توترات العالم تحضر في أجواء كان السينمائي

المهرجان يستضيف حربا غزة وأوكرانيا معبرا عن دعمه لهما بعرض أفلام وثائقية من كلا البلدين على شاشته.

كان (فرنسا) - تجمع الدورة الثامنة والسبعون لمهرجان كان السينمائي التي تنطلق في الثالث عشر من مايو/أيار الجاري عددا من كبار نجوم السينما، ويشهد الحدث تأثرا بترددات الأحداث التي تزعزع العالم راهنا، كسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والحروب هنا وهناك، والانقلاب الكبير جرّاء تنامي دور الذكاء الاصطناعي.

وتَحضر حرب غزة بقوة في مهرجان كان السينمائي من خلال عدد من الأفلام التي تتناولها، من بينها وثائقي قُتِلت الشخصية الرئيسية فيه، وهي مصورة من غزّة، بقصف صاروخي إسرائيلي في منتصف أبريل/نيسان الماضي.

وسيكون عرض الفيلم الروائي الطويل "ضع روحك على كفك وامشِ" أحد أبرز أحداث المهرجان الذي يتوقع أن تُثار فيه مجددا الحرب بين إسرائيل وحماس في القطاع الفلسطيني المحاصر، سواء في المؤتمرات الصحافية أو على السجادة الحمراء، ففي دورة العام الماضي ارتدت الممثلة الأسترالية الأميركية كيت بلانشيت فستانا يحمل ألوان العلم الفلسطيني.

وستكون الكلمات التي ستُلقى بدءا من حفلة الافتتاح الثلاثاء موضع اهتمام ورصد لجهة إمكان تطرُّقها إلى الموضوع، ففي افتتاح مهرجان برلين السينمائي في فبراير/شباط الماضي، نددت تيلدا سوينتون "بعمليات القتل الجماعي" و"ارتكابات لا إنسانية نشهدها بأمّ العين"، ساخرةً من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحويل القطاع "ريفييرا الشرق الأوسط"، من دون أن تشير بشكل مباشر إلى إسرائيل أو غزة.

أما على شاشة المهرجان، فستتاح للجمهور مشاهدة فيلمين روائيين، أحدهما ضمن قسم "نظرة ما" بعنوان "كان يا ما كان في غزة" للمخرجين الشقيقين طرزان وعرب ناصر، وهما غزّيان يعيشان خارج القطاع منذ سنوات، لكنّ أعمالها تتناوله.

وأُدرج في اللحظة الأخيرة ضمن برنامج قسم "أسبوعا المخرجين" فيلم "يس" (Yes) للمخرج الإسرائيلي ناداف لابيد المعروف بانتقاده التوجهات السياسية للدولة العبرية. وتدور قصة الفيلم في إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي عن موسيقي يتولى تأليف نشيد وطني جديد.

وتتوجه الأنظار إلى العرض الأول عالميا لفيلم "ضع روحك على كفك وامشِ" في 15 مايو/أيار الجاري، إذ يُتوقع أن يكون مؤثرا جدا، فهذا الوثائقي للمخرجة الإيرانية سبيده فارسي يتمحور حول "فاطمة حسونة" البالغة 25 عاما ابنة غزة التي كانت تصوّر حياتها اليومية أثناء الحرب.

وفي 15 أبريل/نيسان، علمت الشابة أن الفيلم أُدرج ضمن برنامج المهرجان، ولكن في اليوم التالي، دمّر صاروخ منزلها بالكامل، مما أدى إلى مقتلها مع عائلتها، ولم تنجُ سوى والدتها.

وسيكون عرض الفيلم ضمن فئة "أسيد" (ACID)، وهي الأقل شهرة بين الأقسام الموازية في مهرجان كان، "وسيلة لتكريم ذكرى (الشابة) التي وقعت ككثر غيرها ضحية للحرب"، على ما أكد مهرجان كان السينمائي، معرباً عن "صدمته وحزنه العميق إزاء هذه المأساة التي هزت العالم أجمع". وطلبت منظمات سينمائية إقامة تكريم في هذه المناسبة.

