جارة طيبة لإسرائيل

سب إسرائيل وأميركا تقدم كلعبة اللعبة متقنة مثلما هي لعبة البكاء على الحسين.

لعب النظام الإيراني دورا خطيرا في الإضرار بالقضية الفلسطينية متسترا بالشعارات الثورية المتشددة من نوع "الموت لإسرائيل" الذي يلي شعاره العتيد "الموت لأميركا" الذي يبدو أنه قد تخلى عنه.

ظاهريا تبدو اللعبة متقنة مثلما هي لعبة البكاء على الحسين. لعبة صالحة للتصدير وقابلة للتصديق ومن غير ثغرات.

إيران فلسطينية أكثر من الفلسطينيين. بل أنها ترفض أي منطق يدعو إلى السلام على أساس حل عادل. ما تبنته إيران من أفكار عالية الضجيج اعتبرته حركة حماس خيارا نهائيا لها بحيث بدا الأفق مفتوحا على مزيد من الهزائم والخسارات التي دفع الشعب الفلسطيني ثمنها.

إيران في ما تعلنه هي قائدة جبهة المقاومة والممانعة والصمود.

ذلك كله هو في الظاهر غير أن التمعن في النظر إلى الظاهرة عمليا كفيل بأن يصدمنا بحقائق مختلفة، بل ونقيضة.

لقد خصت إيران فلسطين بـ"يوم القدس" الذي تحييه سنويا عن طريق الهتاف بـ"الموت لإسرائيل" الذي صار واقعيا ومن خلال نتائجه أشبه بشعار "لبيك يا حسين" وهما شعاران ارتدا على العرب، أصحاب القضية الأصليين بما جعل منهم العدو التاريخي الذي يجب الاقتصاص منه. 

ومن أجل تنفيذ ذلك القصاص لجأ النظام الإيراني إلى تأسيس فيلق القدس التابع للحرس الثوري.

لم تكن القدس إلا شعارا مضللا، فتلك الميليشيا التي يتزعمها قاسم سليماني قد تمت برمجتها على أساس القيام بمهمات محددة من أهمها الأشراف على تأسيس ورعاية وتمويل وتدريب الميليشيات الطائفية في الدول العربية التي قُدر لها أن تقع تحت الهيمنة الإيرانية.

ولكن ما هي مهمات تلك الميليشيات التي وضعت إيران فيلق القدس في خدمتها؟

إذا ما تعلق الامر بفلسطين فإنها ليست مذكورة في القائمة. بمعنى أن إسرائيل ليست مستهدفة اطلاقا بنشاط ميليشيات يرعاها فيلق القدس الذي لا  يزال متمسكا بفكرة الامام الخميني التي تؤكد أن "الطريق إلى القدس تمر أولا بكربلاء".

واقعيا فإن كربلاء صارت جزءا من الحديقة الخلفية لإيران. لكن ماذا بعد كربلاء؟ هل علينا أن نصدق أن النظام الإيراني يفكر بالقدس؟ وما الذي يمكن أن تنتظره القدس من نظام نشر الفوضى والفتنة والعنف والتخلف والظلام في كل مكان وطأته ميليشياته التي خان أفرادها أوطانهم؟

فيلق القدس يدير الآن دولا هي العراق ولبنان واليمن من خلال عملائه المحليين. يدير تلك الدول كما لو أنها محميات تابعة لإيران. وهو ما يعني أن جزءا من العالم العربي صار تحت الاحتلال الإيراني.

لقد التبس الامر أكثر بسبب التدخلات الإيرانية. فبدلا من أن يفكر اللبناني والعراقي في فلسطين المحتلة صار عليه أولا أن يفكر في وطنه المحتل. فكان من الطبيعي أن يتقدم الخطر الإيراني على الخطر الإسرائيلي.

هناك مَن يقول أن إسرائيل لم تعد تشكل خطرا مباشرا على العالم العربي بعد أن فاقتها إيران في ذلك المجال. وهو كلام واقعي وصحيح.

إيران لم تعن العرب في قضيتهم المركزية بل دمرت تلك القضية حين ساهمت في تدمير دولهم.

على سبيل المثال فإن حزب الله بدلا من أن يكون مشكلة إسرائيلية باعتباره رأس حربة للمقاومة كما يُقال تحول إلى مشكلة لبنانية بعد أن صار يتحكم بحياة اللبنانيين في شروقها وغروبها. اما الحشد الشعبي في العراق وهو أحد فروع الحرس الثوري فإنه يتمدد باستمرار ليستولي على أجزاء حيوية من الدولة العراقية المستضعفة من داخلها. ولا تحتاج حكاية الحوثيين إلى مزيد من الشرح بعد أن أدخلوا اليمن في متاهة حرب أهلية لن يكون النصر فيها أقل تكلفة من الهزيمة.

لقد نجحت إيران في غمر قضية فلسطين بمياه مشاريعها السامة.

كذبت باسم فلسطين وخدعت بسطاء الناس وتاجرت وزايدت غير أنها في حقيقة ما ترمي إليه كانت تزحف لكي تكون جارة طيبة لإسرائيل.