حديث ذو شجون عن الفلسطينيين والتطبيع

التطبيع مع اسرائيل لن يضر القضية الفلسطينية كما أضرتها السلطة الفلسطينية وحماس.
الشعب الفلسطيني قدم الكثير وعانى ما لا يحتمله انسان والوضع كما هو منذ مائة عام
الفلسطيني قد يقول بعفوية ان التطبيع خيانة لكنه لا يعلم ما وراء الأكمة من كمائن تنصب للإمارات

ليس كل الكلام كالكلام، وليس الحديث عن السلام مدعاة للخصام، ولقد كان لحديث الدكتور علي راشد النعيمي رئيس لجنة الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي أمس وقع جميل نحن في أمس الحاجة اليه في خضم العراك العربي-العربي الذي تجاوز كل الحدود، فقد كمم أفواه المهاجمين للفلسطينيين بمنطق وحس عروبي عميق وشدد على حرص الامارات على فلسطين والفلسطينيين، والوقوف الى جانبهم دوما، وفصل ما بين الشعب والسلطة. فالشعب قدم الكثير وعانى ما لا يطاق ولا يحتمله انسان والوضع لا يزال كما هو منذ مائة عام، ولم يتحرر شبر واحد، بل لقد زاد سوءا بمزيد من الاحتلال وشبهات الفساد وارتباط المقاومة بالخارج. والذي صب الزيت على النار هو الاحتراب الداخلي بين فتح وحماس بصورة يندى لها الجبين، جعلت الفلسطيني يبحث عن أي مخرج له من هذا الجنون حتى ولو في زاوية في القطب الجنوبي.

قال النعيمي أن الشعب الفلسطيني ضحية، وقد أصاب، فهو ضحية الداخل والخارج، فهو إما قتيل أو طريد أو مهمش أو ذليل، ولم ينج سوى من أدرك باكرا أن حل المعضلة أكبر من تقديم الشهداء، وهاجر وتعلم وجمع ثروة وعاش معززا مكرما في بلاد "الكفار".

قد يغرد الفلسطيني بعفوية أن التطبيع خيانة، وهو لا يعلم ما وراء الأكمة من كمائن تنصب للإمارات وغيرها من الدول العربية، ولم يشاهد وزير الدفاع التركي وهو يعربد ويهدد ويتوعد الامارات بالعقاب، ولا يعلم التأهب الايراني للانقضاض على دول الجوار ولا يعلم أن جو بايدن سوف يكمل مشروع الشرق الأوسط الجديد اذا فاز في الانتخابات الأميركية ولا يشاهد اسرائيل وهي تقضم الأراضي العربية بالتدريج ولا يشاهد صداقة حماس مع ايران التي تحتل أراض إماراتية، ولا يعلم أن مصر مهددة بالموت عطشا، ولم يشاهد فيضان النيل الذي أغرق السودان، ولم يشاهد قاسم سليماني وهو يقول أن الطريق الى القدس يمر من الرياض، ولا يعلم أن هناك معاهدة اسمها معاهدة "لوزان الثانية" عقدت في عام 1923 ومدتها مائة عام وهي التي قيدت تركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وفرضت عليها الكثير من الشروط وسوف تنتهي في عام 2023، وهي تتأهب لاستعادة امبراطوريتها السابقة. وباختصار فإن مجمل الأوضاع لا يسمح لأي فلسطيني أن يلوم الامارات ولا يغرد بأية كلمة مسيئة، فالوضع بمجمله لا يبشر بالخير وربما لن يتوقف شلال الدماء الهادر منذ عام 2011 في المستقبل القريب.

إن دولة الامارات تسعى بكل ما أوتيت من قوة لسد الثغرات، وكلما سدت ثغرة، انفتحت واحدة جديدة، وهي تجتهد فان لم تستطيعوا مساعدتها، فساعدوها بصمتكم، خاصة وأن التطبيع مع اسرائيل لن يضر القضية الفلسطينية كما أضرتها السلطة الفلسطينية وحماس، بانشقاقهم واحترابهم وارتباطهم بالخارج. وسواء كان الهدف من التطبيع هو السلام بحد ذاته أو خطوة استراتيجية لحماية المنطقة من أطماع تركيا وايران، فهي على صواب، فأعينوها ما استطعتم، فإن لم تستطيعوا فلا ترشقوها بالخيانة والخروج عن الصف المزعوم.

إن حديث د. النعيمي أثار الكثير من الشجون، لأن الشعب الفلسطيني لم يبخل بدمه وقدم آلاف الشهداء وتحمل الحصار والجوع والعطش وهو لم يهاجم الامارات، بل أن من هاجمها لا يزال غير مقتنع أن الوضع القائم سيؤدي الى احتلال مزيد من الدول العربية.