ثورة الكادحين على الأيديولوجيا العقائدية

ثروات تُستغل لدعم المليشيات للهيمنة داخل دول ولزعزعة أمن واستقرار دول أخرى مقابل الخنق الاقتصادي الذي يمارس على إيران هو عبارة عن موت بطيء وسيكون أسوأ من الانكماش الاقتصادي الذي عانى منه الإيرانيون بين عامي 2012 و2013.

بقلم: علي محمد الحازمي

يقول كارل ماركس «الطاغية مهمته أن يجعلك فقيراً، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً» هذا باختصار ما يحصل في إيران فالرئيس جعل الشعب فقيراً وشيخ الرئيس «الخميني» جعل هذا الشعب مغيب الوعي لأربعين عاماً تحت مبدأ ولاية الفقيه.

الأوضاع السياسية والاقتصادية الإيرانية المتردية بدأت تُخرج الشعب الإيراني من عباءة الأيديولوجيا العقائدية التي زرعتها الثورة الإسلامية فيهم والقائمة على مبدأ ولاية الفقيه والتي يستمد منها النظام السياسي شرعيته والتخلي عنها يعني فقدان هذا النظام لتلك الشرعية، لذلك ما نراه اليوم من سلسلة المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات المتكررة في إيران المنددة بالأوضاع الاقتصادية التي وصل إليها الشعب والتي حرمته من مقدراته الأصلية ربما تكون بداية النهاية لهذه الأيديولوجيا التي استفادت منها طبقة معينة على حساب غالبية الشعب والتي أدت بدورها أي هذه «الأيديولوجيا» إلى تقسيم الشعب إلى طبقتين: واحدة كادحة وتمثل الأكثرية وأخرى فاحشة الثراء تتمثل في النخب السياسية والنخب العسكرية التي تتحكم في مفاصل الدولة والتي غالباً لا يسكن أبناؤها في إيران إنما تنعم بثروات الشعب المعدم التي تنفقها ببذخ في أفخم قصور أوروبا.

اليوم الانهيار الاقتصادي في إيران الذي بدأ في وقت سابق قبل فرض العقوبات الأمريكية الأخيرة حوّل معظم شرائح المجتمع إلى فقراء لدرجة أنّ المنتجات الإيرانية الرخيصة التي كانت موجودة على موائدهم أصبحت من الترف ولا يستطيع شراءها إلا فئة قليلة. يوجد اليوم تقريباً أكثر من 40 مليون إيراني هم تحت خط الفقر يمثلون أكثر من 50% والعدد في ازدياد مع سريان هذه العقوبات، أما على صعيد انهيار العملة فقد انخفض الريال الإيراني بأكثر من 60% من قيمته مقابل الدولار حيث وصل مستويات لم يعهدها من قبل وذلك بسبب تهافت الشعب على شراء العملة الصعبة بدلاً من الريال الإيراني الذي لم يعد له أي قيمة تذكر، وما زاد الأمر تعقيداً هو مستويات التضخم التي وصلت إليها السلع الغذائية الأساسية حيث زادت بعض أسعار السلع بنسبة 84% وهو الأعلى منذ الثورة الإيرانية في عام 1979 وهذا يعني مزيداً من الصعوبات للمواطن الإيراني للحصول على أبسط مقومات الحياة، إضافة إلى ذلك معدلات البطالة وصلت إلى مستويات قياسية بين الشباب تجاوزت 30%، أما صندوق النقد الدولي فتشير توقعاته المتشائمة إلى أن الناتج المحلي لإيران سيتراجع بنسبة تتجاوز 6% في عام 2019 ولكن هذا الهبوط مرشح للزيادة لأن هذا التوقع كان قبل إلغاء الإعفاءات لبعض الدول لشراء النفط الإيراني.

«السياسات الشيطانية التي تمارسها الحكومة الإيرانية يدفع ثمنها اليوم الشعب الإيراني وحده» أبناء هذه الدولة التي تعد ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك وتملك 15% من احتياطيات الغاز غارقون في وحل الفقر بسبب عدم توجيه إيرادات تلك الثروات الطبيعية لصالح الشعب والتي دأبت على استخدامها لدعم المليشيات الإرهابية لزعزعة أمن واستقرار الدول المجاورة، الخنق الاقتصادي الذي يمارس على إيران هو عبارة عن موت بطيء وسيكون أسوأ من الانكماش الاقتصادي الذي عانى منه الإيرانيون بين عامي 2012 و2013 بسبب العقوبات التي فرضت في تلك الفترة والذي ما زال عالقاً في أذهان الإيرانيين وأيضاً ربما يكون أسوأ من الأوضاع التي تمر بها فنزويلا وزيمبابوي ما لم يصل الطرفان الأمريكي والإيراني إلى اتفاق برحيل هذا النظام الغارق في وهم السيطرة على المنطقة والتحكم في مسارها.

نُشر في عكاظ السعودية