جدّية اميركا مع ايران... سؤال 2019

يمثل العراق الصورة الأقرب الى الواقع الذي يعيشه عدد من دول المنطقة.

في وقت تشرف السنة 2018 على نهايتها، يظهر انّ حال الضياع تعمّ العالم اكثر فأكثر. لم تعد هناك قواعد تتحكّم لا بما يدور داخل الدول نفسها ولا بالعلاقات في ما بين الدول. لكنّ الأخطر من ذلك كلّه، على الصعيد الإقليمي، هو ظهور مدى قدرة الميليشيات المذهبية على التحكّم بمصير دول عربية معيّنة في خدمة المشروع التوسّعي الايراني.

في العام 2017 تكرّس وجود الميليشيات المذهبية التي تدور في فلك ايران في غير دولة عربية. في العراق وسوريا ولبنان واليمن. يمثّل العراق مثلا صارخا على الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الايراني وذلك في ضوء الاجتياح الاميركي للبلد في العام 2003، في عهد جورج بوش الابن، وتسليمه العراق على صحن من فضّة الى ايران. فاق الفشل الاميركي في العراق كلّ تصوّر، نظرا الى ان إدارة بوش الابن لم تكن تمتلك تصورا سياسيا واستراتيجيا واضحا لمرحلة ما بعد اسقاط نظام حسين من جهة والنتائج التي ستترتب على حلّ الجيش العراقي من جهة أخرى. لا يزال التصرّف الاميركي تجاه العراق لغزا لا يجد من يشرح خباياه.

لم يعد سرّا ان هذه الميليشيات الايرانية تقف عثرة امام اكتمال تشكيل الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي. لم يعد من خيار آخر امام عبدالمهدي سوى اختيار فالح الفياض وزيرا للداخلية على الرغم من كلّ ما يمثله الرجل على صعيد نقل التجربة الايرانية الى العراق. ففالح الفيّاض هو زعيم ميليشيات "الحشد الشعبي". ليس "الحشد" سوى مجموعة من الميليشيات المذهبية تعمل لدى ايران. لعبت هذه الميليشيات دورها في كلّ ما من شأنه ترسيخ الشرخ المذهبي في العراق وصولا الى فرض الفيّاض وزيرا للداخلية. كيف يمكن لزعيم مجموعة من الميليشيات ارتكبت كلّ انواع التطهير، من منطلق شيعي - سنّي ان يكون وزيرا للداخلية؟ عندما يعترض مقتدى الصدر على توزير زعيم مجموعة من الميليشيات يصبح الرجل على حقّ. تصبح مغفورة له كلّ خطاياه بما في ذلك تلك التي ارتكبها في مرحلة معيّنة كان فيها في الحضن الايراني. يبدو ردّ فعل مقتدى الصدر الذي تقدّم حزبه الأحزاب الأخرى في الانتخابات الأخيرة ردا سليما. هناك رجل دين عراقي ينتمي الى عائلة عربية شيعية بارزة استفاقت عراقيته، اي شعوره الوطني. تحوّل الى ما يشبه حصنا أخيرا يقف في وجه تعميم تجربة "الحرس الثوري" الايرانية كي لا تكون في العراق سلطة أخرى غير تلك التي تمثلها مؤسسات الدولة. لا يزال في العراق من يرفض ان تكون الدولة فيه تدار من طهران. رفض حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق المنطق الايراني. اعلن بطريقة او بأخرى ان العراق سيراعى مصالحه اوّلا عندما يتعلّق الامر بالعقوبات الأميركية المفروضة على طهران. دفع العبادي ثمن موقفه من ايران ولا يزال الى الآن يدفع هذا الثمن في بلد تسللت فيه طهران الى الداخل السنّي واستطاعت إيصال موال لها هو محمد ريكان الحلبوسي الى موقع رئيس مجلس النوّاب.

في غياب الاعتراض على ما تقوم به، تعتقد ايران انّ في استطاعتها الذهاب الى ما لا نهاية في اخضاع العراق حيث سيسهل نقل تجربتها بوجود أحزاب على رأسها شخصيات من نوع معيّن. انّها شخصيات قاتلت مع ايران ضدّ العراق في الحرب التي دارت بين 1980 و1988 وانتهت بشبه انتصار عراقي خلق حقدا إيرانيا لا حدود له على كلّ ما هو عربي وعراقي.

