تنظيم الدولة الإسلامية.. ونساء الخلافة

دمج النساء ضمن العمل الاستشهادي من داخل التنظيم حتى أصبحت المجاهدات جزءاً من منظومته الجهادية.

بقلم: عبد الغني عماد

 حضور المرأة في تنظيم الدولة الإسلامية على صعيد المناصب القيادية العليا، كان غائباً على الرغم من وجود أدوار فاعلة لها في مجال الوظائف الإدارية واللوجستية في دواوين عديدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرأة في تنظيم الدولة، أو حتى في القاعدة وغيرها من الفصائل والتنظيمات الإسلامية، تمتلك رؤية لا تختلف عن رؤية الذكور في تحديد أدوارها، فهي تنطلق من مرجعية حددتها الشريعة الإسلامية مع فارق أساسي يتعلق بتأويل الموقف من الجهاد وتحديد العدو ووسائل التعامل معه، وهنا تتطابق أطروحة النسائية الجهادية مع نظرة الجهادية الذكورية بادعائها أنها تحتكم إلى مرجعية إلهية تتعالى على الذكورة والأنوثة وتحدد الأدوار والوظائف. وفي سياق بيان دور المرأة والمرجعيات الفقهية والعقدية المحددة لدورها، أصدرت سرية الخنساء، الإعلامية النسائية في الدولة الإسلامية (3 يناير/ كانون الثاني 2015) وثيقة تأسيسية تضمنت رؤيتها وتصورها لمسألة المرأة وأدوارها، وهي إذ تنطلق احتفاءً بعودة الخلافة التي أنهت زمن التيه الذي عاشته أجيال المسلمين منذ عقود طويلة، تتحدث عن المرأة والرجل اللذين يخضعان لمعايير شرعية ومرجعية إلهية.

تتناول الوثيقة مجموعة مفاهيم وقضايا متعلقة بالحقوق والواجبات بالنسبة للمرأة، ومنها المرأة والحجاب باعتباره أصل الحقوق وأساس الهوية وتتحدث عن المرأة والأمن والعدل، وتقدم مقارنة بين السعودية والدولة الإسلامية في إيران، لأن كلا الدولتين تدعيان تطبيق الشريعة وتستندان إلى المرجعية ذاتها المتمثلة بالمدرسة السلفية الوهابية، معتبرة أن ما يجري في السعودية من تعليم وابتعاث إلى الخارج ودعم القنوات الفضائية الفاسدة، إنما يعزز التغريب وثقافته. وتختم بتوجيه رسائل للنساء المسلمات اللواتي يعشن تحت ظل الخلافة، بأن يؤدين واجبهن تجاه الدولة بتنشئة أبناء الخلافة على التوحيد الخالص وبناتها على العفة والحشمة، “حتى يخرج لنا حراس العقيدة وحماة الأرض والعرض”.

تموضعت المرأة الجهادية بصورة أساسية داخل هياكل الجهادية العالمية من القاعدة إلى الدولة الإسلامية في صلب المؤسسات الأيديولوجية والدعائية، ذلك أن هذه المؤسسات تعتبر مرتكزاً أساسياً في التجنيد والاستقطاب والتعبئة، وهي أدركت مبكراً أهمية الإعلام وخصوصاً مع ثورة الاتصالات وظهور الإنترنت والعولمة، فبدأت منذ 2001 بتنمية اهتماماتها وخبراتها بهذه التقنيات لنشر رسالتها الأيديولوجية وأصبح مفهوم “الجهاد الإلكتروني” راسخاً في أدبيات الجهادية العالمية الإعلامي، فأنشأت لذلك مواقع ومنتديات ومراكز إعلامية مثل “مؤسسة السحاب” التي تتبع التنظيم المركزي ومركز “صوت الجهاد” الذي يتبع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ثم ظهرت مؤسسة “صدى الملاحم” عقب اندماج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية. وقامت هذه المؤسسات بإصدار كتب ومجلات إلكترونية عديدة مثل “صوت الجهاد” و”التيار” و”ذروة السنام”. أما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فأنشأ “مؤسسة الأندلس للإنتاج الإعلامي”، إلا أن تلك المؤسسات لم تتضمن مساهمات نسائية بارزة، فعدا عن صدور عدد وحيد من “مجلة الخنساء” ثم مجلة نسائية بعنوان “الشامخة” عام 2011 لم يسجل حضور بارز.

