
توجه روسي لتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع دمشق
دمشق/موسكو - تتزايد الجهود الروسية لتعزيز التعاون مع السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهي خطوات تساهم في إعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية في سوريا بعد سنوات من الحرب، حيث تسعى موسكو للحفاظ على نفوذها على الساحة السورية بكل قوة، بينما تواجه دمشق تحديات أمنية تواجهها السلطات الانتقالية خاصة استمرار هجمات فلول الأسد.
وتتوجه موسكو بشكل جاد إلى تعزيز العلاقات مع سلطات الشرع، ويبدو أن هناك انفتاحًا من الجانبين لتوثيق التعاون، وهو ما يعكس رغبة روسيا في تأكيد وجودها القوي في سوريا، واستغلال أوراق نفوذها. وتستند في علاقاتها مع دمشق إلى عدة عوامل استراتيجية، أبرزها وجود قاعدتين عسكريتين في منطقة الساحل السوري، وهو ما يمنحها دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار البلاد، رغم التحديات التي يواجهها الشرع في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
وفي سياق متصل، نقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن سيرغي ناريشكين، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، قوله إنه عقد اجتماعًا بناء ووديًا مع ممثل لم تكشف روسيا عن هويته من أجهزة المخابرات السورية. ويعكس الاجتماع الذي جرى في باكو، عاصمة أذربيجان، في وقت سابق، دون تقديم تفاصيل أخرى، التنسيق المتزايد بين الجانبين، بما يعزز مساعي موسكو لترسيخ وجودها في سوريا، سواء على الصعيد العسكري أو الاستخباراتي.
ويُنظر إلى هذا التعاون على أنه خطوة إيجابية في مسار تعزيز الأمن والاستقرار في سوريا، التي عانت من دمار واسع النطاق نتيجة سنوات من الحرب إضافة لتصعيد هجمات فلول النظام السابق خاصة في الساحل السوري. إذ يظل الدعم الروسي هاما لوحدة واستقرار البلاد.
وتمتلك السلطات الروسية علاقات قوية مع الطائفة العلوية حيث تكونت خلال فترة النظام السابق وبالتالي يمكن الاستفادة منها من قبل السلطات السورية الجديدة لتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل التي شهدت اضطرابات.

وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، جهودًا كبيرة خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، حيث حاول تقليص التباين بين سلطات الشرع والسلطات الروسية. كانت المحادثات تهدف إلى تعزيز التعاون بين الطرفين وتعزيز فهم مشترك حول كيفية التعامل مع المرحلة الانتقالية في سوريا، بما يضمن مصالح الأطراف المختلفة في المنطقة. وقد ابدى لارئيس الروسي فلاديمير بوتين دعما لهذا التوجه.
كما شهدت الفترة الأخيرة العديد من التصريحات الروسية التي تعكس اهتمامًا جادًا بتوطيد العلاقات مع حكومة الشرع. وفي هذا السياق، أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمواقف الحكومة السورية الجديدة واعتبرها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. في المقابل، أبدى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، من جهته، استعداد الحكومة السورية للتعاون الوثيق مع موسكو في مجالات متعددة، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي. هذه التصريحات من الجانبين تمثل مؤشرات قوية على توجه موسكو للتعامل مع حكومة الشرع كمفاوض رئيسي في المرحلة المقبلة.
ورغم هذه الجهود الروسية لتوطيد التعاون مع السلطات السورية الانتقالية، إلا أن هناك مخاوف أوروبية متزايدة من أن استمرار هذا التعاون قد يعزز من النفوذ الروسي في سوريا والمنطقة. إذ تعتبر بعض العواصم الأوروبية أن هذا التقارب قد يساهم في زياردة تأثير روسيا في القضايا الإقليمية، خاصة تلك المتعلقة بالمستقبل السياسي لسوريا وبنية العلاقات الإقليمية.
ويخشى ان تعزيز العلاقات بين دمشق وموسكو سينعكس سلبا على جهود رفع العقوبات الغربية على سوريا.
وقد دعت السلطات السورية موسكو لتسليم حليفها الرئيس السابق بشار الأسد حيث يعتقد أن هذه الدعوة قد تكون جزءًا من صفقة سياسية أو مقايضة.
وتظهر الجهود الروسية لتعزيز التعاون مع السلطات السورية الجديدة رغبة موسكو في تأكيد دورها القوي في سوريا والشرق الأوسط. هذه العلاقة، رغم ما تحمله من تحديات، قد تسهم في تعزيز استقرار سوريا إذا جرت إدارة هذه العلاقات بشكل مدروس يتماشى مع تطلعات دمشق ومصالح القوى الكبرى في المنطقة. ومع ذلك، يبقى من المهم مراقبة تطور هذه الديناميكيات، خاصة في ظل التحولات المتسارعة على الساحة الإقليمية والدولية.