'تنويعات إيقاعية على الطبل' قصص عراقية تستحضر الحرب
عمان - صدر حدثا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن مجموعة "تنويعات إيقاعية على الطبل" للقاص العراقي زهير كريم المقيم في الدنمارك، وفيها يصوغ سردًا يهيمن عليه حضور الحرب بوصفها الثيمة المركزية، حيث تتعدّد تجلياتها بين مشاهد القتال، والذكريات، والانفعالات النفسية العميقة.
وجاء الكتاب في 133 صفحة، وضم بين جنباته 30 قصة قصيرة؛ سمّاها كريم حركات، وقدم لها بالقول "تشبِهُ الحكاياتُ في هذا الكتابِ قرْعَ الطبول. وهي حركات مستقلة، لكنها في اجتماعها تُشَكِّلُ لحنًا لا ينقطع، بينما ضاربُ الطبلِ يُواصل مهنتهُ، بالحماسةِ نفسها، بالوهمِ نفسه، ومن دونِ أدنى شعورٍ بالملل".
ويُهدي كريم الكتاب إلى ذاته الجندية، مُستحضرًا صدمة الحرب الدائمة التي لم تهدأ على مر السنوات، في إشارة إلى امتداد آثار التجربة النفسية والمعنوية "إلى زهير كريم، الجنديِّ القديمِ الذي يَقرَعُ في رأسِهِ ضاربُ طبل لم تأخُذْهُ على الرغم من كلِّ هذه السنوات سِنةٌ من نوم".
وهذه العتبات الافتتاحية وفق ما نشرته الآن ناشرون وموزعون"، أسهمت في إدخال القارئ إلى جو الكتاب الذي تنقل الكاتب خلاله عبر مفاصل شكلت تاريخ الحرب منذ الأزمان القديمة إلى العراق الحديث الذي شهد حربًا مع إيران امتدت عبر سنوات ثمان، وشهد الكاتب نفسه كثيرًا من أهوالها.
وتتخلل النصوص مشاهد ذات طابع إنساني عميق، تكشف عن هشاشة الإنسان أمام الموت والفقد، كما في إحدى القصص التي يقول فيها: "لم أفهم بالبداية الرطوبة واللزوجة التي اخترقت قميصي وسالت على بطني! كان الدم ينزف من رأسه، لم يقل آه، لم يصدر عنه أيّ رد فعل".
ولا تقتصر المجموعة على الجانب الحربي فقط، بل تمتد كذلك إلى الحب والقدر والخلجات النفسية العميقة للشخصيات التي تتفاعل مع محيطها وأزماتها الداخلية، في بناء قصصي يرصد أثر الحرب في تشظي الذات واهتزاز المعنى.
ويكتب كريم في قصة "الدلو الخشبي" الواردة بمجموعة "تنويعات إيقاعية على الطبل": "تسلَّل جنودُ مدينةِ 'مودينا' إلى داخلِ مدينةِ 'بولونيا'، وفي غفلةٍ من الناسِ سرقوا دلواً خشبيِّا من بئرٍ تحتَ جنحِ الظلام. عادوا صباحاً فاستقبلهم السكانُ بالطبولِ والرقص. اكتشف أهلُ بولونيا العارَ الذي لحقَ بهم، توتَّرتِ الحياةُ وارتفعت صيحاتُ الحماسةِ وكلماتُ الانتقام، عند الظهيرةِ أعلنت بولونيا الحربَ رسمياً. إنَّه شيءٌ يتعلقُ بالكرامةِ أولاً وبالتاريخِ كذلك، هذا مُخْتَصَرَ خطابِ الحاكم. حَشَدوا جيشاً كبيراً لغزو 'مودينا' التي استعدَّتْ هي الأخرى للدفاعِ عن الدلو الخشبي، والتضحيةِ بكل ما تملكُ من أجل الحفاظ على الغنيمة. وكان من الممكن أن تنتهي الحربُ خلال ساعات، أو أنها لا تقع أصلا، ثمة حلٌّ دائما، هذا مؤكد بدون إراقةِ الدماء".
ومن "شجرة الأرقام": "في أحد كتب الأنساب، هناك سيرة محفوظة بحرصٍ شديد، شجرة عائلية مثمرة يسمّونها شجرة الأرقام. أصل هذه التسمية يتعلّق بالجدّ الأول الذي كان اسمه 'واحد'. وواحد هذا عاش في سلامٍ طوال حياته، لكن خللًا ما لم يكن يعلم به، أتلف فيما بعد سيرته، وجعلها مثل كارثةٍ لم يتوقّف الشعور بالفقد بسببها. وبشكلٍ ما، يشبه هذا الخلل فيروسًا استوطن في نسيج الخريطة الجينيّة للسيد واحد، متنقّلًا بانسيابيّةٍ شديدة إلى الأبناء والأحفاد، يحصل ذلك بطريقةٍ ثابتة، لم تحدث فيها خلال سيرة العائلة أيّةُ طفرةٍ وراثية تخالف هذا التواصل الكارثيّ".
وزهير كريم شاعر وقاص وروائي عراقي من مواليد بغداد عام 1965، وصدر له قبل هذه المجموعة: "قلب اللقلق".. رواية، "صالة الجثث".. رواية، "ماكنة كبيرة تدهس المارة".. قصص، "فرقة العازفين الحزانى".. قصص، "رومانتيكا".. قصص، "غيوم شمالية شرقية".. رواية، و"خيوط الزعفران".. رواية.
وتُعد مجموعة "تنويعات إيقاعية على الطبل" إضافة إلى رصيد زهير كريم في مجال القصة القصيرة الذي يتميز بتناول الواقع العراقي من زاوية ذاتية وشعرية تستند إلى معايشة حقيقية وتحويل أدبي رفيع.