وقالت المخرجة فارسي (60 عاما)، وهي لاجئة سياسية في فرنسا، لوكالة فرانس برس، إنها كانت إلى اللحظة الأخيرة تؤمن بأن حسونة "ستأتي إلى المهرجان، وأن الحرب ستنتهي"، مضيفة "لقد أخطأنا عندما صدقنا ذلك، لأن الواقع تجاوزنا".

ونظرا إلى أن إسرائيل تمنع الصحافيين الأجانب من دخول غزة، بادرت فارسي التي سبق أن صورت فيلما وثائقيا سرا في إيران بواسطة هاتفها المحمول، إلى التواصُل مِن بُعد بواسطة تقنية مكالمات الفيديو مع فاطمة حسونة التي كانت تواظب على نشر صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وسيُقام خلال المهرجان معرض لبعض هذه الصور. وقالت المخرجة إن "ابتسامة حسونة موجودة في كل الفيلم. نظراتها، وعيناها الخضراوان اللتان يتغير لونهما تبعا للضوء… كل هذه اللحظات، لحسن الحظ، مُصوَّرة وستبقى إلى الأبد".

ونقلت سبيده فارسي عن فاطمة حسونة قولها "مرارا وتكرارا إنها توثق هذه الحرب (…) والحياة في غزة أيضا، لتنقلها إلى الآخرين وإلى الأطفال الذين أرادت إنجابهم"، مضيفة "وجدت هذا رائعا، ولكن يا للأسف، هي لن تُرزق أطفالا أبدا".

ويعبّر المهرجان كذلك عن دعمه لأوكرانيا من خلال برنامج خاص يتضمن عروضا لثلاثة أفلام وثائقية يوم الافتتاح الثلاثاء، وفق ما أعلن المنظمون الجمعة، وأوضح هؤلاء في بيان أن "+يوم أوكرانيا+ هذا يتيح التذكير بالتزام الفنانين والمؤلفين والصحافيين تناول هذا النزاع الدائر في قلب أوروبا، والذي تطال آثاره الشعب الأوكراني والعالم منذ ثلاث سنوات".

ويشمل برنامج "يوم أوكرانيا" الذي يقام بالتعاون مع مجموعة "فرانس تلفزيون" ووسيلة الإعلام الفرنسية "بروت" وبلدية كان (جنوب شرق فرنسا) عرض ثلاثة أفلام مخصصة للحرب في قصر المهرجانات، أحدهما عن الرئيس فولوديمير زيلينسكي، والثاني تقرير عن الجبهة صوّره بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2025 المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي، والثالث شريط انغماسي في فصيلة من الجيش لمخرج أفلام وثائقية أوكراني.

وشدّد المنظمون على أن "هذا البرنامج يُذكّر بالتزام مهرجان كان السينمائي وقدرته على تناول قضايا العالم (…) من خلال السينما. ومن خلال تضافر جهود +فرانس تلفزيون+ و+بروت+ ومهرجان كان، تؤكد الجهات الثلاث رغبتها في نقل أصوات أولئك الذين يشهدون على حقائق العصر ويلتزمون الحقيقة".

وأظهر مهرجان كان السينمائي دعمه لأوكرانيا منذ الغزو الروسي عام 2022. وفي مايو/أيار من ذلك العام، ألقى الرئيس زيلينسكي كلمة مفاجئة عبر الفيديو من كييف في الافتتاح، استحضر فيها روح تشارلي شابلن في مواجهة الحرب.

وأعلن المهرجان حينها أنه يرفض إشراك "ممثلين رسميين لروسيا أو هيئات حكومية روسية أو صحافيين يمثلون الخط الروسي الرسمي" ما استمرت الحرب.