جلسة تمديد فراغ المؤسسات

ضبابية الصور القائمة حول الجلسة الانتخابية القادمة تشي بمسارات غير مريحة لما ينتظره اللبنانيون.

ليس بالأمر الجديد ان تتعقد انتخابات الرئاسة في لبنان، فهي ظاهرة تتجدد بصور واشكال متماثلة ومتشابهة بالاسباب والخلفيات، انما تكتسي هذه المرة ابعادا وخلفيات وتداعيات مختلفة، نظرا لما ستتركه من آثار حاسمة في مستقبل لبنان بخاصة والمنطقة بعامة. وعليه تبدو الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية ذات دلالات مختلفة لجهة محاولة تدوير الزوايا وإعادة انتاج وقائع جديدة بصرف النظر عن حظوظ النجاح او الفشل.

فالحراك القائم حاليا انطلق من خلفيات وغايات غير متجانسة، وبالتالي ان طبيعة الحراك المنطلق حاليا يمثل احراجا قويا لحميع الأطراف اللبنانية باعتبارها فرصة أخيرة لتكوين بيئة حل، او الذهاب نحو نتائج خطرة متصلة بتحلل النظام السياسي في لبنان وما سيتركه من تداعيات على مستوى وجودي متصل بالكيان المعروف حاليا.

من ابرز متغيرات الحراك الحالي، هو التوجه الفرنسي الجديد المتمثل بإعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، تكليف وزير الخارجية الفرنسية السابق، جان ايف لودريان كموفد خاص الى لبنان لمتابعة ملف الرئاسة اللبنانية ومحاولة إيجاد توافق فعال حول الملف الرئاسي، في حين اعتبر فريق من اللبنانيين، ان ثمة تحوّلا رئيسا في السلوك السياسي الفرنسي مغاير لما اسند الى سلفه الوزير السابق بيار دوكان، الامر الذي اعتبره البعض تحولا فرنسيا تجاه مقاربة المعادلة السابقة لايصال الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة، فيما لا زالت الصورة ضبابية لطبيعة المهمة ومفاصل المتغير فيها، في وقت اعتبر الحراك الفرنسي مفاجئا في هذا الاتجاه ما أوحى بتفسيرات متباينة حول مداها وخلفياتها وأهدافها.

وايا يكن الحراك الفرنسي، ثمة واقع لبناني معقد وغير مسبوق. فقد تقاطعت مواقف كثيرة على ترشيح الوزير الأسبق للمالية جهاد ازعور في مقابل الوزير الأسبق للداخلية سليمان فرنجية، وهي محاولة اعتبرها البعض محطة للانتقال نحو خيار ثالث بصرف النظر عن إمكانية التحقق من عدمها. وفي أي حال من الأحوال، ان ضبابية الصور القائمة حول الجلسة الانتخابية القادمة، تشي بمسارات غير مريحة لما ينتظره اللبنانيون، لاسيما وان فشل هذه الجلسة في التوصل لانتخاب رئيس سيمدد الازمة باتجاهات اشد قسوة، من بينها الشغور الذي سيطال العديد من المواقع الحساسة جدا كحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش والكثير من المواقع الحساسة في النظام.

فالمسارات المتوقعة لجلسة الانتخاب مليئة بالمواقف والتصورات المضطربة دستوريا، وجميعها تتجه باتجاه المآلات غير المنتجة عمليا وفعليا، وفي احسن الأحوال ستكون نموذجا للجلسات السابقة، الذي سيسعى فريق المعارضة لصب الأصوات لصالح المرشح جهاد ازعور، الذي يعتبره الفريق الآخر مرشحا لقطع الطريق على سليمان فرنجية دون وجود حظوظ فعلية لانتخابه، حيث ستختلط الأوراق البيضاء بين الأصوات المؤيدة والمعارضة للخيارات المطروحة، وعليه ستؤول نتائج هذه الجلسة الى تمديد الفراغ ولو بخصائص ووقائع اشد قسوة وخطرا، دون إمكانية معرفة المآلات التي ستصل اليها الأمور.

ثمة ظروف ووقائع مماثلة لما قبل اتفاق الطائف 1989، فراغ رئاسي تمدد لمؤسسات رئيسة وحساسة، واليوم يغرق لبنان واللبنانيون وسط خيارات معدومة ووسط انقسام عامودي حاد وافتراق وتباين وصولا الى بيئات نزاعية حادة سرعان ما يمكن ان تنقلب الى احتراب دون ضوابط محددة للتحكم والسيطرة، ما ينقل مسارات الصراع الى مستويات ستأخذ الجميع نحو البحث عن صيغ جديدة لنظام سياسي لم يعد يلبي طموحات الكثيرين من الأطراف اللبنانية الفاعلة.

ثمة من يعتبر ان خلط المسارات القائمة حاليا قبل جلسة الانتخاب القادمة ربما تكون مليئة بالمفاجئات وان يكن معظمها ذات طبيعة ونتيجة واحدة ستؤدي الى تكريس فراغ رئاسي سيتمدد باتجاهات مختلفة، انما تداعياته ستكون كارثية على الواقع القائم كما على مستقبل ما ستؤول اليه أمور النظام سياسيا ودستوريا وبالتأكيد ديموغرافيا. وهنا بيت القصيد المتصل بصورة النظام القادم المفترض ومدى احتواءه للمعطبات الديموغرافية القائمة حاليا من نازحين ولاجئين، والذي باتت اعدادهم غير المعروفة أصلا تفوق اعداد اللبنانيين انفسهم.