حالات متعددة لجمال مبثوث في وجوه أفريقيات

الفنانة التشكيلية رباب الشعيبي ومعرضها بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون.
الفن سفر بالنهاية للكشف والتجدد وذهاب إلى الجوهر والكنه والعميق 
فنانة غاصت في أدغال الألوان

التلوين بما هو فسحة الدواخل ولعبة النظر تجاه العالم بما يحيل إليه من جمال مبثوث في الأمكنة.. كل الأمكنة بما هي عليه من أسرار وبهاء وزخرف حيث الذات في بعدها الجمالي تقول بالفن مجالا للتذوق وخطابا نحو السمو ولغة أخرى طافحة بالشعرية والسحر.
هذا هو الفن في تجلياته، ذلك الضرب من التوغل في الأشياء  والتفاصيل لقراءتها بعناوين من الالإداع والابتكار.
الفن سفر بالنهاية للكشف والتجدد وذهاب إلى الجوهر والكنه والعميق الذي يطلب تأملا وتأويلا  بما ينطوي عليه من دهشة. إنه الشغف تجاه الجميل الكامن في الذات وما حولها .. هي فتنة التلوين ينحت هيئات الحال والأحوال نشدانا للحالة بعيدا عن الآلة.
من هنا نمضي مع عوالم فنانة تعاطت مع لعبة الرسم والتلوين بحيز كبير من النظر مثل أطفال جدد وبلا ذاكرة سوى ذاكرة النظر العميقة. نظر إلى حالات متعددة لجمال مبثوث في أرجاء القارة السمراء، أفريقيا الساحرة بهذا البهاء والزخرف والألوان وغيرها من تفاصيل المشهدية الاجتماعية والثقافية خصوصا. وهنا نعني الفنانة التشكيلية رباب الشعيبي التي دعتنا إلى وجوه نساء أفريقيات حيث معرضها المتواصل إلى السبت 12 ديسمبر/كانون الثاني الجاري وذلك بفضاءات العرض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون تحت عنوان "جميلات القارة السمراء".
وجوه بتلوينات فيها الكثير من الدقة التي تشي بالحلم والشجن والبهجة والسرور وغير ذلك. تلوينات في غاية الجو الأفريقي بما فيه من جمال وثقافة قديمة وعميقة. هي الرسامة التي دعت جمهورها إلى هذه المفردات التشكيلية المحتفية بجميلات من القارة السمراء في تخير جمالي سعت ضمنه للحلول في هذا العالم الأفريقي الساحر.
الرسامة رباب الشعيبي بدأت رحلة بالشغف بالرسم والألوان مبكرا فهي من عائلة فنية وتشجع على الفن فقد كانت أمها السيدة روضة بن لطيف الفنانة العصامية المعروفة، وكما تقول هي "... أمي هذه المرأة العظيمة أول من وضعني على سكة الفن وأول من علمني مسك الفرشاة والعبث بالألوان... منذ صغري (عمري سنتان) كانت ترسم لوحاتها وتضعني أرسم بجانبها وتتركني هكذا غير مبالية بثيابي الملطخة والمتسخة بالألوان.. كنت أرى أمي قدوة وكنت أرى أعمالها إنجازا عظيما وكنت أتمنى أن أكون مثلها ودائما افتخر بأعمالها وأحمل صور لوحاتها في محفظتي لأريها لكل أصدقائي.. كنت أحس بالفخر وأتباهى بأعمالها.. من هنا انطلقت رحلتي مع الفن والألوان، وكنت أرسم في كل فرصة متاحة. أرسم أي شيء. مع الوقت في الإعدادية والثانوية كنت اختار كمادة اختيارية الرسم ولأتحصل على أعلى معدل بالقسم بمادة الفن التشكيلي مما زادني ثقة بنفسي... آخرها 2008 سنة البكالوريا حيث تحصلت على معدل 18 في مادة الرسم ومن هنا توجهت للمعهد الأعلى للفنون الجميلة وبدأت رحلتي مع الفن وقواعد الفن ودراسة الفن لأتخرج أستاذة للفنون التشكيلية سنة 2011. 
كان لأبي فضل كبير أيضا من خلال الدعم النفسي والمادي. كان يؤمن بقدراتي ويشجعني في كل عمل أنجزه ويسهر معي الليالي يعد لي القهوة ويبقى معي وأنا أعمل إلى أن أتم إنجاز شغلي. 

fine arts
فتنة التلوين 

من هنا تعلمت السهر على ما اريد تحقيقه وتعلمت أن أتعب من أجل ما أحب، وإلى جانب تجربتي كطالبة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس كنت طالبة ناشطة بدور الشباب وبالجمعيات الخيرية وأشارك في إنشاء ورشات رسم للاطفال والكبار وأنشر الحب والألوان في كل مكان وشاركت كذلك في عديد المعارض الجماعية بتونس وخارج تونس وتحصلت على عديد الجوائز وكانت جل أعمالي تتميز بالألوان الفاقعة والألوان المشعة. أغلب لوحاتي كانت تتميز بألوان بعيدة كل البعد عن الواقع والمألوف. أرسم بشغف وحب كبيرين، وقد يظهر هذا الحب من خلال حرارة الألوان وكثافتها والبعد عن الشفافية. أمزج الألوان بالحب والألوان الفاقعة التي تذكرني بألوان القماش الأفريقي الذي يلبسه معظم نساء وبنات جنوب أفريقيا. 
من هنا تطرقت لإنشاء معرض تحت عنوان "جميلات القارة السمراء" والمقصود هنا جميلات أفريقيا.
معرض رباب الشعيبي بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون يضم وجوها مختلفة لنساء مختلفات ميزاتهن أنهن يحملن ألوان ملابسهم على وجوههم فكانت النتيجة لوحات لوجوه نساء مختلفات بثوب ألوان أفريقية خارجة عن المألوف متوهجة وبملامح ونظرات مختلفة؛ بين فرحة وابتسامة .. بين الحياء والجرأة .. بين القوة والانكسار.. اختلاف يجعل المشاهد يسأل باحثا عن ما وراء هذه النظرات المختلفة.
تواصل الفنانة رباب القول إن "... كل لوحة من لوحاتي رسمتها بشغف رغم التعب والصعوبات التي تعرضت لها فمن الصعب أن أوفر وقتا للرسم، ورغم مسؤولياتي العائلية أعمل جاهدة كي يكون وقت ممارستي الرسم مناسبا ومتناغما وغير متضارب مع هذه  المسؤوليات والتحديات التي واجهتها.
أخيرا تناسيت كل التعب أمام كل من شجعني بداية من أمي وأبي وزوجي إلى أساتذتي لمجد النوري وزكريا القبي وإيناس الوسلاتي وغيرهم من الأساتذة الفنانين وكل منهم شجعني بطريقته الخاصة وجعل مني فنانة تشكيلية هذا اليوم وأريد أن أشكر وزارة الشؤون الثقافية على الدعم الذي وفرته لي لانجاز هذا المعرض من خلال تمكيني من منحة صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني...".
فنانة غاصت في أدغال الألوان .. في سحر أفريقيا الجمال والدهشة .. تحاور الوجوه وتحاولها قولا بما فيها من عوالم تشي بالجمال والسرور والشجن والفن. هي تلوينات رباب التي سافرت بنا إلى حرارة الحضور الأفريقي عبر الوجوه .. وجوه الجميلات.
معرض ووجوه وحرقة فنانة تجاه الجمال المبثوث هناك.. في أفريقيا.. القارة الأم.