استطاع تنظيم الدولة تشكيل خطاب إعلامي جذب انتباه الإعلام الدولي بشكل لم تستطع أي مجموعة جهادية القيام به من قبل، فقد اعتمد استراتيجية إعلامية يديرها وينفذها مجموعة من المحترفين والمتخصصين في مجال الإعلام المعولم نجحوا في إخراج مجموعة من الأعمال ذات جودة عالية في فن التصوير والإخراج، تركت تأثيراً كبيراً في عملية التعبئة والتحريض والتجنيد.

لعبت مؤسسة الفرقان ثم مؤسسة الاعتصام ومركز الحياة ووكالة أعماق ومؤسسة البتار، ومؤسستا دابق والخلافة فيها أدواراً حساسة ومؤثرة، هذا فضلاً عن مؤسسة أجناد ومؤسسة الغرباء للإعلام ومؤسسات أخرى مثل الصقيل والوفاء والوكالات التي تتبع الولايات والمناطق، وقد صدر بعض إنتاج هذه المؤسسات بلغات أجنبية فضلاً عن اللغة العربية. وقد كانت أدوار النساء فيها مهمة في خلق زخم إعلامي متدفق في ترويج أفكار “الخلافة” ونشر رسالتها الأيديولوجية، ولعبت فيها سرية الخنساء الإعلامية، والتي أدمجت في ما بعد مع سرية حفيدات عائشة عام (2015) والتي كان لها دور متميز على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

أما أم سمية المهاجرة فهي من أكثر الشخصيات شهرة، ويرجح أنها أوروبية من أصول مغاربية، وكانت تكتب في مجلة دابق بشكل دائم، وتدافع بشراسة عن أكثر فتاوى التنظيم إثارة للجدل، ومقالها الشهير الذي تدافع فيه عن سبي النساء الكافرات (الأيزيديات وغيرهن) بعد صدور فتوى عن التنظيم تبيح ذلك يعد أنموذجاً لهذه الكتابات، إذ كتبت مقالاً بعنوان “أسبايا أم بغايا؟” تدافع فيه عن السبي وتعتبره حكماً شرعياً كان مطبقاً في الإسلام بإجماع الفقهاء[3]. وكذلك مقالها عن الهجرة إلى أراضي الخلافة وخصوصاً من الدول التي تعتبر دار كفر “شقائق المهاجرين” حيث تستعرض آراء الفقهاء وترد على فتاوى المعارضين. وتذهب في مقالها “لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلون لهنّ” بعد أن أصدر تنظيم الدولة فتاوى بتكفير فصائل الثورة السورية وخصوصاً جبهة النصرة، إلى مطالبة زوجات مقاتلي هذه الفصائل بترك أزواجهن بذريعة الكفر الموجب للتفريق بين الأزواج.

سوف يتزايد عدد المنخرطات من الجهاديات المخضرمات في الأجهزة الشرعية والإعلامية للدولة الإسلامية، وخصوصاً من اللواتي يتوافرن على تاريخ جهادي سابق، واللواتي هاجرن إلى أراضي الخلافة في سوريا والعراق من بلاد شتى، أمثال ندى معيض القحطاني التي لقبت نفسها بـ”أخت جليبيب” تذكيراً بشقيقها جليبيب عبدالهادي القحطاني الذي سبقها إلى سوريا، وظهرت أسماء نسائية كثيرة تشير كتاباتهن وألقابهن إلى انتمائهن إلى بلدان متعددة، وخصوصاً من السعودية وتونس ومصر والعراق، أصدرن مجموعة من الكتب والأبحاث والدراسات التي تصب في مجال الدعوة الأيديولوجية للدولة الإسلامية، أمثال “إرهاب القحطانية” و”ماوية العدنانية” و”أم نسيبة ندى الخلافة” و”أم مارية العراقية” و”أم عمارة العراقية” و”أم السمع القرشية” و”أم عمارة الوزيرة” و”أم أسيد الغريبة”.

