حراك العراق ولبنان انتفاضة شعبية على منظومة الحكم

لبنان والعراق يلتقيان في نقاط أساسية منها تشابه نظام الحكم فيهما القائم على المحاصصات الطائفية والحزبية والذي بات حسب المعلن شعبيا، نظاما منبوذا يختزل ضيق الشعبين في البلدين بالنخبة الحاكمة.

النخبة السياسة الحاكمة في لبنان هي نفسها منذ عقود
علّة العراق ولبنان في نخبتيهما الحاكمة
بين العراق ولبنان منظومة حكم متشابهة ملّها الشعبان
الاحتجاجات تقلب الطاولة على النخبة الحاكمة في العراق ولبنان

بيروت/بغداد - رسمت الاحتجاجات التي يشهدها لبنان وقبله العراق، صورة مغايرة تماما عن أي احتجاجات سابقة حيث لم ترفع فيها لا شعارات ولا أعلام حزبية ولا طائفية ولا صور زعماء سياسيين أو دينيين، في سابقة سلطت الضوء على ضيق صدر الشعبين بالنخبة الحاكمة المهيمنة على المشهد السياسي والتي لم تتغير منذ سنوات.

ويلتقي لبنان والعراق في نقاط أساسية منها التشابه في نظام الحكم فيهما القائم على المحاصصات الطائفية والحزبية والذي بات حسب المعلن شعبيا، نظاما منبوذا يختزل ضيق الشعبين في البلدين بالنخبة الحاكمة. كما يلتقي البلدان في ظاهرة استشراء الفساد فيهما وهو ما دفع بمئات الآلاف في بيروت وبغداد للخروج في مسيرات شعبية عفوية خلت من أي رموز أو شعارات سياسية أو حزبية أو طائفية.

ويرى العراقيون واللبنانيون أن العلّة في بلديهم هي في نخبتهم الحاكمة لذلك كانت شعاراتهم ضد منظومة الحكم بتركيبتها الحزبية والطائفية.

ويتظاهر مئات آلاف اللبنانيين منذ خمسة أيام ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي لم تتبدل ملامحها إلا لماما سواء خلال سنوات الحرب الأهلية (1975 - 1990)، أو في مرحلة ما بعد الحرب التي جاءت بوجوه جديدة سرعان ما تبنت قاعدة التوريث السياسي.

ورفع المتظاهرون الصوت عاليا ضد مسؤولين احتفظوا بمناصبهم منذ أكثر من 30 عاما وآخرين ورثوا المسؤولية والحكم عن أبائهم وعائلاتهم، فالمشهد في العراق لا يختلف كثيرا عن المشهد في لبنان.

احتجاجات لبنان لم ترفع إلا العلم اللبناني عابرة للطوائف
احتجاجات لبنان لم ترفع إلا العلم اللبناني عابرة للطوائف

ومنذ إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين على إثر الغزو الأميركي للعراق في مارس/اذار 2003، يدير الحكم تحالف أحزاب شيعية، حيث يرأس الحكومة شخصية شيعية ويرأس البرلمان شخصية سنّية وتتولى رئاسة الجمهورية شخصية كردية.

وفشلت منظومة الحكم في العراق على مدى أكثر من 15 عاما في معالجة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الوقت الذي استشرى فيه الفساد وتغلغل في كافة مؤسسات الدولة.

وشهد العراق احتجاجات عارمة في أكثر من مرة على استشراء الفساد وسوء الخدمات وانقطاع الكهرباء والماء. ونجح رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر في تحريك الشارع في العام الماضي وقاد اعتصاما داخل المنطقة الخضراء.

وكان معظم المحتجين من أنصاره واتسمت تلك الاحتجاجات بطابعها الحزبي والطائفي ورفعت فيها شعارات وأعلام أحزاب.

