 وظل يترأسه حتى عام 2014 حيث تم استبداله بالمغربي أحمد الريسوني.

بقلم: بابكر فيصل

دخلت انتفاضة السودانيين ضد نظام الإخوان المسلمين ورئيسه الجنرال عمر البشير أسبوعها الثالث، وما تزال التظاهرات والمواكب الجماهيرية تجتاح المدن والقرى في مختلف أنحاء البلاد مطالبة بسقوط النظام الاستبدادي، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود وأورث أهله الحروب والجوع والغلاء حتى باتوا عاجزين عن شراء رغيف الخبز.

وفي أوج تصاعد المقاومة الشعبية خرج علينا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، بتصريح غريب عبَّر فيه عن قلقه لما يجري في السودان ودعا "الحكومة والمتظاهرين إلى الالتزام بحرمة القتل والتخريب والإفساد"، كما حث الجانبين على "احترام الإنسان وحقوقه، والتعبير عنها بجميع الوسائل السلمية المعروفة" وأشار إلى "ضرورة تشكيل مجلس من ممثلي المتظاهرين والحكومة لحل الأزمة".

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة تتبع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقد قام بتأسيسه الشيخ يوسف القرضاوي في عام 2004 وظل يترأسه حتى عام 2014 حيث تم استبداله بالمغربي أحمد الريسوني.

إن النظرة الفاحصة لتصريح قرداغي تبيِّن بجلاء التحيز الأيديولوجي لاتحاد علماء المسلمين لصالح النظام السوداني إذ أنه يساوي بين الجلاد والضحية ويضعهما في كفة واحدة حينما يدعو الشعب والنظام "للالتزام بحرمة القتل والتخريب والإفساد"؛ رغم أنه يعلم تمام العلم أن الذي يقتل ويخرِّب هو الطاغية عمر البشير الذي حصد رصاص زبانيته وميليشياته أرواح أكثر من أربعين متظاهرا حتى الآن، وتسبب في جرح المئات كما احتضنت معتقلاته الآلاف من المشاركين في الاحتجاجات.

وكذلك فإن قره داغي يُدلس الحقائق عندما يحث الجانبين على احترام "الإنسان وحقوقه"، فهو يعي كل الوعي أن الذي ينتهك حقوق الإنسان هو النظام الفاسد وليس المتظاهرين الأبرياء الذين خرجوا للمطالبة بالخبز والحرية التي ظل ينتهكها الطاغية المُطارد من قبل المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب والإبادة في دارفور.

ظل جنرال السودان يحكم البلاد لمدة ثلاثين عاما بواسطة الأجهزة الأمنية والقمعية والمليشيات المسلحة، وقد استمر نظامه يشكل حضورا دائما في سجلات انتهاكات حقوق الإنسان لدى المنظمات الدولية والأمم المتحدة والجماعات الحقوقية، حيث تسبب في قتل أكثر من 300 ألف مواطن في دارفور، ونزوح الملايين، إضافة للعديد من الانتهاكات التي لم يكن آخرها قتل أكثر من 200 متظاهر في انتفاضة سبتمبر/أيلول 2013 التي خرجت منددة بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.

كذلك يواصل الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين في تدليسه وتشويشه على الحقائق عندما يطالب بتشكيل مجلس مشترك من النظام والمتظاهرين لحل الأزمة، فهو يعلم جيدا أن ما يدور في السودان ليس مجرد أزمة عابرة، بل ثورة عارمة تجتاح البلاد وتدعو لاقتلاع النظام العسكري الدكتاتوري الفاسد، ولا يمكن اختزال الأمر في مجرد مشكلة طارئة يمكن حلها بالتوافق بين الطرفين.

خرج آلاف من السودانيين للشوارع في جميع أنحاء الوطن مطالبين بزوال النظام الذي صادر الحريات وأفقر الشعب وشرد الملايين من أبنائه في المنافي، وبدد ثروات البلاد الهائلة في الفساد والصرف البذخي على الطبقة المتحكمة في شؤون الحكم. كما أن سياساته الفاشلة أدت إلى انفصال جنوب السودان وتأجيج نيران الحرب الأهلية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وبالتالي فإن أية نظرة لا تأخذ هذه الأمور في الحسبان وتحاول التقليل من شأن ما يدور في السودان تعتبر على أقل الفروض قاصرة إن لم تكن مغرضة.