شكل التنظيم جيشاً إلكترونياً نجح في مواجهة إغلاق آلاف الحسابات التي تتبع له، فالتنظيم الذي ينشط على مواقع “فيبسبوك” و”تويتر” أصبح بالإضافة لهما يعتمد على تطبيق “تلغرام” لاعتماده السرية، وفيه ظهرت مجموعة كبيرة من الجهاديات الافتراضيات بأسماء حركية، وصدر بيان جماعي ضم قرابة (200) جهادية على الشبكة العنكبوتية تدين البيعة للبغدادي كخليفة للمسلمين.

كذلك لعبت كتيبة الخنساء والمرأة المحتسبة أدواراً هامة، إذ يعتبر ديوان الحسبة من المؤسسات الهامة في الدولة الإسلامية لارتباطه بتفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فالحسبة وظيفة إدارية يعرف متوليها باسم المحتسب، وتقع عليه مهمة حفظ الأمن ومراقبة الأسواق والآداب العامة، وقد لعبت المرأة دوراً هاماً في هرميته من خلال “كتيبة الخنساء”، كانت وظيفتها التفتيش والتدقيق بالحواجز والسيارات التي تقع في نطاق الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم. تطورت كتيبة الخنساء بعد السيطرة على الموصل في (يونيو/ حزيران 2014) وأصبحت جزءاً من ديوان الحسبة، وتوسع نطاق عملها ومهامها ووظائفها.

تشرف على إدارة كتيبة الخنساء مجموعة من النساء المهاجرات من دول عديدة (أوروبية وعربية وإسلامية) بالإضافة إلى النساء المحليات (من العراق وسوريا) ومنهن أم الريان وتعرف أيضاً بأم مهاجر، وهي المرأة الأقوى في التنظيم، وهي مهاجرة تونسية زوّجت ابنتها إلى قياديين في التنظيم ثم أوكل إليها كتيبة الخنساء في الرقة، وقد اشتهرت بقوتها وشراستها وإدارتها الصارمة، كذلك تعتبر السعوديتان ريما الجريش وندى القحطاني من أبرز قيادات كتيبة الخنساء، وقد أشيع أن ريما قتلت في القصف على مدينة الشدادي السورية لكن والدتها نفت نبأ مقتلها، أما ندى القحطاني الملقبة بـ”أخت جليبيب” فتتمتع بنفوذ كبير وعينها البغدادي مسؤولة عن كتيبة الخنساء الميدانية في الرقة، في الوقت الذي تولت فيه ريما الجريش “أم معاذ” مسؤولية كتيبة الخنساء الإلكترونية ومهمة تجنيد الفتيات والنساء.

فيما يختص بالعمليات الانتحارية، فإن النقاش حولها معروف في أدبيات الجهاديين الإسلاميين، فقد بقيت من المسائل المستبعدة والتي يفتي بحرمتها منظرون جهاديون كبار مثل أبي محمد المقدسي، وعبدالقادر بن عبدالعزيز، وأبي مصعب السوري، وحتى ابن لادن نفسه، قبل أن تتم إعادة النظر في جوازها منذ منتصف التسعينيات بتأثير من كتابات أبي عبدالله المهاجر، صاحب الكتاب الشهير “مسائل في فقه الجهاد”. وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أصبحت العمليات الانتحارية معتمدة كاستراتيجية أساسية في هذا المجال، ويعتبر الزرقاوي الأكثر توسعاً في استخدامها، والأول في دمجه النساء ضمن العمل الاستشهادي الانتحاري، ولتنتظم بعد ذلك مع تنظيم الدولة الإسلامية، وتصبح الظاهرة النسائية الجهادية جزءاً بنيوياً في منظومته الجهادية.

ملخص من منشور مركز المسبار للدراسات والبحوث

المرأة والجهاد في فقه الإسلامويين: من الإخوان المسلمين إلى داعش