لكن الاحتجاجات الأخيرة كانت مختلفة عن سابقاتها حيث خلت من كل مظاهر التحزب والشعارات الطائفية ورفضت أي تدخل من أي زعيم حزبي أو ديني وكانت شعبية بامتياز.

والمشهد ذاته تكرر أخيرا في لبنان حيث سلطت الاحتجاجات الضوء على ضيق شعبي من منظومة الحكم ومن فساد النخبة الحاكمة، فكانت المظاهرات عفوية بلا شعارات طائفية أو حزبية حتى أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اعتبر أنها قلبت الطاولة على الجميع ووصفها رئيس الوزراء سعد الحريري بأنها كسرت حاجز الطائفية.

ويعتمد لبنان على منظومة حكم بحيث توزع المناصب الأساسية بنسب محددة بين أعلام الطوائف المختلفة: رئاسة الحكومة للسنّة والبرلمان للشيعة والرئاسة لشخصية مارونية.  

ويستند هذا النظام الطائفي على بيانات الإحصاء في عام 1932 هو الإحصاء الرسمي الوحيد في لبنان والذي أظهر أن المسيحيين الموارنة هم أكثر طوائف لبنان من حيث السكان.

وقد انتخب ميشال عون (84 عاما) رئيسا للبلاد في العام 2016 إثر تسوية أتت برئيس الحكومة سعد الحريري رئيسا للحكومة.

وفي يونيو/حزيران 1984، عين عون قائدا للجيش اللبناني وبات لقب "الجنرال" منذ ذاك الحين ملتصقا باسمه. وشكل العام 1988 التحول الأول في مسيرته، حين شكل حكومة عسكرية واتخذ من القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت مقرا، وبقي فيه لمدة سنتين خاض خلالها معركتين مدمرتين خلال الحرب الأهلية.

ورفض عون اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية برعاية السعودية. وفي العام 1991، غادر إلى فرنسا ليبقى منفيا فيها لمدة 15 عاما. في العام 1996، أسس عون التيار الوطني الحر.

وكان لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005 وما تلاه من اندلاع احتجاجات شعبية دفعت القوات السورية إلى الانسحاب من لبنان، الدور المباشر في عودة عون من منفاه.

ومنذ ذلك الحين، عاد عون بقوة إلى المشهد السياسي في لبنان واضعا في المقدمة صهره جبران باسيل الذي يتولى اليوم منصب وزير الخارجية.

ويرأس باسيل (50 عاما)، التيار الوطني الحر خلفا لعون وقد نال الحصة الأكبر من الهتافات والشتائم في التظاهرات الجارية.

ويحمل خصوم باسيل عليه تفرّده بالقرار داخل مجلس الوزراء، مستفيدا من حصة وزارية وازنة لتياره ومن تحالفه مع حزب الله.

وسطع نجم سعد الحريري (49 عاما) في العام 2005، زعيما سياسيا بعدما قاد فريق "قوى 14 آذار" المعادي لسوريا إلى فوز كبير في البرلمان.

الاحتجاجات في لبنان والعراق كانت مختلفة عن سابقاتها حيث خلت من كل مظاهر التحزب والشعارات الطائفية ورفضت أي تدخل من أي زعيم حزبي أو ديني وكانت شعبية بامتياز

وساعده في ذلك التعاطف الكبير معه بعد مقتل والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في تفجير مروع في وسط بيروت والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه.

وورث الحريري عن والده، بالإضافة إلى السياسة، ثروة ضخمة وشبكة واسعة من العلاقات حول العالم، لكنه عانى من مشاكل مالية كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وقال في وقت سابق إن التزامه السياسي كلفه الكثير من ثروته.

ويعتبر نبيه بري (81 عاما) صاحب أطول ولاية في رئاسة مجلس النواب في العالم العربي وأقدم شخصية في منظومة الحكم في لبنان.

ووصل بري الذي كان يصنّف خلال الحرب الأهلية (1975-1990) من بين "أمراء الحرب"، إلى سدة الرئاسة الثانية في العام 1992 خلال فترة النفوذ السوري.