ويتضح التحيّز الأيديولوجي في تصريح داغي بصورة أكثر جلاء عندما نعقد مقارنة بين الموقف الذي اتخذه اتحاد علماء المسلمين من نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وموقفه اليوم تجاه نظام عمر البشير.

أصدر القرضاوي وداغي بيانا ممهورا بتوقيعهما إبان الثورة الليبية قالا فيه "يؤيد الاتحاد العالمي مطالب الشعب الليبي ويقف معها"، وندد البيان بالأعمال الإجرامية التي وجهت ضد المتظاهرين الذين سقط منهم مئات الضحايا وآلاف الجرحى بالأسلحة الحية، والمتطورة وعن طريق المرتزقة، وترحم على الضحايا بأن "يكتب لهم أجر الشهادة، وللجرحى بأن يشفيهم".

ليس هذا فحسب بل إن الاتحاد دعا النظام الليبي "إلى أن يتقي الله تعالى في هذا الشعب الذي يحكمه منذ أكثر من أربعة عقود، ويترك لهم المجال لاختيار تقرير مصيرهم بأنفسهم، والقيام بالإصلاحات الجذرية المطلوبة"، وإلى "إطلاق سراح المعتقلين وبخاصة سماحة العلامة الشيخ صادق الغرياني فورا".

طالب الاتحاد أيضا "الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر، ومؤسسات المجتمع المدني وجميع الشرفاء بالعالم للوقوف مع حق الشعب الليبي في التظاهر السلمي والمطالبة بحقوقه، وإلى حمايتهم بكل الوسائل المشروعة"، ودعا الجيش الليبي لحماية المتظاهرين ووقف المظالم وحقن إراقة الدماء.

من الجلي أن موقف اتحاد علماء المسلمين قد تم توظيفه أيديولوجيا لخدمة المصلحة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فعندما كانت الجماعة معارضة لنظام القذافي أدان الاتحاد بوضوح الجرائم المرتكبة في حق المتظاهرين من قبل السلطة، ولكنه لم يفعل ذات الشيء في تصريحه حول ثورة السودان، حيث وضع القاتل والمقتول في كفة واحدة وطالب المتظاهرين العُزّل بالامتناع عن القتل بينما القاتل معروف لديه وهو النظام وميليشياته المسلحة التي استخدمت الرصاص الحي لقتل المتظاهرين السلميين.

كذلك لم يتجرأ الاتحاد على مطالبة الطاغية عمر البشير بترك الشعب السوداني يقرر مصيره، ولم يدعه لإطلاق سراح مئات المعتقلين كما فعل مع القذافي، كما عجز عن مخاطبة الجيش السوداني بضرورة التدخل لمنع القتل المجاني للمتظاهرين من الشباب الأعزل الذي خرج مطالبا بحريته وحقه في العيش الكريم.

لم يكن موقف اتحاد علماء المسلمين مفاجئا فقد جاء متسقا مع توجهات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والدول التي تسانده، حيث كانت دولة قطر وأميرها، تميم بن حمد، أول الدول التي أعلنت مساندتها لموقف الجنرال البشير في مواجهة ثورة شعبه، وكذلك لم يتأخر الحزب الحاكم في تركيا عن إعلان تأييده للطاغية في حملة القمع التي يشنها على المتظاهرين السلميين.

وبذلك يتضح أن كثيرا من المؤسسات الدينية التي تحمل صفة إسلامية، هي في حقيقتها منظمات تخدم أجندة سياسية لجماعات أيديولوجية هدفها الأخير الوصول للسلطة وليس خدمة الدين، وبالتالي فإننا لا نجانب الصواب إذا صححنا تسمية المؤسسة التي تناولناها بالنقد في هذا المقال لتصبح "الاتحاد العالمي لعلماء الإخوان المسلمين" وهو الاسم الذي يتلاءم مع طبيعة الأهداف والدور الذي تقوم به.

عن الحرة