أجريت الانتخابات العراقية في الثاني عشر من مايو – ايّار الماضي. لا تزال الحياة السياسية معطّلة في البلد. لا يزال العراق يبحث عن هويّة له منذ عملت ايران كلّ شيء ابتداء من العام 2003 كي لا تعود له هويّة واضحة باستثناء هوية الجرم الذي يدور في فلك "الجمهورية الإسلامية" التي أسسها آية الله الخميني قبل تسعة وثلاثين عاما.

يمثل العراق الصورة الأقرب الى الواقع الذي يعيشه عدد من دول المنطقة. ما مصير اليمن بعد عمل مبعوث الامم المتحدة كلّ ما يستطيع كي يثبت سلطة الامر الواقع التي فرضها الحوثيون (انصار الله) في صنعاء؟ لا يمتلك الحوثيون ايّ تصوّر لما يمكن ان تكون عليه دولة شبه حديثة فيها أطفال ومراهقون يذهبون الى المدارس كي يتعلّموا ويتثقفوا وينهضوا ببلدهم بعيدا عن الشعارات التي تعبّر عن الفراغ والجهل والتي تنتمي الى ثقافة الموت ونشر البؤس والمرض والجوع.

لا حاجة الى الحديث عن سوريا ولبنان وما يعاني منه البلدان بسبب تصرفات ايران وميليشياتها. ففي لبنان لا حكومة الى الآن على الرغم من مضي سبعة اشهر على اجراء الانتخابات وعلى الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها الرئيس المكلّف سعد الحريري من اجل ان تكون هناك حكومة وحدة وطنية. لا تزال العقدة واضحة كلّ الوضوح وهي تكشف رغبة إيرانية، عبر "حزب الله"، من اجل اختراق السنّة في لبنان عبر وزير محسوب على النهج الايراني... على غرار ما حصل في العراق حيث صار رئيس مجلس النواب السنّي ايرانيّ الهوى!

هناك في الوقت ذاته ترجمة على الأرض لما تسعى اليه ايران عبر ميليشياتها المذهبية التي تلعب دورها في تغيير طبيعة المجتمع السوري.

ستكون السنة 2019 سنة حاسمة في مجال معرفة ما اذا كانت ايران ستبقى تمتلك حرية استخدام ميليشياتها لتحقيق مآربها في انحاء مختلفة من المنطقة العربية وجوارها.

ثمّة عالم في حال ضياع خصوصا بعد كلّ ما شهدته بريطانيا وفرنسا لأسباب مرتبطة بالوضع الداخلي خاصة بكلّ من البلدين. هناك غياب أوروبي عن الشرق الاوسط والخليج عموما. يفسّر هذا الغياب وجود ازمة داخلية بريطانية ناتجة عن الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في صيف العام 2016، فيما ازمة فرنسا من نوع آخر مرتبط في جانب منه برفض الشعب الفقير أي إصلاحات تنجم عنها زيادة في الضرائب. لكنّ ذلك لا يمنع التساؤل ما الذي ستفعله إدارة دونالد ترامب التي قررت وضع حدّ للمشروع التوسّعي الايراني؟

من الملفت ان هذه الإدارة التي تواجه بدورها صعوبات وتعقيدات على الصعيد الداخلي، بسبب تصرفات الرئيس الاميركي نفسه وتاريخه، تعرف ايران جيّدا. لديها وصف دقيق للخطر الذي يمثله النظام الايراني منذ قيامه في العام 1979 ولجوئه الى احتجاز ديبلوماسيي السفارة الاميركية في طهران طوال 444 يوما. سيتوقف الكثير على ما اذا كانت إدارة ترامب جدّية في الذهاب الى النهاية في وضع النظام الايراني في حجمه الحقيقي عن طريق العقوبات التي فرضتها على ايران والتي بدأ تطبيقها تدريجا في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي. هل اميركا جدّية مع ايران ام لا؟ ذلك هو السؤال الكبير في 2019.