وإثر الانتخابات النيابية في العام 2018 وللمرة السادسة على التوالي، نجح بري المشهود له بحنكته السياسية وخفة ظله، في الاحتفاظ بمنصب رئيس البرلمان.

وانضم إلى حركة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) التي أسسها الإمام موسى الصدر عام 1970. وترأس الحركة في 1980 بعد عامين من اختفاء الصدر.

وشاركت حركة أمل برئاسته في الحرب الأهلية اللبنانية وخاضت مواجهات مع أطراف عديدة بينها الميليشيات المسيحية والفصائل الفلسطينية وحتى حزب الله قبل أن يصبح الطرفان شريكين أساسيين في الحياة السياسية.

كما شاركت في عمليات المقاومة التي ساهمت في خروج إسرائيل من لبنان العام 2000.

شخصية أخرى شكلت لعقود جزء من منظومة الحكم والمشهد السياسي في لبنان هو الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (70 عاما) الذي تسلم زعامة عائلته السياسية اثر اغتيال والده كمال في العام 1977 بإطلاق الرصاص من مجهولين اعترضوا سيارته. ويتهم جنبلاط النظام السوري باغتيال والده.

وفي مارس/آذار 2017، سلّم جنبلاط نجله الأكبر تيمور زعامة العائلة السياسية الذي بات يحلّ مكان والده في استقبال مناصري الحزب في نهاية كل أسبوع، في منزله في المختارة ويستمع لشكاويهم ومطالبهم. وانتُخب تيمور نائبا مكان والده في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ويتمثل حزب جنبلاط اليوم بثلاثة وزراء في الحكومة الحالية. ويعرف بنشاطه على موقع تويتر، الذي بات يعلن منه مواقفه السياسية. وتتخذ تغريداته في معظم الأحيان طابعا ساخرا.

منظومة حكم لم تتغير منذ عقود
منظومة حكم لم تتغير منذ عقود

وتولى سمير جعجع (66 عاما) قيادة ميليشيا القوات اللبنانية التي تحولت حزبا سياسيا، إبان الحرب بعد أربعة أعوام من اغتيال رئيس الجمهورية الأسبق بشير الجميل في العام 1982.

ويُعد الزعيم الوحيد الذي دفع ثمن مشاركته في الحرب الأهلية سجنا لمدة 11 عاما بتهم تنفيذ حزبه اغتيالات وتفجيرات.

ويتهم سليمان فرنجية زعيم حزب "المردة"، جعجع بالمشاركة في قتل والده طوني ووالدته فيرا وشقيقته جيهان (ثلاث سنوات) وعدد كبير من أنصاره في ما عرف بـ"مجزرة اهدن" في العام 1978. وكان جعجع مشاركا في العملية العسكرية في ذلك الحين، لكنه أصيب، بحسب ما يقول حزبه، قبل الوصول إلى منزل فرنجية، ونقل إلى المستشفى.

وخرج جعجع من السجن في العام 2005 بموجب عفو عام صدر عن المجلس النيابي، إثر انتخابات نيابية أعقبت انسحاب القوات السورية من لبنان وأوصلت أكثرية مناهضة لسوريا إلى البرلمان.

ورث سامي جميل النائب الحالي في البرلمان، رئاسة حزب الكتائب من والده أمين الجميل، رئيس الجمهورية الأسبق (1982-1988). ويقدم جميل، غير الممثل في الحكومة، نفسه اليوم على أنه يقود حزبا معارضا لتحالفات السلطة الحالية. ونديم الجميل، إبن بشير الجميل، نائب اليوم أيضا في البرلمان عن حزب الكتائب.

وتشير الخارطة السياسية والحزبية في لبنان إلى توريث المناصب والزعامات الحزبية والطائفية التي باتت تشكل اليوم استنساخا مملا ضاق به صدر اللبنانيين.